العـلاج بـالصـدمـة '' الانتخـابيـة'' بقلم: عبد الفتاح غانم الأمين العامل حزب الميثاق الفلسطيني الديمقراطي
نشر بتاريخ: 30/01/2006 ( آخر تحديث: 30/01/2006 الساعة: 16:18 )
معا- منذ عام 1965 وحتى توقيع اتفاقية إعلان المبادىء في اوسلو عام 1993، كانت حركة فتح سباقة دوما على غيرها من الأحزاب والقوى الوطنية الفلسطينية، فهي التي أطلقت الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية المسلحة، وهي التي خاضت معركة الكرامة عام 1968، ومعركة الدفاع عن الثورة في أيلول 1970 وفي الأحراش عام 1971، وشاركت في حرب أكتوبر عام 1973، وقادت م.ت.ف لاعتماد برنامج النقاط العشر عام 1974، وقادت القوات المشتركة اللبنانية والفلسطينية إبان الحرب الأهلية في لبنان التي اندلعت عام 1975، ودافعت عن الثورة وعن لبنان إثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، والتي سطرت القوات المشتركة في هذه الحرب صمودا استمر 88 يوما، وفي نهاية الاجتياح وافقت القيادة السياسية على الرحيل من بيروت وبذلك خسرت الثورة الفلسطينية نقطة ارتكازها في الساحة اللبنانية، وتوزعت قوات الثورة على المنافي البعيدة...
كان عام 1982 آخر أعوام العطاء لفصائل م.ت.ف إذ أن مجزرة صبرا وشاتيلا وما تلاها من كوارث واعتداءات ألمت بالشعب الفلسطيني، بقيت بدون رد من قبل المنظمة وفصائلها مجتمعة.
ولعل أوضح الأمثلة على ما نذهب إليه ما تعرض له الفلسطينيون في الكويت أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991، فقد انتقم حكام الكويت من الفلسطينيين أبشع انتقام، وانفضحت المقولة المعكوسة التي كرستها قيادة فتح، فبدلا من ان تكون الجماهير هي التي تحمي الثورة كانت القاعدة أن الثورة هي التي تحمي الجماهير، ومن هنا كانت الجماهير الفلسطينية في الكويت ضحية الموقف السياسي الذي اتخذته قيادة الثورة أبان الاحتلال العراقي للكويت...
منذ عام 1982 أعلنا موقفا صريحا وواضحا بأن فصائل م.ت.ف قد فقدت المبرر الموضوعي لوجودها، فهي لم تستطع أن تنجز مهمة التحرير الوطني، بالرغم من كل المكتسبات السياسية والإعلامية التي حققتها قبل خسارة ساحة الارتكاز- لبنان - وهي لم تعد " تحمي " الجماهير الفلسطينية كما ادعت في العقود السابقة، بل أنها أصبحت عبئا على حركة الجماهير الشعبية داخل الوطن المحتل...
لقد أعلنا بأعلى الصوت أن صلاحية هذه الفصائل مجتمعة قد استنفذت وانتهت، ولكن عبثا ضاع صراخنا في زحمة المآسي التي تلت خروج الثورة من لبنان، وضاع صوت الحكمة والعقل أثناء احتلال صدام حسين لأمارة الكويت، وحتى عندما اندلعت انتفاضة عام 1987، وعندما اهتبلت القيادة الفرصة، وركبت موجة الانتفاضة الشعبية، كان من المفهوم لذوي الألباب والعقلاء، أن الفصائل ستركب الموجة لتساوم على الانتفاضة ولتوظف رصيدها الماضي على أمل البقاء في الحاضر والمستقبل، بدون أدنى مراجعة لمسار الثورة والتخلص من جميع الطحالب والطفيليات التي علقت بثورتنا المعاصرة...
