رام الله - معا -أعلن السفير الصيني قواه واي، عن وصول الدفعة الأولى من المساعدات الطبية الصينية إلى فلسطين لمواجهة وباء كورونا، تتضمن أنانيب اختبار لفحص الفيروس، في حين ستصل الدفعة الثانية خلال نهاية هذا الأسبوع، مشيرًا إلى أن بكين قدمت مساعدات طبية لـحوالي 130 دولة، وستواصل دعم فلسطين من أجل مواجهة الوباء، وستدرس الخطوات اللاحقة، خصوصًا في ظل عودة العمال من إسرائيل.
وأشار إلى أن الصين مع أنها تأخرت قليلًا بحوالي أسبوعين في اتخاذ الإجراءات اللازمة والصارمة لمواجهة هذا الوباء، بسبب صعوبة تمييز الأطباء في البداية ما بين فيروس كورونا والفيروسات المسببة للالتهاب الرئوي، إلا أنها تمكّنت من محاصرة الوباء، وقامت في وقت مبكر بتحليل التسلسل الجيني للفيروس، ومعرفة طرق العدوى، وفترة الحضانة، وحالات الإصابة الخطرة، وشاركت ذلك مع منظمة الصحة العالمية وبقية دول العالم، مؤكدًا أهمية مشاركة العلماء وأطباء الخط الأول لمعارفهم ونتائجهم حول الفيروس على نطاق عالمي.
وتطرّق إلى تداعيات كورونا على نمو الاقتصاد العالمي الصيني والعالمي، موضحًا أن دخول الربع الثاني من العام 2020 أصبح محور اهتمام السوق، لا سيما في ظل تحذيرات صندوق النقد الدولي من دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود، قد تكون أسوأ من الركود الذي تلا الأزمة المالية العالمية في العام 2008، غير أنه قال إن الاقتصاد الصيني لديه سوق محلية هائلة رغم تراجع التصدير للأسواق الخارجية، ويتمتع بطاقات للتعافي واستئناف الحياة الاقتصادية وعودتها إلى طبيعتها ابتداء من الربع المالي الثاني 2020.
وأشاد بإجراءات الحكومة الفلسطينية في مواجهة الوباء، مؤكدًا وقوف الصين إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الوباء، وتقديم المساعدات لها، موضحًا أن موقف بكين من الصراع يقوم على إحلال السلام في المنطقة، سواء عبر مفاوضات ثنائية بين فلسطين وإسرائيل، أو من خلال مؤتمر دولي للسلام كما طرح الرئيس محمود عباس في كلمته أمام مجلس الأمن، بحضور عدد واسع من الدول، ولا يقتصر على اللجنة الرباعية الدولية.
جاء ذلك خلال ورشة رقمية نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، عبر برنامج زووم، وبثّت مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حول تجربة الصين في مواجهة فيروس كورونا، والعلاقات الصينية الفلسطينية، بمشاركة العشرات من السياسيين وخبراء الاقتصاد والتعليم والصحة والأوبئة، ومسؤولين في وزارة الصحة، وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما تابعها الآلاف عبر البث المباشر. وقد أدارها هاني المصري، مدير عام مركز مسارات.
ورحب المصري بالسفير الصيني والحضور، مشيدًا بالتجربة الصينية في مواجهة الوباء، وطرح مجموعة من الأسئلة حول الدروس المستفادة من التجربة الصينية، وكيفية نقلها إلى فلسطين ودول العالم، وحول إمكانية وجود موجة جديدة من الفيروس، والأضرار التي تلحقت بالصين وكيفية تعويضها. وأشاد بالعلاقات الصينية الفلسطينية، داعيًا إلى تطويرها والبناء عليها، لأن الصين تقف إلى جانب الحقوق الفلسطينية. كما نوه إلى أن مركز مسارات سينظّم خلال الفترة المقبلة ورشة عمل مماثلة يستضيف خلالها خبراء من الصين للحديث عن تداعيات أزمة كورونا على النظام العالمي.
