8ضحايا في6 جرائم- القتل على خلفية الشرف..استغلال للقانون وسطوة المجتمع
نشر بتاريخ: 18/06/2009 ( آخر تحديث: 18/06/2009 الساعة: 20:45 )
بيت لحم- معا- الزميل حسن جبر اعد هذا التقرير في جريدة "الأيام " الزميلة ولان وكالة "معا" تتبنى موقفا ضد القتل وضد قتل النساء بدعاوى الشرف ننشر التحقيق لعله يساهم فى استصدار مرسوم رئاسي يعطل بعضا من مواد قانون العقوبات التي تشجع على قتل النساء.
في الحادي عشر من شهر حزيران الجاري أقدم رجل في مخيم دير البلح وسط قطاع غزة على قتل ابنته (21 عاما) خنقا، بدعوى الإخلال بشرف العائلة.
القاتل أبقى على أداة الجريمة في مكان الحادث واتصل بالشرطة ليبلغ عن جريمته، انتشر الخبر بسرعة كالنار في الهشيم، وانقسم الناس بين مؤيد ومستنكر لما جرى.
مصادر خاصة قالت إن كشف الطب الشرعي الذي أجري على الفتاة بعد مقتلها اثبت أنها ما زالت عذراء.
حادثة هذه الفتاة ليست الأولى من نوعها في قطاع غزة، فقد سبقتها إلى نفس المصير خمس نساء أخريات ورجلان وطفل، جميعهم قتلوا تحت نفس الادعاءات وسجلوا تحت بند "قضايا شرف العائلة".
ففي شهر نيسان من العام الجاري وصلت جثة مواطنة تبلغ من العمر (28 عاما) إلى مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
الضحية من سكان المنطقة الغربية لمخيم النصيرات، قتلت في أحد الحقول المجاورة لمنزلها خنقا بواسطة فوطة مبللة بالماء.
وفي حادثة ثالثة أكثر فظاعة في مدينة غزة، فتح شاب (22 عاما) النار على أبيه (45 عاما) وزوجة أبيه (30 عاما) وأخيه الصغير (5 أعوام) وأرداهم قتلى، وعندما اعتقلته الشرطة ادعى أن القتل جاء على خلفية شرف العائلة.
قاتل محتمل في كل بيت!!
في تفاصيل عمليات القتل التي تجري على خلفية شرف العائلة في قطاع غزة تعقد العائلات محاكمات سريعة للضحية فور ورود معلومات أو أنباء عن علاقة بين الضحية وشخص آخر، أو بسبب فعل فاحش أو مشبوه، وتقرر قتلها دون حتى سماع رأيها، وغالبا ما يسبق قرار القتل عمليات تعذيب شديدة.
وفي جميع حالات القتل يكون المجرم من أقارب الدرجة الأولى كالأب والشقيق وابن العم، وغالبا ما يسارع أحدهم إلى الشرطة ويدعي أنه القاتل رغم أن آخرين شاركوا في الجريمة.
ويستخدم المجرمون أسلحة بدائية أو نارية لتنفيذ عملية القتل، وغالبا ما يتم إلقاء الضحية في الشارع أو في أماكن مجاوره بشكل متعمد، ليعرف الناس بالحادثة ويظهر المجرم في صورة البطل الذي غسل عاره بيده.
هذه الجرائم ما زالت للأسف موضع ترحيب بين أوساط مختلفة من المواطنين في المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي شجع على استمرارها وتواصلها.
كثير من العائلات تشعر بالعار إذا حدثت قضية من هذا النوع في أوساطها، وعملية القتل تتم بسرعة رغم أن القاتل في غالب الأحيان كان يحب ابنته أو شقيقته بشكل غير معقول، إلا أن كل ذلك يتغير في لحظات لينقلب الحب إلى عداء وكره شديدين.
ثماني ضحايا في ست جرائم قتل
وتقول مؤسسات حقوق الإنسان إن عدد ضحايا جرائم القتل على خلفية ما يسمى بـ"قضايا شرف العائلة" ارتفع منذ بداية العام 2009 إلى 8 أشخاص، هم 5 نساء ورجلان وطفل، قتلوا في 6 جرائم وقعت إحداها في الضفة الغربية والبقية في محافظات قطاع غزة.
