الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

اطفال معتقلون في سجون الاحتلال يروون معاناتهم في التعذيب والشبح

نشر بتاريخ: 27/06/2009 ( آخر تحديث: 27/06/2009 الساعة: 19:14 )
نابلس- معا- وسط ضحكات الجنود واستهزائهم بكل القيم والأعراف ينادي الضابط "رقم ثلاثة يتقدم إلى الأمام عدة خطوات " وبخطى ضعيفة ومترددة يتقدم احد الأطفال الستة ويتلقى العديد من الضربات على جسده الهزيل .. ثم يعود إلى حيث زملائه .. ثم ينادي على طفل أخر ليلاقي مصير زميله وسط ضحكات الجنود .

لمدة 14 ساعة متواصلة تعرض ستة من الأطفال في رام الله إلى التعذيب الوحشي والضرب والشبح وتوجيه الشتائم والتهديد بعد اعتقالهم من الشارع خلال عودتهم من المدرسة. احد الأطفال الذي روى الحادثة وهو الطفل "محمد ابوعكروب" 16عاماً" ، قال :"منعونا طوال فترة التحقيق والتعذيب من شرب الماء أو تناول اي طعام، او الذهاب إلى الحمام ، وكانوا ينادون علينا بالأرقام من واحد إلى ستة ومن يتأخر ثواني عن التقدم بعد سماع رقمه كان يضاعف له التعذيب والضرب، ما أدى إلى إصابتنا جميعاً برضوض وجروح وكدمات لا زال أثار بعضها على أجسادنا إلى اليوم بعد أسبوعين على الحادثة ... كالمعتاد الشرطة تفتح تحقيق في الحادث ، كما هي المئات بل الآلاف من الاعتداءات على الفلسطينيين وممارسة أساليب التعذيب الممنوعة ضدهم تضيع فى زحمه الملفات".

هذه الحادثة هي إحدى مظاهر التعذيب التي يتعرض لها الأسير الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلى الذي ينتهك كافة الأعراف والمواثيق ويواصل استخدام التعذيب بكافة أشكاله ، بل ويضفي عليه الشرعية من خلال المحاكم وسن القوانين التي تبيع التعذيب وتشجع على ممارسته .

وقالت وزارة الأسرى المقالة في تقرير لها بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب الذي يصادف السادس والعشرين من يونيو أن الاحتلال لا يتورع عن استخدام التعذيب ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونه، وان التعذيب يبدأ منذ لحظة الاعتقال التي تتم في وسط جو من الإرهاب وإطلاق النار، ثم تقييد الأسير ووضع رباط على عينيه وإلقائه في الجيب العسكري والاعتداء عليه بالضرب والتهديد والشتم ، وحين وصوله إلى إحدى مراكز التحقيق والتوقيف ، يتعرض الأسير إلى اشد أنواع التعذيب والاهانة لانتزاع اعترافات منه بالقوة .

وأوضحت الوزارة المقالة بان الاحتلال يستخدم أكثر من 100 أسلوب للتحقيق والتعذيب، أدت إلى استشهاد (70) أسيراً في سجون الاحتلال ، من أصل (196) هم شهداء الحركة الأسيرة ، وقد أكدت "اللجنة العامة لمكافحة التعذيب" وهي منظمة إسرائيلية النقاب عن استخدام التعذيب ضد المعتقلين الفلسطينيين فور توقيفهم أو عند نقلهم إلى مراكز الاعتقال أو بعد السجن ، وان هؤلاء الأسرى كانوا مقيدين بشكل عنيف ومؤلم ولا يشكلون أى خطر، ومن بينهم قاصرين يفترض أن يتمتعوا بالحماية حسب القانون الدولي والقانون الاسرائيلى نفسه ، وذلك بعلم السلطات القضائية والتشريعية في إسرائيل التي لم تتخذ ضدهم اى إجراءات عقابية ،واستشهدت بأكثر من 600 حالة لأسرى تعرضوا للتعذيب .

وكانت منظمتا "بتسيلم" و"هاموكيد" الحقوقيتان أشارتا في تقارير سابقة إلى أن المحققين الأمنيين الإسرائيليين دأبوا على إساءة معاملة معتقلين فلسطينيين بدنيا ونفسياً وأحياناً تعذيبهم بوسائل محرمة دولياً .

الطبيب يشارك في التعذيب
وأشار رياض الأشقر مدير الدائرة الإعلامية في الوزارة المقالة بان التعذيب في سجون الاحتلال لم يقتصر على السجان أو المحقق بل امتد ليشمل من يسمى نفسه بالطبيب أو الممرض الذي أساس مهنته إنسانية بحته ، حيث كشفت جمعية "أطباء من أجل حقوق الإنسان" الإسرائيلية عن قيام الأطباء في السجون بممارسه التعذيب ضد الأسرى وحرمانهم من العلاج لإجبارهم على الاعتراف ، وكذلك تعمد تجاهل الأمراض التي يعانى منها الأسرى حين الكشف الأولى فور وصولهم إلى السجون ،ويكتبون تقريراً مزوراً بان الأسير بصحة جيدة ولا يعانى من اى مرض ، وهذا يشكل تصريحاً طبياً بمواصلة تعذيبه ،حيث يدفع بالمحققين لممارسه ضغط بدني ونفسي اكبر على الأسير ، مما يجعلهم متواطئين في " تعذيب السجناء".

