الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

دعوة لاعادة تنظيم وتفعيل حركة فتح بقلم: الكاتب الفلسطيني حسن عبدالله

نشر بتاريخ: 29/01/2006 ( آخر تحديث: 29/01/2006 الساعة: 22:40 )
معا - من يعتقد أن إضعاف حركة فتح في هذه المرحلة، سيسهم في التأسيس لوضع أكثر نزاهة وشفافية وكفاحية، يقع في مصيدة خطأ تحليلي واستنتاجي جسيم.

لا نقول ذلك دفاعاً عن الأخطاء والتجاوزات التي وقعت بها الحركة في السنوات الأخيرة سياسياً وتنظيمياً وسلطوياً، لأن الحديث عن الإخفاقات ليس سراً، وإنما بات الشغل الشاغل لكوادر وقياديين في الحركة، حيث أخذت الأمور بعداً تجاوز التشخيص إلى المطالبة بإصلاحات جذرية داخل الحركة وبتغيير قيادي يستجيب للتحديات.

ان الانتصار للحركة وتاريخها ودورها، يجب أن لا يكون مقتصراً على الفتحاويين أو الذين استفادوا من علاقة فتح بالسلطة، بل وعلى كل إنسان وطني غيور، بصرف النظر عن الانتماء والتوجه السياسي، ومن هذا المنطلق بادرت إلى الكتابة، أملاً أن يبادر صحفيون ومثقفون آخرون للإسهام في وضع تجربة الحركة تحت مجهر النقد البناء، لكي يتكامل النقد من خارجها مع النقد الصادر من داخلها، في بلورة رؤية شمولية تساعد على تخطي المعضلات الكبيرة التي باتت تعصف بدور الحركة.

لقد قادت فتح العمل الوطني والكفاحي والسياسي الفلسطيني منذ انطلاقتها، وحققت انجازات كبيرة، وكان لمؤسسها الشهيد الراحل ياسر عرفات دور مهم تجاوز الساحة الفلسطينية إلى ساحات عربية ودولية، وشكل في مرحلة ما رمزاً لحركات التحرر على مستوى عالمي.

لكن هذه الانجازات لم يتم التركيم عليها وصولاً لإحداث قفزات نوعية في مسار الحركة، لا سيما بعد اوسلو. ولعل من أبز الأخطاء التي قادت الحركة إلى ما آلت إليه، الانتقال السريع وربما الفجائي من ساحة العمل النضالي بشقيه السري والعلني، إلى السلطة بمغرياتها ومجالاتها الواسعة من رتب ووزارات، حيث أخفقت في الفصل بين حدودها كحركة وحدود السلطة، فتداخلت الأمور بطريقة غريبة، لدرجة عدم القدرة على التمييز بين ما هو لفتح وما هو للسلطة.

لذلك فإن الأخطاء، الكبيرة والصغيرة التي وقعت بها السلطة انعكست تلقائياً على حركة فتح، وحينما أراد الناخبون معاقبة حفنة من الفاسدين، كانت الضحية الكبيرة الحركة، وليس الفاسدين، الذين سرقوا ونهبوا، ولا أظن أن أحداً في المنظور القريب سيحاسبهم هم أنفسهم على ما اقترفوا، لأن أموالهم وولاءاتهم ومشاريعهم خارج الوطن.

أن تقرر فتح العمل من موقع المعارضة هذا شأنها، وأن تقرر عدم مشاركة حماس السلطة فهذا يعود إلى حساباتها، وإلى رؤيتها، لكن لا أعتقد أن من حقها معاقبة جمهور الناخبين و حجب خبراتها وعلاقاتها الدولية التي اكتسبتها عبر سنوات من ممارسة السلطة.

فما تحقق دولياً والقنوات التي فتحت يجب أن تبقى وتستمر لأن الشعب الفلسطيني يحتاج في هذه المرحلة إلى التعامل بحنكة وتغليب العام على الخاص في ثلاث قضايا.

الأولى الفلسطينية، اي ترتيب الأوراق الداخلية،و الثانية كيفية التعامل مع الاتفاقات والمفاوضات وإدارة الأمور وفق رؤية جديدة ممنهجة لا تكرر الأخطاء ولا تضيع البوصلة، وثالثها الدولية، فملف العلاقات الدولية من أهم الملفات، كون الشعب الفلسطيني لا يستطيع أن يدير ظهره للعالم، فقضيته أممية بامتياز وتجريدها من هذا البعد يقزمها ويضر بها.

حركة فتح التي لا تزال خيرة كوادرها في معتقلات الاحتلال، وحركة فتح التي قادت الحركة الأسيرة وعملت على بلورة التقاليد النضالية والثقافية في المعتقلات، إلى جانب فصائل في منظمة التحرير كالجبهتين الشعبية والديمرقراطيه ، قبل أن يصبح لحركة حماس حضورها في التجربة الاعتقالية، من الضروري أن تستنهض تراثها النضالي وتستحضره من موقع الحاضر، لتعيد شحذ إمكاناتها وتقوية مفاصلها.

فانتصار حماس في الانتخابات ليس نهاية الطريق، فهذه الحركة نجحت في أن تبني جسوراً قوية بينها وبين الناس، والديمقراطية تعني تداول السلطة، حيث يسجل للسلطة الوطنية الفلسطينية كما يسجل لحركة فتح، الإسهام الايجابي في إنجاح التجربة الانتخابية. وما الموقف الذي سجله الرئيس أبو مازن في خطابه على خلفية النتائج، إلاّ أحد الأمثلة على تحمل المسؤولية وتقبل ما أفرزته الانتخابات.

إذ يندر أن نجد موقفاًً متزناً مسؤولاً في أكثر الدول ديمقراطيةً، كالموقف الذي جسده الرئيس أبو مازن بتقبله النتائج على مرارتها بالنسبة اليه بروح القائد المتزن.

إن الديمقراطية الحقيقية هي التي تتيح انتقال السلطة بسلاسه، فالديمقراطية هي نقيض الثبات وإنتاج نفس التجربة وتكرار الوجوه ذاتها.

وعلينا أن نظل مستعدين للتغيير في المستقبل، حتى لا يستمر الوزير في منصبه إلى مماته، ولكي لا يبقى عضو المجلس التشريعي في موقعه حتى إشعار آخر.

بتبادل السلطة يتم محاصرة الفساد تمهيداً للقضاء عليه، وما خسرته فتح في هذه المحطة، وما خسرته الفصائل والقوى الأخرى الواقعة ما بين فتح وحماس يمكن ان تسترده في جولة أخرى إذا ما حسنت أداءها وأعادت مدّ وتمتين الجسور بينها وبين الجمهور.