السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس والخيارات الصعبة..بقلم: عبد الفتاح غانم

نشر بتاريخ: 02/02/2006 ( آخر تحديث: 02/02/2006 الساعة: 14:36 )
معا- بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، اعتبر البعض أن ما جرى زلزال كبير، وبعض أخر اعتبره تسونامي فلسطيني اخطر مما تعرضت له بلدان جنوب شرق أسيا في العام الماضي، أما الشعب الفلسطيني فأنه يعتبر ما جرى خياره الحر وتعبيره عن أرادته بشكل حضاري، وانه وجه ضربة قاضية للفساد والمفسدين في الأرض، وعاقب بالدرجة الأولى السياسة المزيفة التي تريد فرض الأمر الواقع ألاحتلالي عليه، وشرعنة الاحتلال الإسرائيلي تحت يافطات وهمية مثل اتفاقيات اوسلو وخارطة الطريق..الخ، ووجه صفعة للسياسة الاميركية في بلادنا على حد تعبير الرئيس الروسي بوتين، وبعيدا عن توصيف ما حصل، فأن حركة حماس قد رفعها مد الفوز الكاسح ووضعها وجها لوجه امام تحديات ومسؤوليات من نوع جديد، الأمر الذي يلزم حماس بطرح خطاب سياسي يأخذ بعين الاعتبار وضعها الجديد على الصعيد الداخلي والوضع الإقليمي والعالمي...

ومن منطلق الحرص على المصلحة العليا لشعبنا، ومن اجل تصليب الموقف الوطني، وحتى لا يكون صندوق الاقتراع مدخلا ومقدمة لخسائر جديدة فلسطينية بدلا من كونه انتصارا لنا اليوم وفي المستقبل، وحتى لا يكبو جواد حماس بعد انطلاقته المظفرة، فأننا نقترح القيام بما يلي:

1- على الصعيد الفلسطيني: من المهم والضروري أن تؤكد حركة حماس أن الديمقراطية هي خيار استراتيجي وهي طريق التغيير الرئيسية بديلا عن الانقلاب العسكري واخذ القانون بالقوة، وأنها الطريق الرئيسية للحكم ولتداول السلطة وفيها فقط تتم التعددية السياسية في المجتمع الفلسطيني، وفي بناء النظام السياسي، وان القضية الوطنية والشعب الفلسطيني هما الفائز الأكبر في هذه الانتخابات ولعله من نافل القول أن الذين يدعون النطق باسم حماس، وان هدفهم إقامة الدولة الدينية الإسلامية، وان صندوق الاقتراع كان وسيلة للوصول ولا يستخدم الا لمرة واحدة، أن هؤلاء هم أعداء الداء لحركة حماس وهم يحرضون من انتخبوها اليوم لكي يسقطوها غدا، خاصة بعد أن ثبت بالملموس أن شعبنا ومن خلال صندوق الاقتراع قد أطاح بحركة فتح وهي الحركة الرائدة وذات الرصيد الضخم، فهي مفجرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهي القائدة - بدون منازع - للحركة الوطنية منذ عام 1968 وحتى تاريخ 25/1/2006، ونذكر في هذا المقام بما حدث في الجزائر بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية بـ 85% من مقاعد البرلمان في الجولة الأولى، وما جرى بعد ذلك من مذابح واقتتال داخلي، وإذا كانت قيادة الجيش تتحمل مسؤولية رئيسية فيما جرى في الجزائر، فأن تصريحات البعض ممن قالوا " ليست الديمقراطية من الإسلام في شيء" وهم مازالوا في صفوف المعارضة بعد، أن هذا البعض في الجزائر يتحمل هو الأخر نفس المسؤولية التي تقع على عاتق قيادة الجيش هناك، وهنا من المهم أن ننبه إلى خطورة المقولات مثل مقولة " أسلحة المجتمع الفلسطيني" الأمر الذي يستفز عموم جماهير شعبنا لأنه شعب مسلم وهذه المقولة الفارغة من أي مضمون تصفه وكأنه غير ذلك، كما لا يفوتنا أن نحذر وننبه إلى أن الراية الخضراء ليست بديلا عن العلم الفلسطيني، وإذا كانت حركة حماس قبل الانتخابات حريصة على رفع رايتها الخاصة، فأنها بعد الانتخابات مطالبة وملزمة بمنع التعدي على العلم الفلسطيني وإنزاله من على مبنى المجلس التشريعي ورفع راية حماس مكانه...

ومن الأهمية بمكان أن تتفهم قيادة حركة حماس حالة الانفعال وردات الفعل التي تظهر هنا وهناك من قواعد حركة فتح، وان يكون واضحا لقاعدة حماس، بأوامر صارمة ومشددة من قيادتها، الابتعاد عن أي شكل من إشكال الاستفزاز والتحدي أو المباهاة بالانتصار، وان الانتصار مصدره الشعب الفلسطيني ولم ينزل على حماس من السماء...