وشكر السفير الصيني مركز مسارات على مبادرته لتنظيم هذه الورشة بمشاركة نخبة من الشخصيات من الضفة والقطاع. واستعرض تجربة بلاده في مواجهة الوباء، المتمثلة في البحوث العلمية الطبية حول فيروس كورونا، والوقاية المبكرة والمكافحة الفورية، حيث أوضح أن العالم الصيني تشونغ نانشان، الذي لعب دورًا كبيرًا في مواجهة فيروس سارس في العام 2003، نشرًا بحثًا في شباط/فبراير 2020 في موقع (medRxiv) حول الخصائص السريرية للمرض الناجم عن فيروس كورونا. وقد تضمن البحث معلومات دقيقة عن 1099 مصابًا بالفيروس في 552 مستشفى بـثلاثين قاطعة ومدينة صينية، تشمل نسبة الحالات الخطرة، ومدة الحضانة، وأعراض الحمّى وغيرها، وهو ما مثّل مرجعًا علميًا لا غنى عنه بالنسبة إلى الدول الأخرى.
وأشار إلى أن بعض الدول مثل سنغافورة حققت نتائج جيدة في مجال الوقاية المبكرة، إذ بادرت وزارة الصحة السنغافورية إلى إرسال تحذير إلى مختلف المستشفيات فور معرفة إصابات الالتهاب الرئوي، واتخذت البلاد تدابير عدة، كالتشديد على سياسات الدخول إلى البلاد، والحجر الصحي، موضحًا أنه يمكن للدول التي لم تسجل إصابات بفيروس كورونا الاستفادة من التجربة السنغافورية في الإنذار المبكر والمكافحة. وفي هذا السياق، أشاد بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية الشبيهة بإجراءات سنغافورة.
وتطرق إلى أهمية رفع قدرات فحص الحمض النووي، والتعرف الفوري على أعراض المشبوهين بالإصابة وإجراء الفحوصات لأكثر عدد ممكن من الأشخاص، وهذا ما قامت به كوريا الجنوبية في البداية، وإلى ضرورة إقامة مستشفيات ميدانية لاستيعاب العدد الكبير من المصابين، كما هو الحال في إيطاليا وإسبانيا، لا سيما في ظل عدم قدرة المستشفيات على استيعاب العدد الكبير من الإصابات، مشيرًا إلى أن فلسطين بحاجة إلى مزيد من فحوصات الاختبار، لا سيما بعد عودة العاملين من إسرائيل.
وأوضح قواه واي، إنه وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن تطوير لقاح جديد ومصادق عليه يستغرق من 12-18 شهرًا، مشيرًا إلى أن بكين اختارت خمس طرق فنية للإسراع في تطوير لقاحات جديدة لفيروس كورونا، ومنها: اللقاحات المعطّلة، ولقاحات الوحيدات المؤتلفة المهندسّة وراثيًا، ولقاحات ناقلات الفيروسات الغُدِّية، ولقاح الحمض النووي وغيرها.
ونوه إلى تزايد الجهود لتطوير اللقاحات في جميع أنحاء العالم، إذ هناك ما لا يقل عن 52 لقاحًا مرشحًا ما زال في المرحلة قبل السريرية حتى يوم 26 آذار/مارس 2020. وقد دخل اللقاح (INO-4800)، الذي طورته شركة أنفويو الأميركية للأدوية، مرحلة التجارب السريرية، وكذلك لقاح (mRNA-1273)، الذي طورته شركة مودينا والمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة. وأضاف: أن بكين طوّرت "لقاح كورنا المؤتلف"، وقد دخل مرحلة التجارب السريرية، وهو من تطوير أكاديمية العلوم الطبية العسكرية بالأكاديمية الصينية للعلوم العسكرية.