مؤسسات حقوق الإنسان تعترف أن تكرار جرائم قتل النساء في الأراضي الفلسطينية على خلفية ما يسمى بـ"شرف العائلة" يأتي بسبب الحصانة الممنوحة للقتلة من خلال تنفيذ أحكام مخففة بحقهم، إذ لا تتجاوز العقوبة القصوى ثلاث سنوات مدنية، أي ما يقارب 24 شهرا.
زقوت: السبب تعامل القضاء وغياب الوعي الديني
يقول سمير زقوت منسق وحدة البحث الميداني في مركز الميزان إن تنامي جرائم الشرف يعود بالأساس إلى طريقة تعامل القضاء مع هذه الجرائم، إذ يعامل المجرم بأحكام مخففة لا تزيد مدتها عن ثلاثة سنوات يتم تخفيضها أحيانا إلى سنة أو ستة أشهر.
وأكد زقوت أن غياب الوعي الديني والمعرفة الصحيحة سبب آخر لانتشار هذه الظاهرة.
ويشير إلى أن عمل المؤسسات الحقوقية في مكافحة هذه الظاهرة يقتصر على تنظيم ورش عمل والقيام بأنشطة ضاغطة وإصدار بيانات صحافية وإحصاءات.
وقال: ما باليد حيلة، ولا نستطيع أن نفعل شيئا، ويفترض أن يتم تغيير التعامل مع هذه الجريمة واعتبارها جريمة قتل متكاملة.
وأكد زقوت أن تواصل التعامل بهذا الأمر على نفس المنوال يجعل جرائم قتل النساء على خلفية الشرف تتواصل وتزداد.
يشار إلى أن البحث والتمحيص في جرائم قتل النساء على هذه الخلفية كشف عن قيام المجرمين بانتحال هذا العذر لتبرير جرائم ارتكبوها لأسباب مختلفة ومن أجل الحصول على أحكام مخففة غير آبهين بالفضيحة والعار الذي يلحق بالعائلة لأسباب اجتماعية متعددة.
وفي إحدى الجرائم قتل شاب من أحد مخيمات اللاجئين في قطاع غزة أخته العانس لأنها كانت على خلاف مع زوجته، وعند التحقيق معه اعترف بالسبب الحقيقي للجريمة.
ضحايا عذراوات
ويؤكد زقوت أن هناك من ارتكب جرائم على خلفية الميراث أو نزاع عائلي وألصق تهمة الشرف بالضحية للحصول على أحكام مخففة.
وقال: معظم اللواتي تم قتلهن على خلفية الشرف من غير المتزوجات كن عذراوات رغم اتهامهن بجريمة الزنا.
وتساءل كيف يستقيم الاتهام بفعل الفاحشة مع استمرار كونهن عذراوات ولم يمسسهن أي رجل؟
وتشكو المؤسسات الحقوقية والنسوية من عدم تعاون بعض المؤسسات ذات الصلة معها تحت ذريعة التستر على العائلة خوفا من الفضيحة، مؤكدة أن ما ينشر عن هذه القضايا أقل من الوضع الحقيقي.
قتل الشرف على خلفية الميراث
ويتفق إسلام شهوان الناطق باسم الشرطة المقالة في غزة مع ما ذهب إليه زقوت من انتحال صفة الشرف لتبرير جرائم أخرى، مؤكدا أن الشرطة في غزة كشفت حالات ادعى فيها المجرمون ارتكابهم جريمة القتل على خلفية الشرف في حين كان الدافع الحصول على الميراث وخلافه.
وقال شهوان: نحن نرفض هذا الأمر ولن نسمح لأحد بتجاوز القانون مهما كان وتحت أي مسمى.
وتابع: لا يحق لأي إنسان أن يصدر حكما بقتل أي إنسان آخر وقد اعتقلنا كل المتورطين بالقتل على خلفية الشرف ولم نفرج عن أي منهم.
ويشير إلى أن الشرطة تتابع كل الإجراءات القانونية بحق المجرم حتى تحويله إلى النيابة العامة.