وبدلا من المراجعة النقدية للتجربة، فإن الانشقاق في حركة فتح، أعمى الجميع عن القيام بهذه المراجعة، ورأينا مجموعات عديدة من النصابين والأفاقين واللصوص والدخلاء على الثورة يصبحون مقررين فيها، في الوقت الذي جرى تهميش المناضلين وأصحاب المواقف الثورية والمستقيمة والمفكرين لأن ذنبهم وجريمتهم انهم يعلنون مواقفهم الجريئة في كل مكان وزمان...
أن اتفاقية اوسلو تشكل محطة أساسية على طريق الانهيار وإعلان عدم صلاحية فصائل م.ت.ف ففي هذه الاتفاقية جرى الاعتراف بدولة إسرائيل مقابل الاعتراف بالمنظمة، وفي هذه الاتفاقية تخلت م.ت.ف عن أكثر من 70% من جماهير الشعب الفلسطيني الذين هم جماهير اللاجئين الفلسطينيين وفي هذه الاتفاقية وقعنا على أن الكفاح المسلح إرهاب وتعهدنا بمقاومته ومحاسبة من يقومون به...
كانت جماعة الأخوان المسلمين، هي التنظيم السياسي الوحيد في فلسطين الذي لم يمارس الكفاح المسلح في الفترة بين عام 1967 - 1987، وبعد اتفاقية اوسلو طرحت حركة حماس التي كانت في البداية الجناح العسكري للإخوان والتي أفرزت فيما بعد كتائب عز الدين القسام كجناح عسكري لحركة حماس، طرحت المقاومة باعتبارها الشكل الرئيسي للتحرير، واستمرت إلى اليوم تطرح هذا الشعار وتتمسك به، كما طرحت حماس أن ارض فلسطين وقف إسلامي لا يمكن التنازل عنه، وبهذا انحازت كتلة ال70% من الشعب الفلسطيني لحركة حماس ( اللاجئون الفلسطينيون )، من الزاوية الرئيسية، واستطاعت حركة حماس أن تكون مكونا أساسيا من مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، بل أنها استطاعت أن تفرض على بعض فصائل م.ت.ف ممارسة الكفاح المسلح والمقاومة المسلحة، وكل ذلك كان يصب المياه في طواحين حماس...
أن الانتخابات التشريعية الأخيرة لم تكن مفاجئة لذوي العقول والأبصار من أبناء شعبنا، فقد نخر الفساد عظام السلطة وحركة فتح باعتبارها حزب السلطة، وقامت الإدارة الاميركية والاتحاد الأوروبي ودولة إسرائيل، بأعظم دعاية انتخابية لحركة حماس، من خلال الإعلان المعادي لمشاركة حماس في الانتخابات البلدية أو التشريعية، وكما اهتبلت قيادة م.ت.ف انفجار انتفاضة 1987، فقد اهتبلت قيادة حركة حماس هذه الأجواء الملائمة، وأسقطت التحريم الذي نادت به عام 1996، ضد انتخابات المجلس التشريعي يومها، ورأت حركة حماس أن فرصتها التاريخية في هذه الانتخابات التشريعية بالذات قد حانت ودنت، وهكذا ضربت حركة حماس ضربتها في اللحظة المناسبة وحصدت غالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني...
أن الشارع الفلسطيني يعيش هذه الأيام مفاجأة كاملة، وحركة فتح بالتحديد تمر في ظروف صعبة ومعقدة، أن هذا النوع من السقوط المدوي هو العلاج الشبيه بعلاج الصدمات الكهربائية، أن الشعب الفلسطيني قد قال كلمته في صندوق الاقتراع وعاقب من يستحقون العقاب وكافأ من اعتقد أنهم جزء من عقابه لمن أساءوا قيادته، وبددوا ماله العام وعاثوا فسادا في الأرض باسم قضيته المقدسة ومقدساته وشهدائه، أن الشعب قد عالج الخارجين على أرادته عن طريق الصدمة بالانتخابات وليس العلاج بواسطة الصدمة الكهربائية، وكانت صدمته موجعة ومؤلمة...
فهل ستشكل هذه الانتخابات عبرة لمن يعتبر؟