ونحن نثمن ما أعلنته قيادة حماس وسعيها لبناء شراكة فلسطينية مع جميع قوى شعبنا الوطنية والإسلامية، وهذه السياسة الحكيمة هي معيار ثقة حماس بالشعب وبحركة حماس وبفصائل وأحزاب العمل الوطني الفلسطيني، وبمقدار حرص حماس على النجاح في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية بمقدار حرص القوى والفصائل الوطنية على إحراز هذا النجاح وتدعيمه وترسيخه، ومن واجبنا أن نتوجه لقيادة حركة فتح لتلبية دعوة حماس بشكل ايجابي وان ترد لها التحية بأحسن منها بعيدا عن سياسة ردات الفعل التي أعقبت الإعلان عن فوز حركة حماس، وبعيدا عن السياسة الكيدية أو سياسة التوريط، وعلى حركة فتح أن توظف تجربتها الغنية بما يعزز ويقوي ويخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية، وهذا ما عودتنا حركة فتح عليه طيلة العقود الأربعة الماضية...

2- على الصعيد السياسي: ومن الناحية السياسية، فأن من واجب فصائل العمل الوطني الفلسطينية أن تقوم بدورها لتسهيل نزول حماس عن الشجرة، فليس برنامجنا اليوم هو تدمير دولة إسرائيل، وإنما برنامجنا هو تحرير الأراضي المحتلة في عدوان 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها مدينة القدس وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين حسب منطوق القرار 194، وإذا كانت حركة حماس لا تستطيع بين عشية وضحاها أن تقوم بانقلاب كامل على ما كانت تطرحه وتبشر به فأن جميع القوى الوطنية والإسلامية ومعها حركة حماس تستطيع أن تطرح للعالم ما لا تستطيع قوله حركة حماس بمفردها، وعلينا جميعا أن نوجه خطابا سياسيا للقوى العالمية والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، نطالبها فيه بتطبيق القرارات الدولية جميعها ذات العلاقة بالصراع العربي- الصهيوني وخاصة القرارين 181 و194، وهما القراران الخاصان بقيام الدولة العربية الفلسطينية وبحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، وشرط قبول دولة إسرائيل في الأمم المتحدة، إننا بهذا ننقذ حماس من الإحراج وجملة الضغوط الجبارة التي تتعرض لها هذه الأيام...

ومن ناحية أخرى فأن الرئيس الفلسطيني يستطيع أن يواجه مجتمع الدول بأن الموافقة على خارطة الطريق، قد رفضها شعبنا بشكل ديمقراطي حر، وأنه لا يستطيع إدارة الظهر لإرادة شعبه، ولا يقبل بالتالي أن تكون العقوبة الجماعية للشعب لأنه مارس حقه الطبيعي وبشكل ديمقراطي وحضاري، وقد كانت اللجنة الرباعية من المشرقين على هذه الانتخابات، إننا بذلك نكون قد رفعنا سقف المطالب الفلسطينية حتى لا نبقى تحت سقف اوسلو الميتة ، ونساعد الإخوة في حماس على النزول عن الشجرة التي هم عليها...

أن قيادة حماس مطالبة اليوم بالعمل الجاد والحثيث من اجل أنجاز اعادة بناء وتفعيل مؤسسات م.ت.ف، واستكمال أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، وذلك بالتفاعل مع جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي لتكون المنظمة هي مرجعية شعبنا في الداخل والخارج...

3- على الصعيد الإقليمي والدولي: ونرى انه لا بد من توجه عدة وفود تزور دول العالم المختلفة وتكون مسلحة بوجهة النظر التي أسلفنا الكتابة عنها، ثم ندعو الجمعية العمومية ومجلس الأمن الدولي من اجل تنفيذ قرار محكمة لاهاي القاضي بهدم جدار الفصل العنصري، ومن اجل إلزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية ذات العلاقة بإقامة الدولة العربية الفلسطينية ( القرار 181 ) وذات العلاقة بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين ( القرار 194 ) وتنفيذ القرارات ذات العلاقة بمدينة القدس العربية وعدم شرعية ضمها لإسرائيل، ومن المهم أن تترافق هذه النشاطات بحركة شعبية فلسطينية ضد جدار الفصل العنصري، وضد المستوطنات الإسرائيلية، تدعمها حركة شعبية عربية وإسلامية، تتوج بعقد مؤتمر عاجل للقمة العربية من اجل دعم الشعب الفلسطيني بعد هذه الانتخابات الحضارية ولفك الطوق عن شعبنا المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي والمحاصر بأملاءات اللجنة الرباعية والاملاءات الاميركية غير العادلة...

أن حكومة وحدة وطنية ضرورة ملحة، لكي نجعل من الانتخابات التشريعية خطوة للإمام...الا من كانت لهم آذان للسمع فلتسمع، ومن كانت لهم عيون فلتنظر وتدقق فيما يواجهنا من مخاطر، ولا خيار امامنا الا المواجهة ولا خيار الا الوحدة ورص الصفوف.


* الأمين العام لحزب الميثاق الفلسطيني الديمقراطي.