الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل سيُقر الرئيس قانون العفو العام؟ 58 الف قضية متراكمة بالمحاكم

نشر بتاريخ: 05/06/2009 ( آخر تحديث: 06/06/2009 الساعة: 18:39 )
بيت لحم -كتبت عبلة درويش- في خضم الجهود المبذولة للتغلب على مشكلة تراكم القضايا المنظورة أمام المحاكم الفلسطينية خلال سنوات الانتفاضة والتي وصل عددها وفقا لإحصائيات مجلس القضاء الأعلى ما يقارب 58 ألف قضية، جاء مشروع قانون العفو العام الذي تقدم به مجلس القضاء الأعلى إلى جانب قوانين قضائية أخرى إلى المجلس التشريعي لمناقشتها، وحظي هذا القانون ومشروع تعديل قانون تشكيل المحاكم بتوصية لإقرارهما من أعضاء اللجنة المختصة بدراسة القوانين القضائية في المجلس التشريعي وعدد من النواب والكتل البرلمانية، كذلك أوصت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بقانون العفو العام حيث كانت تتابع جلسات نقاشه في التشريعي، وبذلك أصبحت مسودة قانون العفو العام جاهزة لتقديمها إلى الرئيس محمود عباس وهي تحظي بدعم هاتين الجهتين إضافة إلى دعم مجلس القضاء الأعلى.

ويهدف قانون العفو العام إلى حل ما عرف بـ"مشكلة الاختناق القضائي" في المحاكم الفلسطينية والتي يعود معظمها إلى سنوات الإنتفاضة الفلسطينية خاصة للأعوام الممتدة من 2000 الى 2006، في حين تشير معطيات مجلس القضاء الأعلى ان القضايا التي يزيد عمرها عن ذلك هي فقط 2500 قضية من مجمل عدد القضايا المتراكمة، حيث شلت عن العمل خلال سنوات الإنتفاضة قدرة مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وكان من ضمنها المحاكم الفلسطينية، حيث عاد الإحتلال للمدن، ودمر المراكز الأمنية والسجون، واطلق سراح كل المعتقلين الجنائيين، وفصل المدن عن بعضها، وعطلت المحاكم، تلى ذلك مرحلة من الفوضى والانفلات الأمني وصلت لدرجة أن المسلحين اعتدوا على المحاكم وأغلقوا أبوابها في بعض الأحيان، لتختم هذه المرحلة بحصار تجويعي للسلطة الوطنية بعد وصول حركة حماس للحكم، شلت فيه قدرات مؤسسات السلطة ومن بينها المحاكم بفعل اضراب الموظفين الحكوميين نتيجة انقطاع رواتبهم.

كيف بدأت الفكرة:
جاءت فكرة قانون العفو العام، حين باشر مجلس القضاء الأعلى بتشخيص أسباب ضعف ثقة الجمهور الفلسطيني بالقضاء نتيجة تراكم ألاف القضايا أمام المحاكم، وبطء فصل المحاكم بالقضايا بفعل العوامل السابقة، لدرجة أنه درج بين الناس مصطلح "روح على المحكمة"، لمن يريد أن يعتدي على حق آخر، في إشارة إلى أن المحاكم لن تحقق شيء.

وهنا خلص مجلس القضاء الأعلى إلى أنه لا بد من "ثورة قضائية" من أجل عودة ثقة الجمهور بالقضاء، أو يكتب للقضاء شهادة وفاة، وقرر الخيار الأول وهو اعادة إحياء القرار، حيث ترافق ذلك مع تولي الدكتور سلام فياض لرئاسة الحكومة، والذي أولى من جانبه اهتماماً بالقضاء وفقاً لشهادة رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي عيسى ابو شرار، اهتماماً لم يوليه من قبل أي رئيس وزراء سابق، ودعم بقوة توجهات مجلس القضاء الأعلى لإصلاح القضاء، خاصة فيما يتعلق بالتعينات القضائية، وتعيين موظفين اداريين للمحاكم، وباشر مجلس القضاء الأعلى بدعم من الحكومة والمانحين ببناء مقرات محاكم جديدة في اريحا وجنين وبيت لحم وغير ذلك من المحافظات، وعمل مجلس القضاء على مأسسة السلطة القضائية، حيث شكل دوائر جديدة للتفتيش القضائي والرقابة على أداء المحاكم والتدريب والتخطيط وتكنولوجيا المعلومات وادارة المحاكم إضافة الى دائرة الإعلام والعلاقات العامة التي وضعت هدفها الأول تعزيز ثقة الجمهور بالقضاء، واتخذ مجلس القضاء العديد من التدابير التي من شانها ضمان حسن إدارة القضاة للدعاوي بشكل أفضل من السابق وبصورة تضمن سرعة الفصل بالقضايا، وخلص تشخيص مجلس القضاء الأعلى إلى أن خطواته الإصلاحية لن تكتمل دون تعديل رزمة التشريعات القضائية، ومن بينها إقرار مشروع قانون للعفو العام، فأعد مجلس القضاء مسودة مشروع قانون للعفو للمرة الأولى منذ قرابة عامين.