إرهاب دولة

واستغرب الأشقر الصمت العالمي المقيت على ممارسة الاحتلال للتعذيب علانية، ورغم صدور العشرات من التقارير المختصة التي تؤكد ذلك إلا أن المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة لم تحرك ساكناً باتجاه أدانه الاحتلال بارتكاب جرائم حرب ضد الإسير الفلسطيني ، والأخطر بان الجهاز القضائي لإسرائيلي أضفى شرعية قانونية على التعذيب ، وسمح به دون أن يتعرض من يقوم به للمسائلة او العقوبة ، مما يعكس إرهاب الدولة الرسمي التي تنتهجه دولة الاحتلال التي لا تلتزم باى اتفاقية او قانون دولي ،ولكنها فى نفس الوقت تطالب بتطبيقها على وضع جنديها الأسير لدى الفصائل الفلسطينية فى غزة جلعاد شاليط .

مخالفة للقوانين
وكشف الأشقر أن حكومة الاحتلال تعطى الضوء الأخضر لطواق التحقيق من أجل ممارسة التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب ، حيث إن القضاء في إسرائيل شرع استخدام العنف ضد الأسرى دون احترام لآدمية الإنسان ، مخالفة بذلك كل المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحرم استخدام التعذيب ضد الأسرى غير مبالية لمثل هذه القرارات التي تعتبرها حبراً على ورق .

وقال بأن استصدار مثل هذه التشريعات من المحاكم تتناقض تماماً مع مبادئ حقوق الإنسان وما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة وملحقاتها ، حيث ّمت القوانين الدولية التعذيب بشكل قاطع ولم تسمح بأي مبرر لحدوثه، و أفردت اتفاقية خاصة بمناهضة التعذيب، إضافة إلى العديد من المواد والمبادئ التي تضمنتها معاهدات واتفاقيات دولية أخرى. منها على سبيل المثال، المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على: " لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة…". إضافة إلى المبدأ السادس من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والذي ينص على أنّه: " لا يجوز إخضاع أي شخص يتعرض لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة، ولا يجوز الاحتجاج بأي ظرف كان كمبرر للتعذيب.
أين حقوق الإنسان ؟

وتساءل الأشقر أين اتفاقيات حقوق الإنسان من (65) أسيرة فلسطينية تمارس ضدهم كافة أشكال القمع والإرهاب ،ويحرمن من حقوقهن فى الزيارة ، وفى العلاج ، ، ولا زالت تمارس التفتيش العاري ضدهن . و اقتحام للغرف في ساعات متأخرة من الليل بشكل وحشي وهمجي ، ويحتجزهن بجانب أسيرات جنائيات يتعرضن لهن بالسب والشتم والاهانة يومياً ، كما يتم احتجازهن في سجون ، لا تتوفر فيها الشروط الصحية الدنيا حيث لا تدخله الشمس والهواء بدرجة كافية .


وما ذنب الطفل الرضيع "يوسف" ابن الأسيرة فاطمة الزق أن يحرم من الحرية وان يجبر على العيش مع والدته فى هذه الظروف الغير إنسانية، ويتعرض لكل ما تتعرض له الأسيرات من انتهاك ، حتى انه يتحمل عناء السفر لساعات طويلة دون غذاء او هواء خلال رحلة العرض على المحكمة ، ويحجز في سيارة البوسطة عدة ساعات وفى زنزانة المحكمة في ظروف قاسية وغير صحية لطفل لم يتجاوز 17 شهراً من عمره .

و أين تلك الاتفاقيات من (1600) أسير مريض يعانون من أمراض مزمنة ومختلفة ، منهم عدد كبير يحتاج إلى عمليات جراحية عاجلة ، في ظل إهمال طبي متعمد من قبل إدارة السجون التي لا تقدم ساكناً أمام حالات مرضية خطيرة ، قد تؤدى إلى الوفاة في حالة استمرار الإهمال الطبي لها ، حيث بلغ عدد الشهداء الأسرى من جراء الإهمال الطبي ( 49 ) أسيراً شهيداً.

