بيت لحم- معا- خسائر انتشار فيرروس كورونا لا تتصف بالإنصاف بين دول العالم؛ دولٌ عدّة تواجه خطراً اقتصادياً محدقاً بعد التدهور السريع في أسعار النفط، وبلوغها مستويات متدنية غير مسبوقة في التاريخ.
الإنعاش المالي للأسواق العالمية لم يؤثر في رفع أسعار النفط، نتيجة الانخفاض الحاد في الاستهلاك، وملء جزء كبير من مخازن الاحتياطات النفطية للدول والشركات الخاصة.. ولا حتى اتفاق "أوبك+" بخفض المنتوج النفطي بمقدار 10%، أي ما يقارب 9.7 مليون برميل يومياً على مدى الشهرين القادمين، يبدو أنه سيكون كافياً لرفع قيمة سعر الخام النفطي.
هناك من يسأل: إن كانت أسعار برميل النفط قد بلغت مستويات متدنية، فما الذي يحول دون إيقاف الشركات المنتجة عملية الإنتاج؟ خاصةً وأن أدنى سعر لإنتاج النفط (الكلفة الرأسمالية زائد الكلفة التشغيلية) تصل إلى قرابة الـ 10 دولارات، كما هو الأمر في السعودية والكويت.
هناك مسألة لا بد أن تؤخذ بالحسبان هنا، وهي أن كلفة إيقاف التشغيل، واستئنافه في وقت لاحق، ستكون أعلى مما لو بقي الانتاج متدنياً والأسعار منخفضة، لوقت محدد، ريثما يتحسن وضع السوق.
لهذا، نجد أن الشركات النفطية، بما فيها الشركات العاملة في حقول غرب تكساس، لا تزال مستمرة في الإنتاج، رغم هبوط أسعار النفط الآجلة لشهر أيار/مايو، إلى -37.63 دولاراً للبرميل، أي أن الشركات كانت مضطرة للدفع للزبائن كي يشتروا المُنتج النفطي، كي لا تتكبد كلفة التخزين لأشهر قادمة.
لكن ورغم التعافي النسبي الذي بدأ يظهر في أسعار النفط، نهاية هذا الأسبوع، لا يزال القلق مسيطراً على حكومات الدول النفطية، خاصةً تلك التي تعتمد في ميزانيتها على الواردات النفطية، والأمر لا يقتصر على انخفاض سعر النفط، حيث أثر الإغلاق الاحترازي للمؤسسات والشركات في هذه الدول سلباً، إلى الحد الذي لا يمكن حصره وإحصاؤه حتى الآن.
مثلاً، ووفق وكالة فيتش الائتمانية، تحتاج المملكة العربية السعودية أن يستقر سعر برميل النفط بحدود 91 دولاراً من أجل استقرار موازنتها، و82 دولاراً لسلطنة عمان، و65 لأبو ظبي، و55 دولاراً لقطر، فيما يحتاج العراق إلى سعر 60 دولاراً، والبحرين إلى 96 دولاراً.
أما في أفريقيا، فتحتاج الجزائر إلى 109 دولارات للبرميل، وليبيا تحتاج إلى 100 دولار للبرميل، ونيجيريا إلى 144 دولاراً، وأنغولا تتطلب 55 دولاراً، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
هذه أرقام ليست ممكنة بالطبع، لكنها تؤشر إلى فداحة الخسائر التي منيت بها هذه الدول جراء انخفاض الطلب على النفط.
لنأخذ العراق كمثل، فهذا البلد الذي يعد ثاني أكبر مصدّر للنفط في "أوبك" بعد السعودية، بإنتاج يومي يقارب الـ 4.5 مليون برميل، وبتخطيط يهدف للوصول إلى إنتاج 8 ملايين برميل يومياً خلال العقدين المقبلين، يعتمد على إيرادات الخام لتمويل 95% من نفقات الدولة، وهو بالإضافة إلى ذلك، لا يمتلك صناديق ثروة سيادية مثل العديد من نظرائه في الشرق الأوسط، فيما يعاني من تعثر في الخدمات العامة الصحية والتعليمية وغيرها، الأمر الذي يجعل البلاد أمام تحد حقيقي في الأشهر المقبلة.
وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي، كان قد صرح بأن تأثر الايرادات النفطية العراقية المتوقعة بانخفاض أسعار النفط في الوقت الراهن، سيكون كارثياً على البلد، مضيفاً أن"العجز في موازنة العراق لعام 2020 يفوق ما حدث منذ تأسيس الدولة العراقية".
أما في المملكة العربية السعودية، فيمثل قطاع النفط والغاز نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، و70% من عائدات التصدير، لكن ذلك يبدو مهدداً.
المختص في شؤون الشرق الأوسط ديفيد هيرست، كتب قبل يومين في "ميد إيست آي" يقول إن "احتمال أن تصبح السعودية دولة مدينة، هو احتمال حقيقي".
وأضاف هيرست أنه وحين تولى "الملك السلمان الحكم في 23 كانون الثاني/يناير، كان مجمل الاحتياطات المالية للمملكة 732 مليار دولار، لكنها استنفدت لتصل إلى 499 مليار دولار، في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، أي بخسارة قدرها 233 مليار دولار".
وقدر صندوق النقد الدولي، أن صافي الدين في السعودية سيصل إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، و 27% العام المقبل، في حين أن فيروس كورونا وأزمة النفط قد تدفع الاقتراض إلى 50% بحلول عام 2022.
روسيا كذلك، أحد طرفي الحرب النفطية المحتدمة قبل أسابيع مع السعودية، ستخسر بشكل ظاهر من انخفاض أسعار النفط، حيث يمثل هذا القطاع 30% من الناتج المحلي الإجمالي الروسي، ما سيعرَّض أكثر من مليون وظيفة أو 1.5% من القوى العاملة للخطر، لكن مع ذلك، فإن الدولة التي تمتلك احتياطاً مالياً يقارب 124 مليار دولار في صندوق الثروة السيادية، تدعي أنها تستطيع الاستمرار مدة عقد من الزمن بأسعار نفط تتراوح بين 25 و 30 دولاراً للبرميل.
في المقابل، هناك دول صناعية ستستفيد من تدني أسعار النفط، فاليابان التي تستهلك 4% من النفط العالمي، ستجد في تدني الأسعار فرصة للتخزين أو الاستهلاك الرخيص ريثما تدور تروس المصانع، كذلك الصين، المستورد الأول للنفط في العالم ستكسب، لكنها مكاسب ستكون محدودة، بسبب الانكماش الذي أصاب البلاد بسبب جائحة كورونا.
المصدر: الميادين