الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل سيُقر الرئيس تسوية تضمن تمليكهم لبيوتهم؟

نشر بتاريخ: 13/06/2009 ( آخر تحديث: 18/06/2009 الساعة: 23:33 )
بيت لحم - معا - تقرير عبلة درويش - الحلقة الاولى - ما يقارب 2650 عائلة فلسطينية مهددة باخلاء منازلها وخيامها في قرى النويعمة والديوك والعوجا في صحراء محافظة اريحا، بعد ان تقدمت سلطة الاراضي الفلسطينية بدعوى جزائية شملت في هذه المرحلة حوالي 400 عائلة منهم بتهمة الاعتداء على اراضي واملاك الدولة، حيث اشترى صندوق الاستثمار الفلسطيني 8 الاف دونم من اصل 11 الف دونم في تلك المنطقة والمواطنون يقطنون على الارض التابعة للسلطة وليس على الارض التي اشتراها الصندوق.

جلسات محاكم بالعشرات:
تعقد في هذه الأيام بهذا الخصوص المحكمة الخاصة بالنظر في التعديات على أراضي الدولة جلساتها في مبنى محكمة صلح أريحا، ويترأسها وفقاَ للقانون، بقرار من مجلس القضاء الأعلى القاضي جمال شديد، حيث حضرت مراسلتنا عددا من جلسات المحكمة، ولاحظت أن معظمها أجُل بناء على طلب الأشخاص المتهمين بالاعتداء على أملاك الدولة لاستكمال جمع أوراقهم الثبوتية، وتتم الجلسات بحضور محامية سلطة الأراضي.

قرى النويعمة والديوك والعوجا:
يسكن القرى المذكورة الأهالي الأصليين منذ عقود خلت، إضافة إلى المناضلين الفلسطينيين "العائدون" إلى الأراضي الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، حيث لم يكن إعادة الانتشار قد أنجز في الضفة، ولم يكن يملك معظم "العائدون" أراض أو أملاك، فأصدر الرئيس الراحل ياسر عرفات قرارا بإعطاء تلك العائلات أراضي في النعويمة التابعة لأراضي محافظة أريحا ليبنوا عليها منازلا ويعيشوا فيها، إلى أن رفعت مؤخراً سلطة الاراضي عليهم دعاوى في المحاكم لمطالبتهم باخلاء الارض التي اقاموا منازلهم عليها.

مراسلة "معا" تجولت في قريتي النويعمة والدويك بعد أن تابعت جلسات المحكمة في ذلك اليوم، واطلعت عن كثب على المشكلة الواقعة، ووجدت أن العائلات تعيش مأساة حقيقة في ظل خدمات غير مكتملة، فالمنازل بغالبيتها عبارة عن بيوت من طين، واخرى مبينة منذ أكثر من مائة عام، عائلات تعيش في الخيام، وشوارع غير مؤهلة يسلكها المواطنون، وأطفال يدرسون في كرفانات تحت اشعة شمس الحارقة، وكل صفين او ثلاثة يتم دمجهم في كرفان، ايتوجب علينا ان نقل لهم "اطرقوا جدران الخزان" لنسمعهم ونساعدهم!؟

عائلات عاشت هناك قبل حرب الـ 67، وعائدون أكرمهم الرئيس الراحل عرفات وأسكنهم فيها، والتقت مراسلتنا بعائلات عدة تقطن في القرى، ولفت نظرها عجوز مطلقة تسكن هناك، ليس لها معيل الا الله تعالى، كانت تتسلل ليلا بين بيوت المستوطنين الذين استولوا على ارض هذه القرى ولا يأخرون فرصة في الاعتداء على المواطنين وخيامهم واغنامهم، وتقوم بأخذ قمامتهم من قطع نايلون، وصناديق قديمة صدئة، وأغطية مهترئة، لتبني لها منزلاً تعيش فيه، واليوم مهدد بإخلائه .

يعمل سكان النويعمة والعوجا والديوك بالرعي وتربية الاغنام، واخرون يعملون في البناء وتأهيل الشوارع وغيرها، وبعضهم يعمل بالوظيفة العمومية.

مراسلتنا زارت خيمة عجوز دعتها لزيارتها واستقبلتها بكل حفاوة صدر رغم ضيق الحال، فشعرت أن شدة الحرارة داخل الخيمة تفوق شدتها بالخارج، انها أشبه بفرن، ومع ذلك تقول العجوز "يجبروننا أن نخلي جهنم لنعيش في الجحيم".

العجوز "ام موسى" لا تعلم القراءة والكتابة، ووصلها دعوى من المحكمة لانها من ضمن العائلات "المعتدية" على اراضي الدولة، فلم تعلم التاريخ الذي يجب عليها المثول امام المحكمة فيه، فذهبت في اليوم التالي للجلسة، واذ بالمحكمة تسلمها قرارا بإزالة الخيمة التي تسكن فيها وغرامة مالية قدرها 50 دينارا اردنيا.

وتقول العجوز " اقسم بالله العظيم لو ان الرئيس محمود عباس زار المكان هنا، لأصدر قرارا ألغى فيه كل الإجراءات المتخذة بحقنا، وسمح لنا العيش في خيامنا ومنازلنا، وانا اعلم انه يحبنا ويريد دوما لشعبه الخير".

