بعد 42 عاما من الكتمان...أسرار احتلال إسرائيل لغزة بلا قتال
نشر بتاريخ: 21/06/2009 ( آخر تحديث: 21/06/2009 الساعة: 12:44 )
القاهرة - معا - تحقيق الصحافي أشرف أبو الهول - سقطت غزة من أقصاها الي أدناها في حرب الأيام الستة دون إطلاق رصاصة واحدة تقريبا بل والأكثر من ذلك فان السكان خرجوا لاستقبال الدبابات الاسرائيلية بالزغازيد والشربات وهم في سعادة غامرة لأن املهم تحقق اخيرا، ولم يكن السبب في ذلك الخيانة كما حدث عند سقوط بغداد كما قد يتصور البعض، ولكنه كان وللأسف الاعلام العربي وبخاصة الاذاعة.
القصة تبدو أغرب من الخيال ولكنها للأسف حقيقية وقد حدثت وتأكدت من حدوثها من روايات العشرات من شهود العيان من مشايخ وأعيان قطاع غزة، ولولا قيام القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي في الخامس والعشرين من شباط عام2007 بعرض فيلم "روح شاكيد" الوثائقي الذي يحكي عن قتل أسرى علي أيدي جنود وحدة "شاكيد" الخاصة بقيادة بنيامين بن اليعازر في أواخر حرب الأيام الستة، لولا ذلك لما عرفت أن غزة الابية سقطت بلا قتال، وهو ما أثر سلبا على نتائج الحرب كلها فلو صمدت غزة وقاومت لما انتهت الحرب بهذه السرعة وربما تغير مجراها ومجري التاريخ لأن غزة كانت المنطقة الأكثر سكانا والاكثر استعدادا للقتال في كامل المناطق التي شهدت أحداث حرب كانون ثاني 67.
وتعود قصة اكتشاف النصر بلا حرب الذي حققته اسرائيل في قطاع غزة الي عرض التلفزيون الاسرائيلي فيلم "روح شاكيد" الوثائقي فبعد نشر الاهرام عن ذلك الفيلم وما أثاره من ردود فعل اتصلت بالعديد من السياسيين والمعلقين من جماعات حقوق الانسان واليسار في اسرائيل لأعرف رأيهم في تلك الجريمة التي يعترف جنودهم بها وكان من الضروري في النهاية ان استمع الي وجهة نظر قائد وحدة شاكيد ووزير البنية التحتية الاسرائيلي الحالي بنيامين بن اليعازر نفسه ليعرف القارئ مبرراته ويحكم عليه، وبالفعل اتصلت به وأكد الرجل باستماتة ان الرجال الذين قتلتهم وحدته كانوا فدائيين فلسطينيين ينطلقون من قطاع غزة ويسببون قلقا كبيرا في الجانب الإسرائيلي، للتدليل على صحة كلامه أرسل لي وثائق من الارشيف العسكري الاسرائيلي تبين تعداد وانتشار قوات الفدائيين في قطاع غزة خاصة الوسط والجنوب اي مدن دير البلح وخان يونس ورفح الفلسطينية.
وللتحقق من صحة ما قاله بن اليعازر قررت أن أتجه جنوبا لالتقي بكبار السن من الذين عاصروا تلك الحرب وأعرف منهم أين الحقيقة وهل كان الشهداء فلسطينيين حقا وكيف سقطوا.
وبالفعل التقيت مع ما يقارب من 15 من شيوخ العشائر والمخاتير والأعيان من سكان جنوب القطاع الذين شاهدوا بأم اعينهم حرب1967 ومنهم من شارك فيها كجندي ومنهم من شارك ايضا في حرب1956. وفي اليوم المحدد للقاء ذهبت الى رفح وأنا أمني نفسي بصيد سمين يساعد في شد الحبل حول رقاب قتلة الأسرى وفي مقر زعماء عشائر ومخاتير رفح وجدت الجميع ينتظرني رغم كبر سنهم.