وأوضح السفير أن اللقاحات المطورة حاليًا في مرحلة ما قبل التجارب السريرية، وفقًا لدراسة أعدّها تشن تشي وي، أستاذ قسم علم الأحياء الدقيقة بجامعة هونغ كونغ، ومدير معهد بحوث الإيدز، تصنف إلى نوعين: لقاحات غير معروفة في السابق، وهي تتعلق بشكل رئيسي بلقاحات الحمض النووي، وتنقسم إلى لقاحات الحمض النووي الريبي (حمض الريبونوكليك) ولقاحات الحمض النووي (حمض الديوكسي ريبونوكلييك)، من خلال إدخال أجزاء بروتينات مضادة للحمض النووي أو الحمض النووي الريبي مباشرة إلى الخلايا البشرية. أما النوع الآخر، فهي اللقاحات التقليدية التي استخدمت على نطاق واسع من قبل، مثل لقاحات الفيروسات المعطلة، ولقاحات الوحيّدات المهندسة وراثيًا، ولقاحات ناقلات الفيروس المؤتلف، موضحًا أن معظم أنواع لقاحات فيروس كورونا الجديد قيد البحث في الوقت الحالي ضمن هذه الفئة، بما فيها اللقاح الصيني.
ودعا إلى ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي والوحدة، وتجنب الخلافات للتغلب على الوباء، مستهجنًا بعض تصريحات السياسيين حول ربط الفيروس بدول معينة، أو تسميته بمرض العرق الأصفر، أو أنه لا يصيب إلا الآسيويين. ونوّه إلى ضرورة توخي الحذر في التعامل مع هذه القضايا، لكي لا نلحق الأضرار بالجهود المشتركة.
وتطرق إلى التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا على الصين والعالم، حيث أشار استنادًا إلى أحدث توقعات البنك الدولي، إلى إن معدل النمو الاقتصادي في شرق آسيا والمحيط الهادئ سيتباطأ من 5.8٪ في العام 2019 إلى 2.1%، وقد يصل في أسوأ الحالات إلى 0.5٪ فقط.
وأوضح أن الصين ستتعافى تدريجيًا مع استئناف نظام الحياة والإنتاج في معظم المجالات، حيث أشارت بيانات المكتب الوطني للإحصاءات في الصين، إلى ارتفاع مؤشر مديري المشتريات الصناعي الصيني (PMI) بشكل واضح في آذار/مارس الماضي، إلى جانب ارتفاع مؤشر مديري المشتريات المتكامل من حوالي 29% إلى 53%. وأضاف: إن توقعات وكالة التصنيف فيتش تشير إلى انخفاض النشاط الاقتصادي العالمي بنسبة 1.9% هذا العام، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة بنسبة 3.3% و4.2% و3.9%على التوالي.
وطرح العديد من الحضور أسئلة حول الدور الذي من الممكن أن تقوم به الصين لمواجهة الوباء عالميًا، ودعم الدول المتضررة، وخاصة الفقيرة، وكذلك دعم فلسطين، من خلال مساعدات طبية، وتدريب كوادر طبية، والتعاون مع الباحثين الصينيين في مجال الذكاء الاصطناعي لتطوير خوارزميات من أجل تطوير طرق في التشخيص والعلاج للوباء، إضافة إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل لمنع إجراءاتها التمييزية ضد الفلسطينيين في مواجهة كورونا، وخاصة العمال والأسرى والمقدسيين وقطاع غزة، وضرورة تخصيص مساعدات طبية للقدس من أجهزة تنفس وشرائح الفحص.
وتساءل البعض عن الخطوات التي اتخذتها الصين لمواجهة التداعيات الاقتصادية على العمال والشركات، وهل قدمت تعويضات للمتضررين، وما دور مؤسسات المجتمع المدني ورجال الأعمال الصينيين في مواجهة الوباء.
كما طرح آخرون أسئلة حول مدى صحة الأنباء حول أن الفيروس عمل عدائي بيولوجي، وهل فعلًا بدأ زمن الحروب البيولوجية؟ وكيف ستستمر الحياة في حال انتشار المرض، وانتقال العدوى، واستمرارها لمدة زمنية قد تصل إلى عامين حتى إنتاج اللقاح، وهل ستتوقف الحياة في الحجر الصحي المنزلي، وكيف يمكن توفير الاحتياجات الإنسانية حتى التغلب على كورونا؟