ماذا يشمل قانون العفو العام:
يتراكم في محكمة الصلح 46 ألف قضية، وفي محكمة البداية 10 الاف قضية، لكن قانون العفو العام يستهدف فقط قضايا محاكم الصلح والتي تقل العقوبة فيها عن ثلاثة سنوات، ويستثني بصورة مطلقة القضايا المنظورة أمام محاكم البداية ومنها "الجنايات"، والتي تزيد عقوبة الحبس فيها عن ثلاثة سنوات، أي ان الجرائم المنظورة أمام البداية أخطر من تلك المنظورة أمام الصلح، ولا يجوز لمرتكبيها أن يفلتوا من العقاب.

ويحدد مشروع القانون سقفاً زمنيا للقضايا التي يمكن يشملها العفو بحيث تكون قد وقعت قبل تاريخ 1-1-2007، سواء صدرت بها احكام ام لم تصدر، وذلك لتحقيق مبدأ المساواة، بحيث تسقط كل دعوى جزائية وعقوبة اصلية كانت ام فرعية تتعلق بأي من تلك "الجرائم"، على ان لا يشمل القانون القضايا التي وقعت بعد هذا التاريخ، والتي ستجري اجراءت الفصل بها بالطريقة العادية في المحاكم والقضاء الفلسطيني. كما أن العفو سيتعلق بالقضايا الجزائية، أو ما يعرف بالأوساط القانونية بالحق العام، ويستثنى من العفو أي قضايا تتعلق بحقوق الأفراد أو ما يعرف بالحق الخاص مهما كان حجمه.

قضايا غير مشمولة بقانون العفو العام:
قانون العفو العام لن يشمل جميع القضايا المنظورة أمام محاكم الصلح قبل ذلك التاريخ، فهناك قضايا أو جرائم رأت اللجان التي صاغت مشروع القانون أنها لن تكن مشمولة في العفو، سواء بالنسبة للفاعل الاصلي او الشريك او المتدخل او المحرض، وعدا عن القضايا الحقوقية المتعلقة بحقوق الأفراد المادية المستثنى أصلا من العفو، استثنيت الجرائم التالية:

التجسس والخيانة، "الارهاب"، الفتنة، جمعيات الاشرار، القتل العمد والقتل القصد او مع سبق الاصرار والترصد، والقتل على خلفية الشرف، خطف الاشخاص، الجرائم المخلة بالاخلاق والاداب العامة، الاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية والعقاقير الخطرة، الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة كالرشوة، والاختلاس واستثمار الوظيفة، التزوير واستعمال مزور، بعض جرائم السرقة، جرائم سلب الاموال وابترازها، الجرائم المتعلقة بالتموين والصحة العامة، غسل الاموال وتزوير "البنكنوت" والجرائم المتعلقة بالمسكوكات، جرائم التهرب الجمركي، الجرائم المتعلقة بتسريب وبيع الاراضي للعدو، الجرائم المتعلقة بالكسب غير المشروع.

في حال اعتراض من احد المدعين:
اللجان التي ناقشت مشروع القانون توقعت انه قد تبرز بعض الصعوبات عند تنفيذ القانون فاقترح تشكيل لجنة قضائية ستنظر في الاعتراضات التي يمكن أن تقدم عند تنفيذ القانون. اللجنة ستكون برئاسة رئيس المحكمة العليا وعضوية النائب العام وقاضي من قضاة محكمة الاستئناف في كل اعتراض او اشكال او تفسير ينجم عن تطبيق احكام هذا القانون وتصدر اللجنة قراراتها بالاكثرية.