100 أسلوب للتعذيب
وأوضح التقرير ان الاحتلال يستخدم العشرات من أساليب التعذيب المحرمة الجسدية والنفسية ، ونادراً أن لا يتعرض معتقل فلسطيني لأحد أشكال التعذيب ، وغالباً ما يتعرض المعتقل لأكثر من أسلوب من أساليب التعذيب التي فاق عددها عن 100 أسلوب للتعذيب ، حيث أكدت الإحصائيات بان 98% من الأسرى الذين تعتقلهم سلطات الاحتلال تعرضوا للتعذيب فى أقبية التحقيق التابعة لأجهزة الأمن الإسرائيلية ومراكز الاعتقال المختلفة ، ومن أشهر أساليب التعذيب الشبح لفترات طويلة وعمليه الشبح هذه عبارة عن تكبيل أيدي المعتقل إلى الخلف ، ووضع كيس قذر فى رأسه ، وإجباره على الجلوس على كرسي صغير جداً خاص بالأطفال لعدة أيام أو أسابيع مما يسبب له الآم فى ظهره وعموده الفقري ، وكذلك وضع المعتقل فى ثلاجة وهى عبارة عن مكان ضيق جداً مساحته نصف متر مربع فقط ، يتم وضع المعتقل فيه وهو مكبل اليدين إلى الخلف ، ويتم ضخ هواء بارد جداً من فتحه أعلى هذا المكان بحيث تكون درجة الحرارة في الداخل صفر مما يؤدى إلى تجمد المعتقل داخل الثلاجة ، كذلك الهز العنيف الذي يؤدى إلى كسر إضلاع الصدر، بالإضافة إلى الربط في أوضاع مؤلمة، كربط الساقين وشدها إلى الخلف من تحت كرسي، ثم الدفع بجسم الأسير نحو الخلف، واستخدام الموسيقى الصاخبة ، وتغطيه الرأس والوجه بغطاء قذر رائحته عفنة ، و تسليط ضوء قوى على عيون المعتقل بشكل مباشر .

وبطح الأسير على ظهره ويداه مكبلتان من الخلف بهدف إحداث آلام فظيعة في اليدين عبر ضغط الجسد على اليدين، وثقل جسد المحقق للضغط على أعلى صدر الأسير، بهدف انتزاع موافقة الأسير على الاعتراف تحت ضغط الآلام المبرحة ، ، وكذلك إجبار المعتقل على الوقوف لفترات طويلة ، وكذلك إحدى اخطر أساليب التعذيب التى تستخدمها سلطات الاحتلال هو وضع المعتقل فى غرف العملاء بهدف استدراجه إلى الاعتراف بإقناعه بان هؤلاء مناضلون مثله ليقدم لهم اعترافاً حول نشاطاته فى الخارج ، وان رفض يتعرض من قبل هؤلاء العملاء إلى الاعتداء بالضرب.

وآثار التعذيب لم تقتصر على فترة التحقيق والاعتقال فقط بل تمتد لما بعد الاعتقال، نتيجة لإصابات عدد من الأسرى بعاهات دائمة نتيجة تعرضهم للتعذيب المستمر ، ناهيك عن المعاناة النفسية طويلة المدى التي يتركها السجن على نفوس هؤلاء الأسرى بعد تحررهم من الأسر ، وهناك العشرات منهم توفوا نتيجة لذلك ومنهم ( هايل أبو زيد ) من الجولان المحتل و استشهد بتاريخ 7/7/2005، ، ومراد أبو ساكوت من الخليل واستشهد 13/1/2007 في أحد المستشفيات في الأردن .

أقسى أشكال التعذيب
ولا يقتصر التعذيب على تلك الوسائل بل تتعمد سلطات الاحتلال تعذيب الأسرى بنوع اقسي من الإيذاء الجسدى وهو الإيذاء النفس من خلال العزل الانفرادي ،والذي قد يجعل الأسير مريض نفسياً لفترات طويلة ، او قد يصاب بالجنوب وفقدان الأهلية كما حدث للأسير "عويضه كلاب" من غزة .

ويعتبر العزل قتل بطئ وممنهج للأسير ، حيث يترك لوحدة لعدة شهور او سنوات فى زنزانة صغيرة ومقفلة بإحكام بباب حديدي سميك وأشعة الشمس لا تعرف لها طريقاً، دون أن يرى احد أو يتحدث مع بقية الأسرى ، ويحرم من كافة وسائل الاتصال بالعالم الخارجي ،حتى من الزيارة ، ويتعمد السجان تفتيش غرفته بشكل يومي إمعاناً فى التضييق عليه ، ويحرم من العلاج ان تعرض لوعكة صحية ، ويتم الاعتداء عليه بالضرب والاهانة ، ويوضع في أقسام الأسرى الجنائيين .

ودعت وزارة الأسرى المقالة المنظمة الحقوقية الأميركية "هيومن رايتس ووتش " والتي طالبت حماس بالسماح للصليب بزيارة شاليط أن تقوم هي والصليب بالضغط على الاحتلال للسماح لاهالى اسري قطاع غزة بالزيارة ، وكذلك القيام بزيارة أسرانا فى السجون للكشف عن وسائل التعذيب المحرمة التي يستخدمها الاحتلال ضد الأسرى ،وألا تجند تلك المنظمات كل إمكانياتها لصالح جندي اسرائيلى واحد والتغاضي عن معاناة 11 ألف أسير فلسطيني .