الجمعة: 15/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مطلوب حكومة انقاذ وطني/ بقلم: عدنان الكاشف

نشر بتاريخ: 06/02/2006 ( آخر تحديث: 06/02/2006 الساعة: 19:06 )

أثارت نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية ردود فعل مختلفة على كافة الصعد المحلية والعربية والاقليمية والدولية، تراوحت بين التأييد واحترام ارادة الشعب وانتهاء بالتهديد وفرض عقوبات جماعية على شعب حدد خياره الديمقراطي، من خلال وقف المساعدات للسلطة، ومحاولات اضفاء طابع الارهاب عليها وعلى شعبها، بإعتبار حركة حماس منظمة "ارهابية"، وهذا ما يحاول اعضاء يمينيون تبنيه كمشروع قانون في الكونغرس الاميركي.

واذا كانت هذه النتائج قد صدمت الجميع، رغم ادراك العديدين ان حماس ستفوز بهذه الانتخابات لعدة اعتبارات، كتب كثيرون عنها، لكن الاهم من ذلك كله ان حماس المعارضة لا بد وان تختلف عن حماس السلطة، لما يلقيه عبء المسؤولية عليها تجاه شعبها وتجاه الاخرين.

ولعل من المفيد التذكير ان من حق شعبنا ان يفاخر اعتى دول العالم ديمقراطية، بسلوكه الحضاري في الواقع الصعب والمعقد الذي عاشه طيلة الحملة الانتخابية وما قبلها، وفي ظل حالة احتقان واستقطاب حادة وشديدة بين فتح وحماس.

ودون ادنى مبالغة، يسجل للرئيس ابو مازن كل التقدير على موقفه الحازم والشجاع وايمانه العميق بضرورة الالتزام بما قطعه على نفسه امام شعبه والعالم اجمع بموعد الانتخابات وعدم تأجيلها، رغم الضغوطات الكبيرة عليه محليا ودوليا.

لقد كشفت نتائج الانتخابات عن زيف دعاة الديمقراطية الغربية التي لا تحترم ارادة الشعوب، وسعيهم الحثيث لممارسة ديمقراطية منقوصة ومشروطة، ديمقراطية تحقق المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، وفي هذا السياق استذكر ما قاله احد اعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح قبل عامين بعد زيارته لالمانيا، على لسان المستشار الالماني السابق غيرهارد شرويدر، ان الولايات المتحدة لا تريد الانتخابات في فلسطين خوفا من فوز ياسر عرفات مرة ثانية، ونحن كأوروبا لا نستطيع الوقوف في وجه الولايات المتحدة.

لقد دخلت الولايات المتحدة على خط الانتخابات التشريعية والقت بكل ثقلها، ليس فقط بالدعم المادي، بل سخرت الاعلام العالمي كله في خدمة سياستها الاستراتيجية، عندما أعلنت رفضها مشاركة حماس في هذه الانتخابات، حيث لحقت بها اوروبا بناء على طلبات اسرائيلية، والتهديدات المرافقة، وجاء رد شعبنا على ذلك برفض هذه السياسة اسوة ببقية الشعوب العربية، لان شعبنا بطبيعته ونتيجة تجربته يكره الاملاءات والاوامر الاميركية والغربية، ولم يكن مستغربا ان تكون النتائج على النحو التي اتت به.

لقد صوت المواطنون لصالح حماس ليس تأييدا لبرنامجها السياسي، بمقدار ما صوتوا ضد الفساد والفوضى والفلتان الامني والمحسوبية وهدر المال العام والبطالة والفقر.... الخ من مشاكل اجتماعية، واتساع الهوة بين أغنياء السلطة المتنفذين والجمهور الواسع العريض من الشعب، وكذلك بمقدار رغبة حقيقية في التغيير ورفض الواقع المعيشي، بعد ادراكه ان الرئيس محمود عباس ليس بمقدوره احداث التغيير المطلوب وترجمة شعاراته الانتخابية اثناء الانتخابات الرئاسية، خاصة وان المجتمع المدني والمؤسسات الشعبية والشخصيات الاعتبارية قد حددت مطالبها من الرئيس المنتظر.

لقد وضعت نتائج الانتخابات جميع القوى والاطياف السياسية في مأزق كبير، فيما ذهب الناس يتساءلون فيما بينهم: كيف ستسير الامور؟ وهل تستطيع حماس ان تقدم شيئا؟

وماذا عن المنساعدات، وماذا عن صلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء، وما مصير القانون الاساسي ، وكيف يمكن التعامل مع الاجهزة الامنية، وكيفية تشكيل الحكومة، هل حكومة حماسية ام حكومة وحدة وطنية ام حكومة تكنوقراط...الخ، ولعل النكات السياسية التي نسمعها ونقرأ عنها تعبر عن القلق بين المواطنين وتجعلهم في حيرة من أمرهم.

لقد ساهم الجميع في الوصول الى ما نحن فيه كل بطريقته، سواء حماس او فتح او قوى ديمقراطية يسارية او ليبرابيون جدد، لا يتسع المجال هنا لذكرودور كل طرف فيه، وامام هذا الواقع يصبح من أهم الواجبات الوطنية الحذر الشديد من المخاطر المحدقة بتصدع الجبهة الداخلية، آخذين بعين الاعتبار محاولات الاعداء المحمومة لاثارة الفتنة واشعال حرب أهلية عجزوا عنها في السابق.

ان مستقبل النضال التحرري لشعبنا الفلسطيني يقف اليوم على مفترق طرق، خاصة في الشهور القليلة المقبلة نظرا لجسامة التحديات التي تواجهه، ويعتمد على حماس بالاساس كيفية اجابتها على الاسئلة الصعبة والمعقدة المطروحة امامها.

لقد لمس الشارع الفلسطيني بعض الليونة في مواقف حماس واشاد بها، واذا كانت حماس جادة وصادقة في توجهها نحو شراكة سياسية حقيقية، يتوجب عليها وعلى الرئيس ابو مازن الاعداد منذ الان لجولة حوار وطني عميق بين كافة القوى المكونة للمجلس التشريعي، والتقدم ببرنامج انقاذ وطني، يستند الى تداول سلمي للسلطة والى برنامج السلام الفلسطيني والقمم العربية والمنسجم تماما مع الشرعية الدولية، لضمان التواصل والتأييد لقضية شعبنا في المحيطين الاقليمي والدولي، واذا ما تم الوصول الى ذلك، تصبح مسألة تشكيل الحكومة والمشاركة فيها امرا روتينيا، وحينها تحظى بإحترام شعبنا والعالم أجمع. فهل نستبشر خيرا..؟