الإثنين: 30/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

رأيت مروان البرغوثي في المؤتمر السادس لحركة فتح بقلم : عيسى قراقع

نشر بتاريخ: 18/06/2005 ( آخر تحديث: 18/06/2005 الساعة: 12:49 )
كل ما قيل عن تأجيل عقد المؤتمر السادس لحركة فتح يتبيّن بالملموس أنه مجرد إشاعات، فها هو المؤتمر يكتمل وبنصابه القانوني في الرابع من آب الذي يصادف عيد ميلاد الرئيس الخالد أبو عمار...صورة الرئيس تتصدّر قاعة المؤتمر, وخارطة فتح تتوحد بكوادرها وكادراتها...أجيال شابّة وطاقات مبدعة متفتحة, ودماء جديدة تظهر بوضوح وبتميّز في المؤتمر بعد أن أفرزتها نتائج المؤتمرات الحركية الداخلية التي جرت بشكلٍ ديمقراطي وحضاري في كافة أرجاء فلسطين، ووفق النظام الداخلي لحركة فتح.
الصحفيون ووسائل الإعلام المختلفة والمراقبون والضيوف يملأون المكان...يظهر على وجوههم الانبهار أمام حيوية هذه الحركة وتنوعها، هذه الحركة التي استطاعت أن تعقد مؤتمرها لأول مرة على الأرض الفلسطينية...وما لفت انتباه المراقبين وجود قيادات جديدة اختيرت من القاعدة بعد أن أعطيت مساحة حقيقية للمشاركة والتعبير والتنافس الحرّ...فكان إفرازاً نضالياً قوامه الالتزام والتواصل والرغبة في التغيير وخاصةً بعد مرور سنوات طويلة ومتغيرات كثيرة أدّت إلى التكلّس والجمود في نمو وتطور الحركة.

وسجّل الصحفيون الذين حضروا وقائع المؤتمر كيف تجاوزت حركة فتح التحديات وكسبت الرهان بنجاحها وبامتياز في إعادة تأطير نفسها واستعادة مكانتها كحركة سياسية ثورية حملت على عاتقها حماية أهداف المشروع الوطني في الحرية والاستقلال ودحر الاحتلال.
وسجّل الصحفيون أيضاً هزيمة التيار المعارض للانتخابات الداخلية، وفشل مدرسة الحفاظ على الأمر الواقع, وانتصار تيار البناء وخط بناء المؤسسة, وكأنه بذلك تهاوت مصالح عديدة ومنافع ضيقة كثيرة، وظهرت كأقلية صغيرة أمام هذا العرس الديمقراطي الذي اعتبر على لسان الجميع بمثابة انطلاقة جديدة لحركة ثورية استعادت صورتها ولملمت أبنائها وشيّدت جسوراً تاريخية ونضالية بين الأجيال المتعاقبة والأفكار المتنوعة، وتحت قبة المؤتمر السادس ولم يصبح هناك أي داعٍ لتشكيل تيار ثالث كما يطالب البعض.
لقد أحرج النجاح العظيم بعقد المؤتمر السادس لحركة فتح في الرابع من آب هؤلاء الذين تنبأوا بانهيار وتآكل الحركة وانقسامها بسبب غياب المأسسة والديمقراطية في أطرها الداخلية، بعد أن تراجع منهج التعيينات والولاءات، وتحطمت الاصطفافات ومراكز القوى التي عشعشت في الحركة منذ سنوات طويلة.
وبدى واضحاً من تركيبة المؤتمر ان ثقافة العائلة وسلطة الابوّة التي برزت في الانتخابات المحلية اخيراً قد تراجعت وحلّت محلها ثقافة الحزب السياسي والانتماء التنظيمي.
وهذا ما اعاد لحركة فتح بريقها وبشر بمستقبل افضل للحياة السياسية الفلسطينية في ظل سقوط الخطاب الأبوي والنفوذ الشخصاني.
وسجلت احدى اوراق المؤتمر التي أُقرت انجازاً هاماً على صعيد المجتمع والتنمية عندما اعلنت تخفيض اسعار خدمات الاتصالات التي تسيطر عليها شركات خاصة وانخفاض معدلات البطالة وانه لم يعد يرى في الشوارع اطفال متسولين ووجود جهاز فاعل للرقابة على الادوية والتحويلات العلاجية وزيادة في معاشات الشهداء.
وادركتُ حينها ان حركة فتح، حركة الشهداء والمناضلين والاسرى، الحركة التي حمت القرار الفلسطيني المستقل وحمت الهوية الفلسطينية من الاستلاب والضياع، وشكلت الكينونة الفلسطينية وخاضت المعارك وجعلت من المخيم خندقاً ومن الواقعية رؤية تتجه نحو الوطن، ادركت انها في هذا المؤتمر استعادت كبريائها وشموخها وقوتها التاريخية ورسالتها الوطنية والانسانية