من ساهموا بمناقشة مسودة القانون كان لديهم رأياً داعماً لقانون العفو العام. فقد اكد وليد عساف النائب في التشريعي عن كتلة فتح البرلمانية، ورئيس اللجنة التشريعية المكلفة بمراجعة القوانين القضائية، والذي قاد مراجعة مشروع قانون العفو العام، على ضرورة إقرار هذا القانون حتى يتمكن القضاء من التخلص من تراكم القضايا ومن ثم التفرغ للبت في القضايا الجديدة، مشيرا إلى أن 10 آلاف قضية متراكمة في محكمة البداية ستكون بحاجة إلى 13 عاما للفصل بها وفقاً لقدرة المحاكم الإنتاجية الحالية، وحبذ اضافة الى العفو اجراء تعديلات على بعض التشريعات خاصة تعديل قانون تشكيل المحاكم، والعودة الى نظام الهيئة المكونة من قاضي واحد، خاصة أن النظام القضائي الفلسطيني يتكون من عدة درجات ويتيح إمكانية الاستئناف أمام هيئات ثلاثية وخماسية.

وأضاف عساف أن تعديل هذا القانون سيمكن القضاء من السيطرة على القضايا المتراكمة أمام المحاكم خلال السنوات القليلة القادمة حيث ستتضاعف قدرات محاكم البداية الإنتاجية، وقال ان اقرار هذا القانون ومشروع قانون العفو العام سيعطي شعورا بالثقة بالقضاء الفلسطيني، خاصة اذا علمنا أن المحاكم أصبحت تسيطر على القضايا الواردة، وخلال العام الماضي والحالي عدد القضايا المتراكمة في تراجع والمفصولة بإزدياد.

واكد ماجد العاروري، المسؤول الإعلامي في مجلس القضاء الأعلى، على اهمية قانون العفو العام، مؤكدا انه سيشمل ما لا يقل عن 10 الاف قضية من اصل 46 الف قضية في محكمة الصلح، الامر الذي سيساهم في تفعيل دور القضاء، التخلص من التراكم، ولن يمس بأي حق من حقوق الانسان حيث تم العمل به على الحفاظ على الحقوق والحريات. وأشار الى أن هذا القانون سيكون " لمرة واحدة" وفي حال الحاجة مرة اخرى لقانون سيجري نقاشه من جديد.

واكد الاستاذ المحامي صلاح الدين موسى، مدير دائرة مراقبة التشريعات والسياسات العامة في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان "ديوان المظالم"، والتي كانت جزءا من اللجان التي بدأت بفكرة قانون العفو العام، اكد على ضرورة تنفيذ هذا القانون، لما له من اهداف كبيرة ستنعكس بصورة كبيرة على ثقة الشعب بالقضاء الفلسطينية، وستعمل على تقليل التراكم في القضايا في المحاكم الفلسطينية، والذي سترافق مع مشروع قانون تشكيل المحاكم والذي ينص على مضاعفة عدد هيئات المحاكم وعدد القضاة، لتتمكن من البت في القضايا المتراكمة.

مشروع القانون تم نقاش مواده نقاشاً مستفيضاً من قبل اللجنة التشريعية التي كلفت بذلك، وشارك بمناقشته خلال ثمانية جلسات مطولة أكثر من عشرين نائب من كتل برلمانية عدة وإن كان بعضهم يشاركون بصورة متقطعة، وتابع نقاشاته قضاة ومحامين من بينهم نقيب المحامين الحالي والنقيب السابق، وممثلين عن الهيئة الفلسطينية المستقلة، وكان برأي البعض من اكثر القوانين نقاشاً.

القانون سيبقى حبراً على ورق ولن يلمس له أي نتيجة ما لم يحظى بمصادقة الرئيس محمود عباس عليه، صاحب الصلاحية التشريعية الوحيد في وقت يواجه فيه المجلس التشريعي الفلسطيني استحالة مادية لإنعقاده، فهل سيقره الرئيس، أم انه سيقدر أن شرط الضرورة المنصوص عليه في القانون لإقرار التشريعات من قبل الرئيس لا يتوفر ليقر هذا القانون؟!