الأحد: 08/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإنقلاب الأخضر. من المسؤول؟ / بقلم : رشيد شاهين

نشر بتاريخ: 27/01/2006 ( آخر تحديث: 27/01/2006 الساعة: 16:01 )
معا- النتائج المزلزلة التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الفلسطينية يلزمها الكثير من الوقت والمراجعة والتدقيق والتحليل لفهمها، ولفهم أسبابها وكيفة حصولها ، ونتائجها والى أين ستقود.

ليس هناك من يستطيع الادعاء أنه كان يتوقع هذه النتيجة أو يعلمها، لقد كانت وكما هو واضح مخالفة لكل التوقعات، ولقد خلقت الكثير من الارباك لكل المحللين والمتابعين ومراكز الاستطلاع التي تسابقت الى الاعلان عن النتائج " التي كان من المفروض أن تكون منطقية" حسب كل التوقعات.

حتى المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الاسرائيلية فشلت وفي كل المستويات من أدناها الى أعلاها في تقدير نتائج هذه الانتخابات، وأقصى ما كانت تلك المؤسسة -التي تعرف بسعة إطلاعها ودقة تقاريرها- تعطيه لحركة حماس وفي أفضل الحالات وأقصاها تطرفا نسبة لا تزيد بحال من الاحوال عن 35%، وقد لزمت هذه المؤسسة الصمت من هول الصدمة وسارع قادتها وكبار مسؤوليها الى التداعي من أجل عقد اجتماع للتباحث وتدارس النتيجة المذهلة لهذا الزلزال السياسي.

ويعتقد أن عدم قدرة هذه المؤسسة على التنبؤ الصحيح بالنتائج قد يؤدي الى حالة من الصراع وإلقاء اللوم والفشل على أطرافها، وقد تشهد الأيام القادمة بروز هذه المشكلة على سطح المؤسسة وتبادلاً للاتهام والاتهام المضاد الى العلن.

المراقبون يعتقدون أن حركة حماس ذاتها لم تكن تعتقد أو " تحلم" بهذا النجاح الباهر لمرشحيها وقد بدا الكثير من قيادات الحركة غير مصدق لما أعلن عنه, وأن اكثر ما كانوا يطمحون اليه هو نتائج قريبة من حركة فتح ومن خلفها وليس أمامها، كما أن النتيجة أربكت هؤلاء لان المطلوب صار كيفية تشكيل حكومة وقيادة سلطة وشعب , وصار هؤلاء يتحدثون عن مشاركة سياسية وليس حكومة لأن ما حصل لم يكن في مجال توقعاتهم ولا حساباتهم، أما الكلام الأنشائي الجميل من أن النتائج إنما هي خيار الشارع الفلسطيني ورغبة في التغيير والاصلاح فهذا كلام في العموم، لكن ترى هل كان هذا ما يريده الشارع الفلسطيني؟ وإذا كان هذا ما أراده الشارع فكيف حصل ؟ وما أسبابه ؟ ومن خلفه ؟ ومن يتحمل المسؤولية في هذا الزلزال الذي عصف بالسلطة وفتح؟.

مما لا شك فيه أن تقدم حماس بهذا الشكل إنما سببه حركة فتح وممارساتها وكذلك عجز السلطة الفلسطينية, وقد تجلى دور حركة فتح بفوز حماس في ما تمت ممارسته خلال ما أطلق عليه من انتخابات " برايمريز" والتي أظهرت وجهاً قبيحاً ربما لم يكن ظاهراً للجماهير الفلسطينية قبل تلك الانتخابات.

" واستقتل" البعض من أجل البقاء في السلطة وتعامل البعض مع الحركة وكأنها "مزرعة خاصة" وليس من حق أحد أن يشاركه بها، وتفرج العالم على أسوأ ممارسة "ديمقراطية" في تاريخ فتح والحركة الفلسطينية.

