حركة فتح ومستلزمات العودة إلى الحكم/بقلم : د.نعمان عاطف عمرو
نشر بتاريخ: 22/02/2006 ( آخر تحديث: 22/02/2006 الساعة: 15:24 )
تمر حركة فتح في هذه الأيام بمرحلة دقيقة وحساسة من تاريخها النضالي بعد خسارتها في انتخابات المجلس التشريعي الثاني، كثيرون هم الذين تحدثوا عن أسباب الهزيمة أو الإخفاق الذي أدى إلى فقدان النظام السياسي، وكنا نقرأ ونسمع مواقف من الجرأة التي لم نستطع تشخيصها قبل الحدث، ولكي لا نحمل المسؤولية لأحد دون الآخر، فلا بد من الاعتراف بتحمل كل فرد في هذه الحركة العريقة للمسؤولية في إطار الجزء الخاص به وفي المحصلة فإننا جميعاً مسؤولون لأننا لم نستطع إيصال ما يكفي من الممثلين لنا للمجلس التشريعي حيث كان هذا أهم أهداف الفتحاويين الأصلاء.
إن جوانب الخلل كانت مشخصة قبل الانتخابات، وظاهرة للغالبية العظمى من الفتحاويين إلا ان أحدا من هؤلاء لم يستطع إصلاح هذا الخلل وتعديله لكي يؤثر على النتيجة إما لأن أصوات هؤلاء كانت خافتة إلى حد ما، أو لأن جزءاً آخر كان مستفيداً من هذا الخلل، في حين أن هناك جزءاً لم يتوقع ما حدث وهم السواد الأعظم من أبناء فتح الذين جهدوا مطولاً في محاولةتشخيص مكامن الخلل، وآليات العمل ورغم الحرص إلا أن عدم توافق الأجيال في الحركة أعطى إيعازا لأناس يحق لهم التقرير في مصير الحركة وإناس مطلوب منهم العمل دون ان يؤخذ حرصهم على محمل الجد وهذا بسبب المسافة القريبة البعيدة بين القائد التنظيمي وقاعدته الجماهيرية، ورغم ذلك نحن شركاء في تحمل المسؤولية كل حسب موقعه وقربه من التأثير على القرار أو بعده عنه.
إلا أن المهم حسب اعتقادي ليس تشخيص الخلل أو تحميل المسؤولية لأحد دون الآخر بل الأهم هو تحديد ما هو المطلوب الآن من أجل إعادة هيبة حركة فتح، لأننا جميعاً مقتنعون بأن الخسارة لم تأت لعدم القناعة بحركة فتح أو ببرنامجها الواقعي العملي المنطقي المقبول محلياً وإقليمياً ودولياً، بل لعوامل التداخل بين السلطة والتنظيم وعدم الاتصال والتواصل مع الجماهير والابتعاد عن استقلالية حركة فتح ببرامجها ومؤسساتها، ولذلك من أجل العودة أو الاستعادة لهذه الهيبة لابد من التوقف قليلاً مع الذات، وهذه الوقفة تكمن في التالي :
أولاً : ضرورة إعادة النظر في الأطر التنظيمية من أجل الاستنهاض وذلك لأن طول المدة الزمنية لها، خلقَ حالة من الركود والجمود في الحراك ويكون ذلك بإعادة هيكلية الاستمارة للأعضاء واعتماد معايير واضحة وقابله التنفيذ لكي يصبح لدينا أعضاء حقيقيون وسجل حركي نجده في كل الأوقات.
ثانياً : في ظل التحضيرات للمؤتمر السادس لا بد من تحضير القواعد التنظيمية لهذا الحدث الذي طال انتظاره، من خلال تشكيل لجان طوارئ ميدانية ومهنية لا علاقة لها بما حدث سابقاً ولا يوجد لها تطلعات في التشكيلات التنظيمية المستقبلية في الأقاليم وتكون مهمتها محددة ومحدودة من ناحية الهدف والزمن والأهم أن تكون معروفة بشفافيتها واستقلالها في القرار بعيداً عن التأثيرات والمؤثرات الجانبية، ويُطلب منها الآتي :
أ-حصر العضوية في كافة المواقع على الأسس التنظيمية السليمة بما يضمن حقوق كافة الأخوة التنظيميين ومراتبهم التنظيمية واعتماد المسافة في المراتبية بتحديد من يحق له التقرير في مصير الحركة في بعض المحطات لأنه لا يجوز الخلط بين المؤازر والمؤيد والعنصر الفعال وعضو الموقع وأمين سر الموقع، كل له خانته ليقرر فيها خوفاً من الخلط وعدم تحمل المسؤولية.
ب-إجراء انتخابات مواقعية ومناطقية لاختيار قيادات فتحاوية، فنتجه ابتداء من المواقع والمناطق حتى الأقاليم مع الأخذ بعين الاعتبار نظام الخلايا والشعب لتوسيع دائرة العمل والأهم أن تُحدد مدة بقاء هذه الشرائح المنتخبة وضرورة احترام مواعيد الانتخابات حتى يشعر العنصر في الحركة بأن هناك مصداقية وجدية في التطبيق والاستمرار.
ج- إعادة تشكيل الهيئات الحركية وفق النظام الداخلي للحركة مع ضرورة الالتزام المطلق بهذا النظام.
د- وضع برامج تنظيمية واضحة لكافة المواقع ولكافة المستويات التنظيمية بهدف بلورة موقف سياسي ووعي وإدراك لإيجاد بيئة فكرية تستند إلى الفكر الفتحاوي أو الحد الأدنى منه والأهم أن تكون موحدة على مستوى الوطن وبأجندة واحدة.
هـ- التفرغ للعمل في الأطر التنظيمية المختلفة بشكل كامل دون اللجوء للعمل التنظيمي الجزئي من أجل التقييم للأداء مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون هناك مسافة وإن كانت قصيرة بين العمل في التنظيم والعمل في السلطة وذلك لمحاولة عدم إخضاع جزء من القاعدة الممثلة بأعضاء الأجهزة لأجندة أو رؤية المسؤول (أ) أو المسؤول (ب) وأن تُترك الحرية في التقرير لعضو التنظيم.
ثالثاً : إعادة الهيكلية التنظيمية المستقلة للحركة بدءاً من المالية المركزية مروراً بالتعبئة والتنظيم وانتهاءً بجريدة رسمية خاصة بالحركة من أجل تعميم الفهم الفتحاوي على أعضاء الحركة ومن ثم على أعضاء المجتمع لاكتساب أعضاء جدد وأن يردف هذا بدورات مستمرة لخلق حالة تواصل مع القاعدة باستمرار والعمل دائماً وفق أسس علمية منهجية بدل العشائرية والفئوية لأن بناء إنسان قادر على الفهم والتقرير أفضل من الاعتماد على الفزعات والهبات التي تكون نتائجها دائماً غير مضمونة.
رابعاً : إن المنهجية التنظيمية المهنية في الخطوات السابقة هي القادرة على تهيئة الأجواء في أرض الوطن لاجتياز المؤتمر السادس بسلاسة وهدوء وتحديث للقيادات الفتحاوية المنتخبة.
خامساً : لزيادة التعزيز لا بد من الاهتمام بالقاعدة من خلال مخاطبتها بشكل فكري وكذلك بشكل عاطفي فإلى جانب تسويق الأفكار والمبادئ التي تصنع الكادر لا بد من برنامج اجتماعي يهتم بالطلاب والعمال والمرأة وكافة الأطر النقابية لأن القاعدة الجماهيرية ليست كلها مؤطرة والاهتمام بصغائر الأمور قد يُنتج منتوجاً أفضل بكثير من ان نهملها ويعطي كذلك انطباعاً بأن القائد والإطار التنظيمي منسجمان مع بعضهما وكذلك مع القاعدة.
إن هذه الخطوات قادرة على إنهاء كل حالات التردد والتشكيك في مدى شرعية المؤسسات أو قدرتها على إدارة دفة الأمور ولكي يكون الخلاف جزءاً من وجهات النظر التي بالإمكان أن تنعكس داخل مؤسسات الحركة وضمن صندوق الاقتراع أما دون ذلك فإن الوضع سيشهد مزيداً من الإرباك على الأقل داخل الوطن المحتل مع الأخذ بعين الاعتبار أن حالة العلاج للترهل السابق يجب أن لا تكون مشوبة بعقلية التهميش والإقصاء والتغييب، ولكن المحاسبة، ووضع الحد للاستهتار عند البعض وإبعادهم عن مركز القرار، ويبقى قانون المحبة هو السائد في هذه الحركة العملاقة من أجل غدٍ أفضل.