مرة اخرى تنشغل الساحة الوطنية بالقضية الاهم لدى شعبنا ،قضية الاسرى والجرحى وعائلات الشهداء ،قضية الدفاع عن مشروعية النضال الوطني والرواية التاريخية والنضالية للشعب الفلسطيني ،وقضية محاولة وصم نضال شعبنا وقواه الوطنية وشهدائه وجرحاه واسراه البواسل بالارهاب ، ومرة اخرى يتجلى ذلك في الحلقة الجديدة من هذه السلسلة فيما يتعلق بحسابات الاسرى وعائلات الشهداء والجرحى في البنوك الفلسطينية .
اولا : لابد من تصويب قاطع للمسالة حتى يمكن معالجتها ،وهذا التصويب يقوم على عدم السماح بتحويل التناقض في هذه القضية من كونه مع الاحتلال ،وبالتالي ينخرط الجميع في توحيد الموقف منه ،الى تناقض بين البنوك وبين الاسرى وعائلاتهم وعائلات الشهداء ،وهذا يعني وقف اجراءات البنوك بهذا الخصوص ،ووقف اية اتهامات لها ،الى حين توحيد موقف وطني شامل في التعامل مع هذا الخطر وذلك بمشاركة كل الاطراف ،وهو امر لا يحتمل التاجيل وقد يكون مداه مع الاسف يومين او ثلاثة حتى لا نجد انفسنا جميعا في خضم وضع سيء بتحول هذا التناقض الى داخلنا بدلا من توحيد الجهد فيه ضد الاحتلال .
ثانيا: ان هذه القضية ليست قضية الاسرى والشهداء والجرحى ومؤسساتهم فحسب ،كما انها ليست قضية سلطة النقد او الجهاز المصرفي ،بل قضية الشعب باسره ولذلك فانها قضية قرار سياسي اضافة الى طابعها الفني ،ومرجعية هذا القرار السياسي هي منظمة التحرير الفلسطينية بالتنسيق الكامل مع الحكومة الفلسطينية ،وهي قضية بعيدة الاثر مرتبطة بتوصيف النضال الوطني ومرتبطة بكل اسرة فلسطينيىة ،فيكاد كل بيت فلسطيني يتشارك بفخر وجود شهيد او اسيراو جريح من بين ابنائه .
ثالثا: ضرورة التفريق الكبير عند اية معالجة بين الجانب المباشر للمشكلة في استمرار تلبية حقوق الاسرى واسر الشهداء والجرحى في الحصول على مستحقاتهم المالية وهي قضية صارمة في التزام منظمة التحرير بها ،وقد تجلت في اكثر من موقف وتصريح من الرئيس ابو مازن ومن اللجنة التنفيذية ومن الحكومة وبين الحق في فتح الحسابات واستمرارها في البنوك لابناء واسر الشهداء والاسرى والجرحى .
ان استسهال الخلط بين الامرين باغلاق حسابات كل من له صلة بالاسرى والشهداء والجرحى هو كارثة وطنية واخلاقية وسياسية ،وهو عقاب جماعي غير مسبوق ،وهو ممارسة تنذر بتطبيق اسوأ ما في اجراءات العقوبات المستخدمة من الولايات المتحدة وغيرها تجاه المشمولين بقوائم الارهاب ،على القطاع الواسع من ابناء شعبنا ،وهي على كل الاحوال لن تنقذ البنوك من مطالبات يومية جديدة للقيام بادوار ليست هي ادوارها ،كما انها قد تمتد لتشمل جوانب اخرى لا يوجد حصانة لاحد فيها سواء على مستوى الافراد او المؤسسات .
وبسبب وجود فرق كبير بين ان يقوم البنك مثلا برفض استلام حوالة لحساب احد عملائه تحسبا من اجراء معين ضده ، وبين اغلاق حساب هذا العميل استنادا الى تصنيفه (بالارهاب )فان هذه القضية ترتدي اهميتها الكبرى وطنيا وقانونيا ،هذا بالاضافة الى انها تنفتح ايضا على واقع الخضوع لاوامر وتعريفات الجهة التي تقوم بهذا التصنيف ،وهي هنا الاحتلال وعلى النقيض التام مع صاحبة الولاية القانونية على عمل البنوك ومصدر التعليمات لها وهي هنا سلطة النقد الفلسطينية والحكومة الفلسطينية ،،واذا كان مفهوما خوف البنوك على مصالحها امام هذا التحدي الذي وجدت نفسها فيه ، الا ان ذلك يؤكد ان ان مواجهة هذا التحدي لا يمكن ان يتم بمعزل عن جوهره المرتبط بالقضية ذاتها في تصنيف الارهاب، وكذلك بمعزل عن حقيقة ان الطرف الاساسي في مواجهة هذا التحدي هو السلطة الفلسطينية ذاتها بما في ذلك في المسؤولية عن تأمين الحماية للبنوك امام هذا التعسف الاسرائيلي .
ولهذا بالضبط يجب ان نرى الغابة خلف الاشجار ،واذا كان الرئيس ابو مازن قد جدد الاعلان عن قرار منظمة التحرير بشأن الاتفاقات والعلاقات مع اسرائيل مع تصاعد الحديث الاسرائيلي عن الضم ،فان القضية التي نحن بصددها اليوم لا تقل الحاحية للاقدام على ذلك ،لانها ببساطة تتناول جوهر الحق المشروع لشعبنا في النضال ضد الاحتلال ورفض وصم ذلك بالارهاب ،ورفض خضوع مؤسساتنا للتعامل مع هذا التصنيف وللاوامر العسكرية الاسرائيلية بوصفه مصدر الولاية القانونيةعلى الأرض الفلسطينية ، خاصة وان تبعات هذا التصنيف لن تتوقف عند حدود ذلك فماذا لو امتد الامر لاحقا ايضا لمنع حصول ذات الفئة على التأمين الصحي او خدمة الاتصالات او تأمين السيارة او التملك ،او كل الاجراءات الاخرى التي تمارس ضد المصنفين على قوائم الارهاب في العالم .
ان القضية هنا اوسع بكثير من قضية مستحقات الاسرى واسر الشهداء على الاهمية الكبرى لذلك ،فهي قضية جوهر الرواية وجوهر الحق في النضال المشروع ضد الاحتلال ،ويينبغي علينا جميعا خوضها على هذا الاساس وهي تملي علينا الاسراع في الاقدام على ما يجب الاقدام عليه من تطبيق قرارات المركزي والوطني ،وما قضية (الارهاب) بحق الاسرى والشهداء الا تعبير اضافي عن ضرورة ذلك ، وهي بالمناسبة تمثل حتى وفق المصطلحات (التقليدية ) التفاوضية ،اجحافا في احدى قضايا الحل النهائي ،فضلا عن كونها ايضاح جديد على ضرورة رؤية غابة الاحتلال والابارتهايد خلف اشجار مظاهرها اليومية المتزايدة ..
.