فلقد تم حرق المراكز الانتخابية والتعدي على مقار السلطة وسيادتها، وانتشرت مظاهر"البلطجة" ولم تستطع السلطة أن تفرض القانون، وبدلاً أن تكون فتح هي الحامية للقانون أصبحت هي من يتعدى على هذا القانون، وتم التعامل مع نتائج "البرايمريز" في بعض الحالات من خلال "ليكن الطوفان" أو "عليّ وعلى أعدائي"، مما شكل ردة فعل جد سلبية على السلطة وأداءها ودورها.

وبعثت الممارسات السلبية الرعب في نفوس الناس.وصار الكثيرمن الفلسطينيين ينظر الى فتح وبالتالي الى السلطة على أنها مثال للعجز "وقلة الهيبة"، خاصة عندما عجزت عن معاقبة المذنبين, الذين كانوا بدون شك متورطين في بعض الأعمال المخلة بالأمن مثل خطف الاجانب، او ملاحقتهم قضائيًا.

رائحة الفساد التي زكمت الانوف كانت كذلك سبباً في ذلك، وكان لا بد من أن يتم دفع ثمن ما، هذا الثمن تم دفعه في 25/1/2006 إلا أنه ثمن لم يكن بحسبان أحد
إضافة الى دور الحزب الحاكم، كان هناك من الفصائل الفلطسينية من يشعر " بالزهو" لما الت اليه الامور, ليثبت فشل السلطة وبالتالي فتح، وكان يغذي سراً أو علانية كل أسباب الفشل, ويشارك في صناعتها اذا ما توفرت الفرصة, من أجل مزيد من الاحراج للسلطة، وأصبح اللعب من وراء ستار هو سمة لبعض أو لكثير من المستفيدين من هذا الاداء المشلول للسلطة.

الى ذلك، فإن اسرائيل ومِن خلفها أو أمامها أو الى جانبها -لا فرق- اميركا, قد مارست كل ما يمكن لابراز الاخفاقات التي تعاني منها السلطة وساعدت وحرضت ضدها في كل المناسبات.

وكان من أبرز ما قامت به اسرائيل هو عدم التعامل مع السلطة كشريك عند عملية الانسحاب من غزة، ما جعل من الآخرين يفهمون أن اسرائيل فرت هاربة من غزة كما من لبنان، وبالتالي سقطت السلطة وارتفعت أسهم الصواريخ، وهي -أي اسرائيل- لم تتراجع بطرائق تعاملها مع الفلسطينيين ابداً, من أجل رفع أسهم السلطة فكانت تمارس سياسة البلطجة والغدر والاغتيال والاقتحام وما الى ذلك من ممارسات تثبت بشكل قاطع أن اسرائيل كانت معنية اكثر من أي طرف باظهار السلطة كشريك فاشل الى النهاية، وقد بدت اميركا وكأنها تتراجع أمام الاندفاع الاسرائيلي لا بل وكأنها تباركه.

إن انقلاب الاربعاء "الأخضر"، أو ربما زلزال الاربعاء أو كما سماه البعض" تسونامي" الاربعاء لا بد له من نتائج بقوته، ولا بد لاسرائيل أن تعيد ترتيب أوراقها، كما أن على الدول المعنية في المنطقة أن تنظر بجدّية الى أن الشعب الفلسطيني قد يكون صبوراً لكنه يستطيع اتخاذ القرارات الحاسمة وعلى فتح أن تراجع حساباتها وتأخذ العبر، فلا بد من دعوة عاجلة وسريعة لمناقشة ما حصل وبتعمق من أجل المعالجة ويجب الا تكتفي بالتشخيص، ولا بد من عقد مؤتمر الحركة السادس واتخاذ القرارات التي تتناسب وحجم الخسارة.

حماس، التي لا بد من تهنئتها على هذا الفوز المزلزل, والتي ربما لم تتوقع هذا الفوز الساحق، عليها الآن مسؤولية جسيمة وسواء كانت مستعدة لمواجهتها ام لم تكن، فلا بد لها أن تثبت أنها على مستوى تلك المسؤولية ولا بد لها من أخذ العبر وإدراك أن سنوات أربع في عمر هذا الشعب ليست بطويلة، فإما أن تحافظ على نجاحها وإما أن تجد نفسها على مقاعد المعارضة من جديد.