الجمعة: 15/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة اقتصادية: فوز حماس إسقاط لها أم تصفية لحق العودة بالاقتصاد؟!

نشر بتاريخ: 29/01/2006 ( آخر تحديث: 29/01/2006 الساعة: 22:14 )
رام الله -معا- كتب المحلل الاقتصادي د. عادل سمارة- هل يمكن للدولة ان تسبق الاقتصاد، وهل يمكن للجهاز الوظائفي الضخم ان يقوم ويصمد دون بنية انتاجية، وهل يمكن تحقيق الحرية دون سيادة، وهل يمكن نجاح ديمقراطية دون استقلال؟ هذا هو التحفظ المركزي على أوسلو، وعلى الانتخابات الأخيرة بغض النظر عن تنفيذها دون خروقات. فليس المهم العرس، لكن الأهم هل هناك عروسين، وهي لديهما ما يأكلانه بعد كعكة الزفاف؟

هنا ينفعنا التحليل الاقتصادي، وسواء شاء رافضو دور الاقتصاد أم لا، يظل هو العامل المقرر في النهاية.

كنا نعيش في الضفة والقطاع قبل احتلال 1967، وكنا حتى نقول لإخوتنا في الاردن أن الضفة سلة غذاء الاردن. وكنا نحن وهم نصدر إلى الكويت والسعودية التين والعنب والزيت المقدس وغيرها.

لم تكن هناك مساعدات للشعب من اميركا او بريطانيا، ولم تكن هناك منظمات الانجزة. أما احتلال 1967، فجاء بخطة واضحة ما تزال تُطبق وهدفها النهائي الإجهاز على حق العودة.

كيف؟

اختلفت حكومة الاحتلال عام 1967 بين رأي وزير الحربية موشيه دايان ووزير المالية بنحاس سابير. اصر دايان على ربط وإلحاق اقتصاد الضفة والقطاع باقتصاد الاحتلال لأن في التبعية قوة سحرية لشل المواقف السياسية، في حين رأى سابير ان الافضل إبقاء الاقتصادين منفصلين مع تبادل واسع بينهما.

وانتصر راي دايان الذي حول "سلة غذاء الاردن" إلى طوابير تقف وراء الخط الاخضر بانتظار الدخول بحثا عن عمل ولشراء حاجيات ولاحقاً للمتعة). باختصار حصل الالحاق الاقتصادي وجرى شل البنية الانتاجية المتواضعة. حتى الارض أُهملت وصودرت بالطبع.

من جانبها لم يكن لقيادة منظمة التحرير أية سياسة تنموية حقيقية، فهي منظمة غنية من تبرعات القوى التي قررت احتواء المقاومة، وعليه فهي لم تعرف فلسفة الانتاج والتنمية، وهي السياسة التي استمرت مع السلطة الفلسطينية. فالمتابع لا يستطيع التفكير في الانتاج. (انظر كتابنا: الراسمالية الفلسطينة من النشوء التابع إلى مأزق الاستقلال 1991).

أدهشت الانتفاضة الاولى بدورها الجميع، حيث قلبت النضال من نضال النخبة الذي يتماشى مع التبعية ومع بلد لا ينتج ويعتمد على العمل في بطن اقتصاد عدوه، حولته إلى نضال الجماهير. ولتطويق هذا التحول كان لا بد من اوسلو.

أما دهاقنة أوسلو فقد واصلوا خطة إنهاء حق العودة هذه المرة بالاقتصاد وليس بالسلاح. وحصل تقاسم الأدوار على النحو التالي:

- تقوم اسرائيل بتقليص عدد العمال الفلسطينيين لديها دون إنهاء الظاهرة والاستمرار في استخدام هذه المسألة كورقة ضغط كلما ارتفع باروميتر النضال المسلح

- يُطلب من الدول العربية ان تربط مقادير مساعدتها للفلسطينيين بالتقديرات الاميركية لكي لا يصل الفلسطينيون إلى الاعتماد على العرب فقط حيث يصعب على الدول العربية إنقاذ السلطة الفلسطينية بما لا يرضي الغرب واسرائيل.

- تقوم الدول الرأسمالية الغربية بتقديم مساعدات للسلطة الفلسطينية لقاء اعترافها باسرائيل وبالتالي كانت هذه المساعدات مثابة "ريع Rent" سياسي كمكافأة للذين وقعوا اوسلو. لذلك، تمتعت السلطة بهذه الاموال باعتبارها "لها" وهذا ما ولد الفساد لدرجة اصبح اقتصادنا السياسي هو الاقتصاد السياسي للفساد.

وهو ما نقدناه في بيان العشرين الذي عوقبنا عليه. وبعد بيان العشرين بدا المانحون بمساءلة السلطة عن الفساد ولكن دون جدية.

وباعتقادنا ان المانحين يريدون سلطة فاسدة ماليا لأن هذا أحد مقتضيات التبعية. فلا بد لاقتصاد المناطق المحتلة ان يكون تابعا وغير انتاجي ليتم تمرير الشروط السياسية التي جوهرها: (إن اسرائيل خلقت لتبقى وان اللاجئين طُردوا كي يُوطنوا بعيدا عن حدود فلسطين)

ترتب على هذا توظيف جهاز هائل مدني وأمني يحتاج لمبالغ ضخمة بدل توظيف هذه المبالغ في خلق شواغر عمل. وهذا يعني ضرورة ان تستمر اموال الدعم من الخارج لأن البنية الانتاجية المحلية لا تستطيع حمل هذا الجهاز.