وتروي سيدة اخرى وهي زينب صافي 36 عاما معاناتها، وهي أرملة توفي زوجها قبل 5 اعوام، فسكنت واطفالها الـ6 و ابناء شقيقها الـ3 في غرفة صغيرة في منزل عائلتها، وتعمل مزارعة تبيع اوراق العنب، والملوخية، تقول أن افاعي سرت بجانب سرير نجلها الأصغر بلال 4 اعوام، كان ذلك دافعا لتشتكي سوء الحال لصديقاتها، فقام رجل رفض التعريف باسمه من القدس بعد ان سمع القصة، وساعدها من تشطيب منزلها كاملا، بعد ان كانت قد استدانت وبدأت بالبناء، وما ان بدأت البسمة ترتسم على وجهها ووجوه ابنائها الايتام بسكن كريم، إلى أن رفعت عليها قضية باخلاء المنزل والازالة.

نجلها بلال 4 اعوام، عندما سمع ان الصحافة تزور قريتهم جاء مسرعا فرحا، قائلا لمراسلة معا :"تعالي شوفي ما احلى بيتنا، بس امي بتحكي انو السلطة بدها تهدوا، احكيلهم بيتنا بيجنن وكبير، احكيلهم ما يهدوا منشان الله ".

واوضح الشيخ غالب عواطلة رئيس المجلس القروي للنويعمة والديوك والمختار محمود سلامة الكعابنة، مستنداً الى الخرائط والاوراق الثبوتية التي زود وكالة معاً بنسخة منها ان الهيكل التنظيمي للقرى مصادق عليه من قبل وزارة الحكم المحلي عام 1998، وهي ضم 500 دونم لاراضي قرية النويعمة بسبب ضيق مساحة الاراضي وللتوسع السكاني الطبيعي، وتعتبر الـ 500 دونم من الحصة المتبقية من الاراضي التي بيعت لشركة صندوق الاستثمار، للسلطة الوطنية والتي تمت المصادقة عليها بالتوسع، فقام الاهالي بالتوسع على الـ 500 دونم، واليوم ترفع عليهم سلطة الاراضي قضايا بتهمة الاعتداء.

والتقت مراسلتنا بموظفي دائرة الاراضي الذين كانوا يقومون بسمح المنطقة، وترسيمها، وسألتهم ماذا تفعلون هنا، فردوا ان معظم الاهالي قاموا بالاعتداء على اراضي املاك الدولة.

واكد رئيس المجلس القروي الشيخ غالب عواطلة انه واهالي القرى ناشدوا د.صائب عريقات، قبل فترة قصيرة وقال لهم حسب الشيخ عواطلة "لا تذهبوا الى المحكمة، انا بحلها".

معسكرات اجهزة الامن:
اتفقت السلطة عام 1995 مع اهالي القرية ومخاتيرها شفويا حسب اهالي القرية والمختار ورئيس المجلس القروي، على اخذ مساحات من اراضيهم المعرفة باسم "جذر البلد" مسجلة باسم مخاتير القرى هناك، لتبني عليها السلطة معسكرات لتدريب الاجهزة الامنية وبالمقابل كان الاتفاق، ان تقوم السلطة باعطاء اهالي القرى اراضي ومساحات بدل تلك الاراضي، ولم يطبق هذا القرار، وعندما يقوم اهالي القرية بتطبيق الهيكل التنظيمي الـ 500 دونم ترفع عليهم دعاوى بالاعتداء على املاك الدولة.

وناشد الاهالي الرئيس والحكومة الفلسطينية بحل جماعي لاهالي قرى النويعمة والديوك والعوجا، وتأمين حياة كريمة لهم، وناشدوهم أن يزوروا القرية.

وكان الدكتور سلام فياض قد اصدر قرارا عام 2008 ببناء مدرسة مكونة من 3 طوابق لهذه القرى بقيمة 150 الف دولار امريكي، والعمل جار على بنائها.

والدة احد طلبة المدارس قالت لـ "معا" :"لو استمرت إجراءات اقتلاعنا، ستبقى المدارس خالية من الطلبة، لأننا سنتشرد في الشوارع، كل هذا يجري في وقت تقدم فيه مساعدات مالية لتزفيت الشوارع، وبناء مشاريع حيوية وتأهيل مناطق، فلماذا ذلك ما دمنا سنطرد".

وعلق أحد الحقوقيين على ما يجري " من المؤسف أن لا نكترث لمعاناة هؤلاء السكان، وأن ننتظر حتى تصدر المحكمة أمراً بطردهم وهدم منازلهم، فالحل القانوني لا يضمن العدل في هذه الحالة كون أن القانون ليس في مصلحتهم، أعتقد أن الحل يكمن باتخاذ الرئيس أو مجلس الوزراء قراراً بتمليكم الأراضي التي بنيت عليها منازلهم، ويمكن للحكومة أن تسارع للتوصل إلى تسوية لمشكلتهم تضمن بقاءهم في منازلهم، لكن ان نتجاهل معاناتهم فذلك كارثة لا يجوز أن تحصل".