وكنت أظن أنهم جاؤوا عن بكرة ابيهم ليشاركوا بشهاداتهم حول تلك المجرزة وهو ما اكتشفت فيما بعد أنه ليس حقيقيا وانهم انما جاؤوا ليبرئوا انفسهم ويزيلوا هما كبيرا كان جاثما علي صدورهم جعل الكثيرين منهم يشعرن بالندم ووخز الضمير لأنهم لم يفطنوا الى أكبر خديعة حدثت في الحروب العربية الإسرائيلية وبفضلها لم تسقط غزة وحدها، وإنما سقطت الكرامة العربية ومازال البحث عنها جاريا رغم مرور42 عاما على النكبة، نكبة وليست نكسة1967.
في البداية تحدث الجميع عما شاهدوه وسمعوه عن عمليات قتل الأسري, وبينما كانوا يروون الحكاية تلو الحكاية فلم الحظ ان أحدا من شهود العيان يتكلم عن قتلي في معارك وانما كانوا يتحدثون عن اعدامات جماعية وهدم لمدارس ومبان كما استوقفني أن احدا من الشهود لم يدع البطولة ويقول ولو كذبا أنه قاتل بيسالة وقتل ما قتل من الجنود الاسرائيليين الغازيين,
وهنا سألتهم عن طبيعة القتال الذي جري اثناء الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزة فردوا بنفس واحد: لم يكن هناك قتال ولم أفهم الاجابة وتصورت أن الفدائيين الفلسطينيين ربما قاتلوا الاسرائيليين خارج القطاع ولما انهزموا دخل الاسرائيليون القطاع وهنا كانت الصدمة لا لم يخرجوا ولم يقاتلوا فالإسرائيليون دخلوا اولا وسيطروا واعتقلوا من اعتقلوا وقتلوا من قتلوا ولم يقاتل إلا من نجا من تلك المذبحة وفر الي خارج القطاع ليحارب, ولكن بعد ان كانت الحرب قد انتهت فعليا وحملت اسم النكسة.
وبعد استيعاب الصدمة التي أذهلتني لدقائق ولجمتني عن الكلام بل شلت تفكيري تساءلت لماذا؟ لماذا سقطت غزة بلا قتال وهي التي ان قاتلت لتبدل الحال وتغير مجري التاريخ وكان الرد بسيطا ولكنه مذهل ايضا فقد قال شهود العيان من شيوخ العشائر والمخاتير والاعيان إن الاذاعة المصرية أوهمتنا ان الجيوش العربية حققت انتصارا ساحقا وان العرب علي مشارف تل أبيب والجنود الاسرائيليين بين قتلي ومستسلمين
واستغل الاسرائيليون هذا الوضع فارسلوا دباباتهم الي القطاع من اتجاه العريش وهي ترفع الاعلام العربية خاصة العراقية ويظهر من ابراج بعضها جنود يتكلمون اللهجة العراقية وبالتالي ظننا جميعا أن هذه قوات عراقية صديقة جاءت للمشاركة في حرب النصر والتحرير ففرح الجميع ودوت الزغاريد ووزعت النسوة الشربات والحلوي ولم تعرف الحقيقة إلا بعد ان كانت الدبابات الإسرائيلية قد انتشرت في كل القطاع تقريبا.
وهنا سألت كيف عرفتم الحقيقة فرد أحد المشايخ قائلا: فجأة وجدنا شابا من رفح يجري تجاه الدبابات حاملا قاذف أر بي جيه وهو يصرخ فينا قائلا ابتعدوا ابتعدوا هؤلاء ليسوا عراقيين انهم يهود وقبل أن يكمل كلامه استدارت فوهات الدبابات لتنسفه من فوق سطح الارض كاشفة عن وجهها الحقيقي وبعدها طلبوا منا عبر مكبرات الصوت أن نسيرعلي الأقدام في اتجاه البحر, واخذوا يبحثون بيننا عن مقاومين ليعتقلوهم.
وعند هذه النقطة وجهت لشهود العيان سؤالا آخر عن سبب عدم معرفة المقاومين الذين كانوا في غزة بحقيقة القوات المتقدمة إلي القطاع فقالوا انهم اكتشفوا فيما بعد أن الاتصالات كانت مقطوعة بين هؤلاء الفدائيين وقيادتهم فلم يعرفوا أن الحرب انتهت, وأن الأصدقاء العراقيين الذين يستقبلهم سكان القطاع بالورود ليسوا إلا قوات إسرائيلية يتقدمها يهود من أصل عراقي يتكلمون العربية ويقتلون بالعبرية.