الإنتخابات التشريعية الفلسطينية بين مقتضيات التغيير والصراعات الحزبية/ بقلم: أحمد عساف العلاري
نشر بتاريخ: 24/01/2006 ( آخر تحديث: 24/01/2006 الساعة: 18:12 )
ما عاناه المواطن الفلسطيني منذ ما يزيد على عشر سنين إما بفعل الممارسات الإسرائيلية بحقه وإما بسبب ما يلقاه من سوء رعاية على مختلف الصعد الاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية ناهيك عن توفير سبل العمل له، أفقده الثقة بكل الشعارات المطروحة التي يبدو ظاهرها حلواً براقاً ولكنها تنطوي على كثير من التهميش والإهمال ما إن تمس أرض الواقع.
لعل نتائج انتخابات 1996 لم تكن تعبر عن الحاجة الوطنية الحقيقية وقد يعود ذلك لعدة أسباب من أهمها أن العملية الانتخابية كانت مستجدة على وعي المواطن الفلسطيني فلم يدرك الهدف الحقيقي الذي يحتاجه كمواطن من عضو برلماني فغلب على خيارات الناخب الدافع القبلي والعشائري أو العصبية الحزبية.
إضافة إلى أن العديد من المرشحين لم تفرزهم الظروف الصعبة التي عاشتها فلسطين في الفترات اللاحقة فمال كثير من الناخبين وراء الشعرات الطنانة دون تمحيص وتدقيق في هوية كل مرشح، كان المواطن الفلسطيني حينها يحلم بالوعود عن الازدهار الاقتصادي والحياة الكريمة على أرضه مع تحقيق الثوابت الوطنية لقضيته عبر مسار السلام، هذا كله إضافة إلى غياب قطاعات وقوى أساسية من مكونات المجتمع الفلسطيني عن المضمار الانتخابي ترشيحا أو انتخابا فباتت ألوان المرشحين متشابهة إلى حد كبير.
أما اليوم فالظروف المحيطة مختلفة كثيرا، فالشعب الفلسطيني خاض تجربة نضالية جديدة من أجل قضيته ودفاعاً عن وجوده على هذا الأرض المباركة، وقد ذهبت كل الوعود بالسلام والأمن والازدهار أدراج الرياح. وفشل المجلس التشريعي السابق والحكومات المتعاقبة في إدارة الصراع على مختلف الصعد، كما فشل في أن يحمي صمود المواطن وهو يقف عاري الصدر أمام جبروت الاحتلال، فلم يجد المواطن أي خطط أو برامج اقتصادية أو تنموية تعزز من ثباته وسط ما يقدمه من تضحيات ودماء وشهداء.
في السنوات القليلة الماضية تزايدت معدلات البطالة بشكل يقرع ناقوس الخطر تراجع الأمن وتزايدت معدلات الجريمة ولم يعد يشعر المواطن بأمان على حياته.. حورب المواطن في لقمة العيش وانهارت العديد من البنى التحتية كما ضرب المجتمع لفلسطيني العديد من الهزات الأخلاقية والقيمية.
اليوم قد انكشفت كل الأقنعة عن المسئولين وكل من هم في الواجهة وقد تجلى للناس زيف شعاراتهم، فالفساد الإداري والمؤسساتي ضرب حتى النخاع، أموالا طائلة تتسرب إلى جيوب نفر من الناس دون حسيب أو رقيب، فشل المجلس التشريعي السابق في مراقبة أداء الحكومة وفرض إيقاع تصحيحي على مسارها حتى وصل الفساد إليه نفسه.
بات مطلوبا الآن التغيير الحقيقي والجوهري والمجلس التشريعي هو العنوان المتبقي لذلك التغيير. والمجلس التشريعي المقبل مطلوب منه الكثير داخليا وخارجيا، داخلياً على مسار الإصلاح ومحاربة الفساد وتدعيم المشاركة السياسية وتوحيد الجبهة الداخلية وإقامة أسس العدالة والشفافية لينعم المواطن الفلسطيني كل مواطن بأبسط حقوقه بعيدا عن المحسوبية والفئوية، فيتعزز بذلك صموده وثباته، وخارجيا في إدارة الصراع إعلاميا وحشد الرأي العام اتجاه قضيتنا وتعزيز دور الإعلام الفلسطيني ورفع أدائه من هذا المستوى الضعيف والخافت بشكل يتلاءم مع حجم التضحيات والمعاناة التي يلقاها المواطن الفلسطيني ويفضح الممارسات الإسرائيلية المجحفة تجاه شعبنا .
ويبقى الرهان بيد المواطن، الذي عليه التسلح بالوعي الكافي ليحدث هذا التغيير عبر صندوق الاقتراع فلا يقدم المصلحة العشائرية أو الحزبية على المصلحة الوطنية التي نتقاسمها جميعا.
على المواطن أن يدرك انه يختار بصوته مصيره ومستقبل أبنائه. فعليه أن يختار من هم الأقدر والأوفى بإحداث هذا التغيير بعيدا عن حسابات الحميّة القبلية أو العصبية الحزبية.
الساحة الانتخابية تبدو غير واضحة المعالم وقد دفع كل فصيل برموزه وكوادره إما مستندين إلى تاريخهم النضالي أو انتمائهم الديني وبعضهم إلى نفوذهم وأموالهم.
كل قد تجهز وسن سيوفه وأعد جيوشه وقد حشدوا وراءهم المواطن الذي يناصرهم عاطفيا أو طامعاً في منافع مادية منهم، لتقوم المعركة فيطاح برؤوس وتتوج أخرى ثم تنقضي المعركة ويعود المواطن ليبقى وحيداً في الساحة بعد أن نقلت المعركة الفصائلية إلى المجلس التشريعي فتسقط بذلك كل الشعارات التي تعد المواطن بالأفضل.
إن التنوع الطيفي والحزبي مطلوب في المجلس التشريعي لحماية الشفافية والمكاشفة فالسلطة المطلقة إن تفرد بها لون واحد كانت مفسدة مطلقة، وإن لم يحسب الناخب أهمية ما يقدم عليه فيختار المخلص الذي يتصدى لمظاهر الظلم والفساد مهما كن لونه وحزبه فلن ننجح بالتحرك قدما نحو المستقبل وجبهتنا الداخلية حصينة قوية.. لن ننجح في بناء مستقبل أفضل لأبنائنا.