وأشار إلى أن الشرطة رفعت توصيات إلى النائب العام من أجل تعديل القانون الخاص بقضايا الشرف من أجل التشديد في الأحكام.
وانتقد شهوان مؤسسات حقوق الإنسان التي حسبما قال تسارع إلى إصدار البيانات دون التأكد مما تقوله.
وقال: "خلال عام 2009 لم تأت منظمات حقوق الإنسان لتسأل عن خصوصية الحالات وخلفياتها، وهي تعمل حسب ما يدفع لها من أموال".
الشرطة: نعتقل الجناة ولا نفرج عنهم
وأكد أن الشرطة تقوم بالشروط القانونية تجاه الجاني أو المتهم ولا يتم الإفراج عن أي من مرتكبي جرائم القتل تحت أية ظروف.
ولم تعد ضحايا جرائم الشرف تقتصر على النساء فقط بل تعدتها لتشمل الرجال والأطفال، فقد أشارت إحصاءات المراكز الحقوقية إلى وجود رجلين وطفل من بين ثماني ضحايا لجرائم القتل على خلفية الشرف.
وبنظره فاحصة للإحصاءات الخاصة بجرائم القتل التي حدثت في قطاع غزة خلال السنوات الخمس الماضية على خلفية الشرف كما أوردها مركز الميزان لحقوق الإنسان، يتضح أن عدد الضحايا يبلغ 44 حالة من بينها 12 رجلا.
وتميل بعض العائلات إلى قتل الفتاة والرجل المشتبه بإقامة العلاقة معه، ما يؤدي إلى ارتكاب جريمة قتل مزدوجة وربما تفجير خلاف آخر مع عائلة أخرى.
أحيانا يتسترون بالدين
وغالبا ما يحاول المجرمون التستر بالدين في ارتكاب جرائم الشرف، الأمر الذي يرفضه الشيخ حسن الجوجو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة، مؤكدا أهمية اللجوء إلى القضاء حتى لو كان الأمر يتعلق بالشرف.
وقال: لا يجوز أن يأخذ كل إنسان القانون بيده، وما يحصل في جرائم القتل على خلفية الشرف هو جرائم قتل متكاملة.
وزاد: لو أعطينا الحق للرجل لقتل زوجته أو ابنته على خلفية الشرف لماذا لا نعطي المرأة هي الأخرى هذا الحق إذا رأت زوجها يخونها مع أخرى؟
الجوجو: يجب تغيير القانون
وأشار الشيخ الجوجو إلى أن هناك بعض الحالات ظلمت واعتمد الناس فيها على الشك.
ويعتبر الجوجو نفسه من أنصار تغيير القانون الحالي المعمول به في الأراضي الفلسطينية بشأن جرائم الشرف، من أجل أن ينال المجرمون عقابهم على الجرائم التي يرتكبونها مهما كانت الأسباب.
ويقول: أدعو رجال القانون والمجلس التشريعي وكل من له علاقة بسن القوانين وتشريعها إلى تعديل هذا القانون بسرعة حتى لا يتشجع الناس على ارتكاب جرائم قتل أخرى ويأخذون القانون بأيديهم.
ويطبق في الأراضي الفلسطينية قانون عقوبات يعطي الأعذار المخففة لجرائم القتل على خلفية ما يسمى الشرف.
المادة 18 في قفص الاتهام
وينص قانون العقوبات الفلسطيني على أن عقوبة القاتل بشكل عام هي القتل، إلا أن المادة رقم 18 منه تقول "يستفيد من العذر المخفف الشخص الذي يرتكب جريمة في حال الدفاع عن ماله أو شرفه أو عرضه أو نفسه أو مال غيره أو شرفه أو عرضه أو نفسه".
هذه المادة من قانون العقوبات محل انتقاد من المؤسسات النسوية والقانونية التي تؤكد أنها شجعت جرائم "قتل النساء على خلفية شرف" دون أن يكون هناك مبرر قانوني.
