الجريمة الدنماركية والجرائم الاسرائيلية.. بقلم: د. واصف منصور
نشر بتاريخ: 12/02/2006 ( آخر تحديث: 12/02/2006 الساعة: 11:51 )
معا- في خضمّ انشغال الرأي العام العربي والاسلامي بالاساءة الشنيعة التي وجهتها لرسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، صحيفة دانماركية وجارتها في ذلك صحف في النرويج وفرنسا وبعض البلدان الأخرى، حيث تفاوتت ردود الفعل بين احتجاج التصريحات والبيانات، والمسيرات السلمية، واقتحام السفارات والقنصليات وإحداث تخريب وأضرار بها.
وفي خضم انشغال الشعب الفلسطيني بنتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أفرزت فوزا واضحا لحركة المقاومة الاسلامية (حماس)، حيث غرقت الأوساط الفاعلة والشعبية في تحليل أسباب ومسببات ما وقع، وفي وضع سيناريوهات ما سيحدث قريبا.
في خضم هذا كله، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية يوم 17 يناير2006 عن مخطط تعتزم الحكومة الاسرائيلية تنفيذه لبناء خمسة آلاف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، مما يجعل من عام 2006 هو الأكثف من ناحية البناء في مستوطنات الضفة الغربية.
من جهة أخرى أجرت صحيفة معاريف الاسرائيلية يوم 21 يناير 2006 استطلاعا أظهر أن غالبية الاسرائيليين (51%) يؤيدون انسحابا من جانب واحد من أراضي في الضفة الغربية على غرار ما جرى في قطاع غزة العام الماضي.
وفي نفس السياق ذكرت مصادر اسرائيلية ان شمعون بيريس نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي اجتمع يوم 18 يناير 2006 مع كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، وأطلعها على نية يهودا أولمرت القائم بأعمال رئيس الوزراء الاسرائيلي لإنهاء (الصراع) مع الفلسطينيين والترسيم النهائي لحدود اسرائيل في غضون فترة زمنية قصيرة، وأن هذا الأمر يحتاج لدعم مالي كبير من أجل تنفيذه، وعلى ذلك طالب الحكومة الأمريكية بتقديم مساعدات مالية إضافية مقدارها مليارا دولار.
لاشك ان الاساءة الى نبينا صلى الله عليه وسلم تثير غضب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتستحق اجراءات عملية رسمية وشعبية لمنع تكرار مثل هذا العمل الشنيع.
ان ما أقدمت عليه الصحيفة الدنماركية والصحف الغربية الأخرى يثير أمرين يستحقان التأمل والتفكّر، أولهما الروح الصليبة البغيضة التي تفوح من بعض الأوساط الغربية تجاه الاسلام والمسلمين- بخلاف ما يتشدقون به من وجوب (حوار الحضارات ) لا (صراع الحضارات)، والثاني يرتبط بالقوانين الأوروبية التي جعلت من التعرض بأي شكل من الأشكال لليهود واليهودية جريمة يعاقب عليها القانون، لأنها تدخل في إطار (معاداة اللاسامية ) وبث الكراهية، ألا يدخل ما فعلته الصحيفة الدنماركية في نطاق بث الكراهية ؟ ولماذا لم تتابع الصحيفة على هذه الجريمة ؟
ولاشك أيضا في أن الوضع الداخلي في فلسطين يستوجب كثيرا من إعمال الفكر واثبات الحرص على المصلحة العامة، ويتطلب كثيرا من اللقاءات والمباحثات للوصول الى خطة عمل تسير بالمشروع الوطني الفلسطيني خطوات الى الأمام. فأي إخلال بالثوابت الوطنية، وأي مسّ بالوحدة الوطنية الفلسطينية، هو بمثابة خيانة، كما أن التعامل مع المجتمع الدولي بسياسة (إدارة الظهر) والتنطع، لن يكون في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني.
وعلى ذلك فإننا نرى أن تسخير كل الجهود وإغراق كل العقول في الأمور الآنية ، يعطي الفرصة لاعداء الأمة للتآمر ووضع المخططات وتنفيذها، مما يوحي بأن إشغال العرب والمسلمين بمثل هذه المعركة، مخطط له مسبقا من أجل تمرير مخططات قد يصعب تمريرها في ظروف أخرى.
لقد شغل الاسرائيليون العالم الخارجي بخطوة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، وأقنعوه بأن هذه الخطوة (تنازل) كبير جدا من جانبهم، وأنها دليل على أن الحكومة الإسرائيلية راغبة في تحقيق السلام, في حين أنها في الحقيقة تهدف الى التخلص مما يسببه لهم قطاع غزة من خسائر بشرية ومادية، وتهدف الى التفرغ لتأبيد وترسيخ الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية.
وهاهم الاسرائيليون يشغلون الرأي العام العربي والإسلامي بقضية ما نشرته الصحيفة الدنماركية، لينفذوا هدفهم من الانسحاب الانفرادي من قطاع غزة ، فيحاولـون ( وسينجحون) الحصول على مساعدات أمريكية لبناء خمسة آلاف وحدة سكنية في مستعمرات الضفة الغربية ، لخلق واقع جديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند الترسيم النهائي لحدود اسرائيل.
مهم أن نثور لما يتعرض له نبينا وديننا، ولكن المهم أيضا لا نجعل أذهان وقدرات شعوبنا غائبة عما يحيط بنا ويترصّدنا من أخطار ومؤامرات.
ففلسطين هي مسرى محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه الى السماء، وما يتهدّدها من أخطار المؤامرة التي يخطط لها الاسرائيليون ويموّلها الأمريكيون، خطر مادي وروحي في آن واحد.
فيجب أن لا نصدّر أزماتنا الداخلية الى الخارج، وأن لا نفرغ شحناتنا الروحية وقدراتنا العملية في معركــة رغم أهميتها البالغة على حساب معارك أخرى هامة ومصيريــة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكــم.