الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حركة فتح بين اخطاء الماضي وتحديات المستقبل - بقلم الاسير رأفت جوابرة - سجن نفحة الصحراوي

نشر بتاريخ: 23/02/2006 ( آخر تحديث: 23/02/2006 الساعة: 17:06 )
لا شك ان نتائج انتخابات المجلس التشريعي الثانية جاءت مفاجئة للجميع بما في ذلك حركة حماس وحتى اولئك الذين توقعوا فوزاً لحركة حماس لم يتوقعوا ان تحصل حركة حماس على هذه النسبة وكان واضحاً في الفترة التي سبقت الانتخابات ان قيادة حركة حماس كانت تخشى ان تصل الى نسبة الحسم وذلك بسبب ان اعداد الحركة وتهيئتها لم يصل الى مرحلة ان تستلم الحكومة الفلسطينية وتبدأ بمعالجة قضايا المفاوضات والعلاقات الخارجية والمالية هذا بالاضافة الى فك الحصار عن الشعب الفلسطيني وتسهيل حركته وشؤون حياته بما يضمن له العيش الكريم بالاضافة الى الامور الاخرى المتعددة وهذا لا يعني اننا لن نكن نتوقع خسارة لحركة فتح التي قادت المشروع السياسي بعد ان قادت النضال الفلسطيني لعشرات السنوات واستطاعت بكل جرأة ان تحول برنامجها السياسي وتنقله من الاوراق الى الارض وهذا ما مِِِيز هذه الحركة في قدرتها على الدخول في مفاوضات شائكة مع العدو وفق رؤية سياسية تنسجم مع القرارات الدولية والرأي العام الدولي بما يجعل فكرة اقامة الدولة الفلسطينية قابلة للتحقيق ولكن هذه القوة والجرأة واتساع القاعدة الشعبية الداعمة للبرنامج السياسي والواقعية التي اتسمت بها قيادة الحركة كانت تخفي خلفها لعقود طويلة شبه غياب للمؤسسة الحركية وتعزيز للقيادة الفردية التي شاءت ان يختلف الجميع حولها ولا يختلف عليها وهذا كان بمثابة القنبلة الموقوتة التي ستنفجر بغياب هذا القائد .

ويبدو ان هذا ما حصل فقد خلف رحيل القائد الكثير من الاختلافات التي تحولت الى خلافات والى نزاع على السلطة وبدأ الكل يهاجم الكل فالكل يريد الاصلاح والكل فاسد في سلسلة من الاتهامات التي لها بداية وليس لها نهاية فتجد كثيراً من الذين يدعون انهم يسعون للقضاء على الفساد وكانوا في حقبة مضت رموزاً للفساد وهكذا حتى انتقل الخلاف من القيادة الى القيادة الى القاعدة في محاولة للتنجيد والتجييش ضد الآخر مما سبب شرخاً واضحاً في القاعدة الفتحاوية وصراعاً مريراً بدأ حتى قبل رحيل القائد وانعكس بشكل واضح على ظاهرة كتائب شهداء الاقصى التي أوجدتها ضرورة مقاومة جرائم الاحتلال وحق الدفاع عن الشعب الفلسطيني.

وكان واضحاً ان جميع الأقطاب تحوال توجيه الكتائب وتجييرها وفق مصالحها الى ثقل آخر في ميزان النزاع على السلطة وانعكس الخلاف في القيادة الى خلاف في الكتائب مما يفسر ظاهرة وجود اكثر من جهة داخل فتح تعمل بنفس المسمى وتنازعها بعضها في الشرعية بالاضافة الى الحالة الضبابية في الموقف الرسمي للحركة حول احتواء هذه الظاهرة وتنظيمها وهذا مما جعل هذه الظاهرة تشبه ظاهرة عنترة بن شداد فهو احيانا الأبن واحيانا اخرى يكون العبد فتعددت الاجتهادات داخل الكتائب وحولها مما تسبب بتشكيل العديد من مراكز القوى داخل هذا الجسم مما كان له انعكاس واضح كبير على الساحة الفلسطينية حتى في بعض الاحيان على القرار السياسي وغياب التنظيم والمراقبة والمتابعة كان بالتأكيد سيخلف حالة من الفوضى والتي انعكست بشكل واضح في شتى انحاء الوطن من رفح حتى جنين من خلال الاعتداء اليومي على المؤسسات الرسمية والاعتداء على حياة المواطنين وأمنهم وامام الجبن الواضح لدى قيادة الحركة والسلطة الفلسطينية وخوفها من ان يؤثر تدخلها الحاسم والشرعي على ميزان قوتها الداخلية اتسعت دائرة التجاوزات لتشمل الاعتداء على الحدود والمعابر والمتضامنين الاجانب مع الشعب الفلسطيني ومراكز الانتخابات والتلويح بقتل واختطاف المراقبين الدوليين مما كان وبشكل واضح احد الاسباب المركزية لزعزعة ثقة الشارع الفلسطيني بحركة فتح وبقدرتها على توفير الامن والامان للمواطن الفلسطيني.

وبقي النزاع على السلطة مستمرا حتى وصل الى الانتخابات الداخلية للحركة ( البرايمرز) الذي تبين خلاله حجم الخلافات والتي برزت بشكلواضح من خلال الفوضى والتزوير واطلاق النار في بعض المواقع ولم يكن البرايمرز بداية الخلل بل كان احد علاقاته وبدل ان تستشعر الخلل والخطر ونتوجه الى النضال من اجل وحدة الحركة عذرنا هذا الخلل وحملنا معنا الى الانتخابات التشريعية المصيرية والتي من خلالها تتمكن الحركة من تنفيذ برامجها السياسية التي تعتقد فيها مصلحة الشعب الفلسطيني فكان واضحا انه في كل محافظة هناك عدة مرشحين عن الحركة متمترسين في عدة قوائم متحاربة بالاضافة الى وجود طرف ثالث سئم هذه الخلافات ونأى بنفسه عن القوائم الفتحاوية المتنازعة واختار حركة حماس الموحدة الموحدة كنوع من ردة الفعل والغضب على الجميع وهذا ما فسر الفوز الساحق لحركة حماس في الدوائر حيث كانت النتيجة خمسون مقعداً لحماس وستة عشر لحركة فتح .

ولا تسقط من حساباتنا الخلل الاداري زالمالي في السلطة الفلسطينية في الحقبة التي سبقت محمود عباس والتي تتحمل مسؤوليتها حركة فتح بالاضافة الى سوء الاداء التفاوضي واعلان الحرب من طرف واحد على الشعب الفلسطيني خلال ستة سنوات مليئة بالدمار والشهداء وغياب الافق السياسي مما وضع المشروع السياسي الفتحاوي في حالة شك من امكانية تحقيقه وهذذ انعكس من خلال نتائج قوائم النسبي حيث كانت النتيجة ثلاثين مقعداً لحركة حماس وسبعة وعشرين لحركة فتح وتسعة مقاعد لكافة الكتل الديمقراطية والاصلاحية والتقدمية والقومية واليسارية مما اسقط ورقة التوت عن حجم وجدوى ومصداقية هذه الاحزاب.

وهذا يجعلنا في حركة فتح امام حقبة جديدة معقدة ما بين مشروع سياسي موجود اليوم بأيدي حماس وهو قابل للأنهيار وما بين صراعات داخلية وشروخ تزداد عمقاً على اثر نتائج الانتخابات.

ولا شك ان استمرار التمترس خلف المصالح الذاتية واستمرار كيل الاتهامات وتحميل المسؤولية كل طرف على الآخر لن يزيد الامر الا سوءاً والبقاء في حالة الصدمة والتشنج والبكاء على الاطلال لن يعيد للحركة قوتها.

فبعد ان اصبح الخلل واضحاً ونتائجه امراً واقعاً لا بد لنا ان نبدأ بسلسلة من الخطوات العملية وبعيداً عن مطالبة فلان وعلان بالاستقالة في شكل جديد للصراع مثلما حصل في قاع غزة بعد الانتخابات من انطلاق سيرة مسلحة تطالب باستقالة اللجنة المركزية متناسين انهم ايضا مشاركين بايصال الحركة الى هذه الحالة التي هي عليه الآن او كما حصل من تراشق للاتهامات بين الاخ نبيل عمر والاخ عباس زكي على شاشة تلفزيون الجزيرة .

ان المطلوب اليوم ليس توجيه الاتهام لشخص محدد وتحميله المسؤولية فجميع كوادر الحركة مساهمون بهذه الهزيمة سواء بتشكيل مراكز القوى او حتى المتفرجين الصامتين ان المطلوب الآن هو اجتماع لكافة الهيئات القيادية في الحركة اللجنة المركزية والمجلس الثوري بالاضافة الى اللجنة الحركية العليا في كل من الضفة وقطاع غزة وتحديد آلية المؤتمر السادس وشروط العضوية بما يتناسب مع الوضع الراهن المتمثل بالتحول السياسي الكبير الذي جعل ساحة الوطن هيا لاسحة الرئيسية والتي يجب ان تشكل غالبية اعضاء المؤتمر مع اعطاء نسبة معينة لمراكز التواجد الفلسطيني في الشتات وتحديداً في سوريا ولبنان والاردن وذلك لأن كادر الوطن وابناء الحركة في فلسطين هم من سيخوضون الانتخابات في المجالس البلدية والقروية والمجلس التشريعي وانتخابات الرئاسة .

ويجب ان يتنهي الاعداد للمؤتمر وعقده في موعد أقصاه شهر آذار مارس المقبل حتى يستنى مناقشة كل امور الحركة ودراستها دراسة مستفيضة وإصلاح الخلل القائم واختيار قيادة جديدة للحركة تستطيع ان تحافظ على وحدة الحركة وقوتها لمواجهة التحديات وخصوصاً في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها ابناء شعبنا فأما ان تعقد العزم على المضي قدماً بهذا الاتجاه او نختار الطريق الآخر وهو إطلاق رصاصة الرحمة على حركة فتح وعلى اكثر من اربعين عاماً من النضال والتضحيات من خلال التمسك بالانقسامات وتحميل المسؤولية للآخر.