لقد سقطت (وربما كانت تعرف) السلطة الفلسطينية في مأزق مفاده: إقامة سلطة بسرعة دون استقلال، توظيف سريع دون موارد محلية، وتمويل سريع من أطراف أجنبية) .

وما لبث ان اصبح هذا التمويل هو سيف ديمقليس. فلا يمكن لسلطة ان تصمد في الاراضي المحتلة إلا إذا سارت بموجب تعليمات الممولين. من هنا واجهت القوى الفلسطينية المعادلة الصعبة التالية: هل يمكن الجمع بين المقاومة والسلطة؟ وهل يمكن إقامة سلطة مقاومة؟

وكمواطن عادي، كان رايي منذ أكثر من عام، أن الجمع بين الامرين غير ممكن في بلد كهذا وبناء على الصورة أعلاه، وهذا ما أكدته في عدة ندوات جمعت مختلف الاطراف بما فيها حماس.

من هنا تنبع مخاطر أوسلو. صحيح أن من وافقوا على أوسلو في البداية لم يعلنوا صراحة أنهم مع إسقاط حق العودة، ولكن قراءة الظروف والملابسات والتطورات تصب في خانة إلغاء حق العودة. وها نحن نشاهد ان الشرط الاميركي والاوروبي والاسرائيلي لحماس واضحاً:

تريدون سلطة، تفضلوا، ولكن غادروا موقفكم السياسي والعقيدي. لاحظوا، أن هذا مطلوب حتى قبل إلقاء السلاح، لأن مغادرة الموقف يؤدي إلى سقوط ناعم للسلاح. وإن لم تفعلوا، لن نضربكم، ولكن سنوقف ضخ الأموال. هذه هي التبعية ببساطة.

اين موقع ما تسمى باللعبة الديمقراطية في المعادلة؟ لا مكان للأخلاق في الاقتصاد وليس فقط في السياسة. نعم، كانت الانتخابات الاخيرة هي خيار فلسطينيي الضفة والقطاع. ولكن من قال ان الولايات المتحدة تحترم خيارات الشعوب؟ ها هي تهدي لمن يروجون لثقافة راس المال قنبلة راسمالية: موتوا جوعاً وكلوا واشربوا ديمقراطيتكم أيها الفلسطينيون!

لقد طالبنا بمقاطعة الانتخابات على الأقل لهذه الامور ناهيك عن غيرها، وتمنينا للإخوة في حماس النجاح في معركة ما بعد الانتخابات.

وقد نظر كثيرون لمواقف الجهاد الاسلامي والتيار القومي والاشتراكي بأنها متطرفة. لا بأس. ولكن الجميع أغفل ان ربع الناخبين لم يشاركوا، وقد يكون ربع هؤلاء مع موقف الرافضين. وليس هذا المهم، بل المهم هنا هو أن حركة حماس، وحتى معظم أبناء شعبنا في الارض المحتلة أمام :

1- إما إسقاط حق العودة مقابل لقمة الخبز؛

2- أو انفلات الأمور نحو فوضى عارمة؛

3- أو تخلي حماس عن السلطة؛

4- أو البحث عن مخارج من طراز إشراك آخرين مع حماس تقبلهم أمريكا؛

5- أو أن تترك حماس السلطة طوعاً؛

6- أو مخارج أخرى من تحت الطاولة.

ليس هناك من شك، بأن ما قلناه، اكثر من مرة أن الرابح من هذه الانتخابات هي أميركا واسرائيل واوروبا. هذا الفريق رابح في كافة الاحوال والحلول السياسية، وخاسر في حل المقاومة. فلو حصلت مذابح بين الفلسطينيين (لا نقول حربا اهلية فالحرب الاهلية ارقى) ما الذي يضير اميركا واوروبا واسرائيل؟ لا بل هذا يسعدهم. ولو، لا سمح الله، تنازلت حماس فهذا يزيدهم غبطة، وهنا تتحول حماس الى غير حماس وتخسر جمهورها، الذي قد يعذرها بعضه، كما عذر نفس الجمهور حركة فتح عشية أوسلو، ولكن إلى حين.

بقي أن نقول، أنه في حمأة هذه الانتخابات طاشت في رؤوس فلسطينيين في الشتات وأخذوا يلومون لماذا لم يُسمح لهم بالانتخاب.

ولكن هؤلاء الاخوة لم يلاحظوا ان كل ما يرتبط بأوسلو هو موجه ضدهم. وما كان عليهم ان يفعلوا هو ان يطالبوا بانتخابات مجلس وطني وليس تشريعي.

وأخيراً، هل ستقدم حماس مرونات كافية ليقبل بها الطرف الاميركي والاوروبي والاسرائيلي؟ وهل سيجرب هؤلاء تكتيك تقديم السلّم لحماس أملاً في تفريغ موقفها تدريجياً، وطمعاً منهم في عدم الظهور بمظهر من يقتلع القرار الديمقراطي للشعب، اي هل يضحون بفريق أوسلو الأول؟ كل هذه أمور ممكنة في السياسة، ولكنها ستظل محكومة بالاقتصاد.