الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تبادل الأدوار بين فتح وحماس /بقلم : د. إبراهيم الشاعر

نشر بتاريخ: 06/02/2006 ( آخر تحديث: 06/02/2006 الساعة: 22:08 )

ببساطة فإن لجوء الفلسطينيين للتغيير في الانتخابات الأخيرة دليل مهم على عدم الرضا مما مضى، وهذا ما يجب أن تفهمه الحركات و التنظيمات السياسية المختلفة وخصوصا فتح وحماس، وحتى يتحقق هذا الفهم بالشكل الصحيح لا بد من نظرة تقيمية لأداء الجميع حتى نحافظ على الايجابيات ونتفادى السلبيات مستقبلا.

... بعيداً عن التفاصيل أود التركيز على المعضلة الأساسية التي عانى منها الشعب الفلسطيني في الماضي بسبب عدم التكاملية وعدم التناغم في العمل السياسي والنضالي خلال العقد الأخير.

فمنذ عام 1994 تبنت حماس برنامجها الخاص دون الاهتمام بالبرنامج السياسي الذي تبنته فتح التي كانت تدير السلطة حينذاك بالرغم من أن الشيخ أحمد ياسين كان أحياناً يتجاوب بشكل شخصي مع مطالب الرئيس أبو عمار ولكن ذلك التجاوب لم يرقَ للأسف إلى برنامج عمل مشترك ودائم، الأمر الذي أدخل فتح وسلطتها في الكثير من المأزق الدولية والسياسية، وبالمقابل تراخت فتح في المجالات الإدارية والتنظيمية والاجتماعية ولم تضع نظام محاسبة رصين وقوي لمحاربة الفساد أولا بأول.

هذا عن الماضي، فماذا عن الحاضر؟ هل سنتعلم الدرس ونصوب الخلل؟ أم أن فتح وحماس ستتبادلان الأدوار بالإحلال البسيط ؟ الرهان الجماعي لا يرغب في ذلك ولا يتوقعه.

فالقضية ليست قضية تنظيمات أو حركات أو أحزاب وإنما هي قضية وطن وحقوق شعب وثورة تحريرية يلزمها سياسة وطنية واحدة متماسكة منطلقة من هدف واحد لضمان عدم التناقض، وبدون ذلك لن نحقق الهدف وسنبقى نتحرك في دائرة مفرغة بتكاليف باهظة ندفعها من المصالح الوجودية والسياسية للشعب الفلسطيني.

إن شروط نجاح عمليات التغيير تتمحور حول الشمولية والتكاملية والتناغم. والمقصود بالشمولية وجود رؤية واسعة الأفق لمختلف جوانب الحياة، في حاجات الشعب، ومتطلباته وقضاياه ومكاسبه وعلاقاته الداخلية والخارجية وارتباطاته واختلافاته على حد سواء، علاوة على بيئته وقدراته وظروفه وما يمكن أن يعترض هذه الظروف من عناصر قوة وضعف وثغرات.

وأما بالنسبة للتكاملية فتعني أن يكون النظام أو البرنامج متكاملاً في كافة الجوانب بمعنى أن يأخذ بالاعتبار جميع العناصر الأساسية اللازمة للحياة والديمومة فيجب أن تتكامل الحركات الفلسطينية في برامجها المختلفة لتحقق القوة وحتى لا تتكرر أعمالها فنخسر الوقت والجهد، فالبناء الذي لا يتكامل لا يمكن أن يكون قوياً أو مفيداً.

ولكي نضمن التناغم يجب أن تكون المعايير والحسابات منطقية وواقعية وموزونة حتى لا يطغى جانب على جانب أخر أو أن يتعارض عمل جزء مع جزء أخر.

إذن لا بد من أن تشتمل عملية التغيير على أساليب تكتيكية عند التطبيق العملي للنظرية مثل، متى؟ وأين؟ وكيف؟ نستخدم هذا الأسلوب أو ذاك، أي متى نتبنى العمل السري أو العلني؟ ومتى نخوض غمار التحدي والمواجهة أو اللين والمرونة؟ ومتى نستثمر الحالة الدينية أو السياسية؟ ... عملية التغيير الناجحة هي التي تشتمل على هذه الأساليب وأي عملية جامدة وأحادية في التفكير والنهج ولا تأخذ بالاعتبار المتغيرات غالباً ما تتراجع، ولا يمكنها الاستمرار.

بعد نجاح التجربة الانتخابية والذي يعتبر إنجازاً مهماً لحركة فتح، فإننا كشعب فلسطيني بغض النظر عن السلطة الحاكمة، بحاجة أولاً إلى تعزيز النظام الذي يوفر رؤية واضحة من جانب وآلية إدارية قوية وشبكة اتصال منظمة من جانب أخر، لضمان صهر الاختلافات والاجتهادات الشرعية الموجودة وتوجيهها الوجهة الصحيحة، وإلى توخي الحكمة ثانياً لضبط جميع الأعمال وفق الظروف الزمانية والمكانية الملائمة حتى نضمن تحقيق الفائدة القصوى.

وهنا يمكننا الاستفادة من غيرنا، فالأحزاب الإسرائيلية متنوعة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولكن انجازات هذه الأحزاب على السواء ترفد فقط المصالح الإسرائيلية فحتى الحزب الشيوعي الاسرائيلي كان يمثل دائما أداة لاستقطاب دعم الحكومات الاشتراكية لإسرائيل، ولا يجوز لأي حزب أن يمارس دوراً سلبيا" لصالح جهة أجنبية، وهذه بالضبط نقطة الاختلاف بين أن يشكل هذا الحزب سنداً للوطن أو أداة خارجية للعبث والتخريب.

ببساطة وباختصار هناك أمل في أن نتعلم من الماضي وان لا تلعب فتح اليوم دور حماس الماضي أو العكس وان يتبنى الجميع الحكمة التي تعني توظيف كل قول أو فعل في مكانه وزمانه المناسب، وان يسعى الجميع دائما للتكاملية بعيدا عن الفئوية أو الجهوية، حتى نتفق على الهدف ولو مرحليا، وحتى نسير للأمام ليسهل حينذاك توزيع الأدوار بشكل دقيق ومتوازن لنضع العالم أمام مسؤولياته ونعيد الكرة إلى ملعب الاحتلال.