والوحدة التي عبّر عنها المؤتمر السادس كشفت أنه لا يوجد فوضى في حركة فتح ولا هلامية ولا فلتان أمني، وأن كل ما تناقلته وسائل الإعلام عن إطلاق النار هنا وهناك، وعن استباحة أملاك الناس واقتحام المؤتمرات وفساد القضاء...تبيّن أن لا صحة لهذا الادعاءات على الإطلاق، وأن أسباب هذه الأكاذيب هدفها تقويض حركة فتح وإظهار السلطة الوطنية عديمة الأهلية في إدارة حياة الشعب الفلسطيني.
وما أكد على صحة ذلك كلمة وزير الداخلية الذي نفى وبالأدلّة الملموسة أن لا صحة لمقتل (131 مواطناً) في المجتمع الفلسطيني بسبب الفلتان الأمني، وأن الأجهزة الأمنية نجحت تماماً في الحفاظ على النظام والأمن العام، وأن النيابة العامة تعمل ليل نهار ونجحت في اعتقال العديد (وذكر الأسماء) من الفاسدين الكبار وأصحاب الاحتكارات ومن الذين ارتكبوا الجرائم وأنهم سيقدموا سريعاً إلى العدالة والقضاء.
وقال وزير الداخلية مفتخراً، لقد ألقينا القبض على من أطلق النار في وسط رام الله، والمعتدين على المحلات التجارية والمقرات العامة والمنازل وعلى النواب، مبشراً بأن المواطن أصبح قادراً على التنفس والحياة بأمنٍ وأمان وبلا خوفٍ ولا رعبٍ ولا ملاحقة...وشدد وزير الداخلية أن فلسطين وطنٌ لأبنائه ولن يسمح بسرقته وانتهاك استقراره صارخاً...القضاء...القضاء
وظهر مروان البرغوثي في المؤتمر السادس لحركة فتح...نهض بقميصه البني ولحيته الطليقة إلى الميكروفون ليلقي كلمة الأسرى...كان جسده يرتعش كأن قطعاً حديدية تتساقط عن جسده.
رأيت مروان وحوله حسام خضر وأبو الناجي وعلاء البازيان وعلي المسلماني وكريم يونس وسامي يونس ونائل البرغوثي وفخري البرغوثي وآمنة منى ومحمد أبو علي وأحمد المغربي وأبو العوض وقتيبة مسلم وجمال ابو الهيجا وناصر عويس وحشد كبير من الأسرى الذين تحرروا من السجون...وما لفت الانتباه وجود أسرى محررين من المرضى والمعاقين والمشلولين، حيث ركّزت الأضواء عليهم وسط تصفيق حاد ومدوي...ألقى البرغوثي كلمته قائلاً: "جئتكم من زنازين التعفّن...من العزل داخل جدران وظلمات الجنون بعد أن تدلّينا طويلاً على جبل المشانق، لم يعترف بأسمائنا الزمن السرمدي حتى خشينا أنه لم يعد لنا مكان هنا، لهذا أشكركم وأشكر كل قائد ومسئول ومفاوض بعد شكري لشعبي الجبار والمناضل على ما بذلتموه لإنقاذ أبنائكم الأسرى من النسيان والمساومة...".

"إن تمسككم باستراتيجية تحرير الأسرى، ورفضكم للمعايير والمقاييس الإسرائيلية
العنصرية، ومقاومتكم لمفاهيم الأيادي الملطخة بالدم هي التي أوصلتنا إلى هذا
المؤتمر...حيث ننعم بالحرية بين أبناء شعبنا...".
"نحن لم نصدّق ما كان يقال عن استهتاركم باعتقال النواب والقيادات السياسية...ولم نكن نصدّق أنكم وافقتم على تجزئة الأسرى وتصنيفهم والتعامل معهم بشكل
انتقائي...لقد كنا واثقين من أنكم لن تتركونا تحت رحمة سياط الجلادين وقوانينهم
الجائرة، وأنكم قاتلتم بشراسة على طاولة المفاوضات وفي المحافل الدولية لنزع اعترافٍ بنا كأسرى حرب ومقاتلين شرعيين، ولسنا إرهابيين ومجرمين، ونجحت جهودكم الدبلوماسية
والقانونية في ذلك...".
"شكراً لكم لأنكم أعدتم الفرح إلى شعبي، إلى كل بيت وطفل وأم...وداعاً لباص الصليب الأحمر في رحلته الطويلة إلى سجون النقب ونفحة...وداعاً لعهد الاستعباد والقيود وأهلاً بالحرية...".
رأيت مروان البرغوثي...وشاهدت العناقات والدموع...تحوّل المؤتمر إلى هستيريا من الفرح والبكاء... ولأول مرّة تتحرّك صور الشهداء عن الجدران...وأرى ريحاناً وياسميناً تتفتّح في وسط الدم... كان انطلاقة وكان سلاماً داخلياً وكان حباً...