وتقول المستشارة القانونية زينب الغنيمي مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة إن المادة 18 من قانون العقوبات تطبق بشكل خاطئ، مؤكدة أن هذه المادة تعطي الشخص عذرا عند الدفاع عن شرفه إذا رأى بعينيه وهزت مشاعره جريمة الزنا وقام بفعل إيذاء أو قتل.
القتلة أحرار والقانون لا يطبق بشكل جيد
وتؤكد الغنيمي أن القانون لا يطبق بشكل جيد في الأراضي الفلسطينية، ويكفي أن يقول الدفاع أن الشخص كان يدافع عن شرفه ليتم إعطاؤه حكما مخففا، ومن المتهمين من لا يمكث شهرا واحدا في السجن.
ويعطي المجتمع الحق لنفسه في فرض قانون القتل للنساء المتهمات بالجريمة في حين يتم التستر على الطرف الآخر، بل ويذهب المجتمع في حال كان من أقارب الضحية إلى حد المطالبة بإطلاق سراحه.
وقالت الغنيمي هناك من قتلوا نساء على خلفية شرف العائلة وهم الآن أحرار طلقاء ولا يتعرضون لأية ملاحقة قانونية.
وتشير الغنيمي إلى أن القانون عاجز والمادة 18 غير كافية لحماية المرأة وتطبق بشكل غير صحيح.
الغنيمي: نريد قانونا يحرم القتل على خلفية الشرف
وتؤكد الغنيمي أهمية أن يتضمن قانون العقوبات الفلسطيني مادة تحرم القتل على خلفية الشرف، مشيرة إلى أنه في حال سن قانون يحرم القتل على خليفة الشرف فإن حالات القتل ستنخفض إلى أدنى معدلاتها.
وقالت: هناك الكثير من حالات القتل تسجل لدى الشرطة كحالات انتحار لإخفاء معالم الجريمة بسبب التدخل العائلي والعشائري، لكن عندما يسن قانون واضح المعالم يحدد ماهية الجريمة ومتى يمكن أن يستفيد الشخص من العذر المخفف ستقل هذه الحالات، ومن هذا المنطلق نطالب بتحديد هذه الجرائم وتحديد شكلها في قانون واضح المعالم.
وكانت المؤسسات النسوية احتجت بشكل واسع على بعض النصوص في قانون العقوبات، من ضمنها المادة التي تعطي أحكاما مخففة للقتل على خلفية الشرف، وأعدت لهذا الغرض مواد قانونية بديلة إلا أن الانقسام وعدم مناقشة هذه التعديلات ساهم في تأجيل القضية إلى إشعار آخر.
وتقول الغنيمي: قبل الانقسام شاركنا في إعداد مسودة قانون العقوبات وأعددنا قوانين وحاولنا أن نحصر قضايا العذر المخفف في قضية الشرف في لحظة المفاجأة إلا أن ما حصل في غزة لم يجعل التعديلات ترى النور.
وتابعت: الانقسام السياسي يؤثر على هذا العمل لغياب نظام سياسي وسلطة واحدة حقيقية.
وتؤكد أن أعضاء المجلس التشريعي في غزة والضفة الغربية غير قادرين على تعديل القوانين بفعل الانقسام، وإن تحركوا في هذا الوقت كل على حده فإن تعديلات مختلفة ومتباينة قد تحدث على نفس القوانين.
وتقول الغنيمي إن أي عمل الآن يقتصر فقط على مخاطبة أصحاب القرار في حدود معينة لا يمكن خلالها خلق حالة متكاملة من الضغط والتأثير.
وما بين آمال مراكز حقوق الإنسان والمؤسسات النسوية وبقاء القانون بلا تغيير واستمرار الانقسام السياسي يتواصل سقوط نساء بريئات على مقصلة القتل على خلفية الشرف.
عدد جرائم القتل على خلفية الشرف حسب توثيق مركز الميزان:
عام 2005- ( 6 ) جرائم قتل- ( 14 ) إصابة.
عام 2006- ( 16 ) جريمة قتل- ( 19 ) إصابة.
عام 2007- ( 11 ) جريمة قتل- ( 12 ) إصابة.
عام 2008- (جريمتا قتل)
عام 2009- ( 8 ) جرائم قتل