السبت: 28/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

ملاحظات سريعة في موضوع المثقف العربي.. في الوعي والفكر والثقافة العربية

نشر بتاريخ: 23/05/2020 ( آخر تحديث: 23/05/2020 الساعة: 13:34 )
ملاحظات سريعة في موضوع المثقف العربي.. في الوعي والفكر والثقافة العربية
الكاتب: د. جهاد حمد

استاذ علم الاجتماع، جامعة وسترن اونتاريو، رئيس المعهد الكندي لدراسات الشرق الاوسط، كندا

في أمة كبيرة كالأمة العربية ما هو عدد المثقفين الذين يرقون إلى مستوى "المثقف " بالمعنى الكامل للكلمة والذين انخرطوا في "المؤسسة" وتكيفوا معها وجعلوا من أنفسهم" نموذج النماذج" بالنسبة إلى المثقف الوطني والقومي وجسدوا خطاب السلطة إعلامياً في ظل هذا الانحطاط التي تعيشه الثقافة العربية.
ما هي قدرات المثقف العربي من خلال الإعلام للخروج من حالة التخلف والتردي والتبعية الثقافية وماذا يمكن أن يحقق لنا؟
المثقف العربي العاطل عن العمل والممنوع من التفكير الجالس على مقاهي الأنظمة العربية ينتظر فرجا من السماء وممسكا قلما مستعارا.
ومن هنا فإنني أرى بأن مشكلة المثقف العربي هي من اعقد واشد المشاكل التي تعانيها مجتمعاتنا التي تكشف عن أزمة تكوين المثقف، وأزمة تشكيل الفكر والثقافة والعقل في العالم العربي. وقد أظهرت هذه المشكلة غربة المثقف عن الشارع المتعطش للثقافة البناءة الحديثة بعد مرحلة من الغزو الضخم للثقافة الإعلامية الرأسمالية والعولمة السلبية للإعلام نحو الشارع العربي، واستطاع الإعلام، الفكر والثقافة الرأسمالية أن تصل للمواطن العربي على شكل الطعام والشراب والدواء وأدوات التسلية والترفيه فتشربها حتى ارتوى منها وهي من أفدح ما أصابه في بنيته الفكرية والثقافية ـ الغربة التي تفسر ما يعبر به عن غربة المواطن بالوطن أو غربة المثقف عن المواطنين والشارع والوطن. وبسهولة كبيرة نكتشف، من خلال شريحة واسعة من الناس، جهلهم العميق وقلة إيمانها بما يمكن أن يحدثه قليلاً من مساحة حرية تهدى للمثقف وقلمه حتى يستطيع أن يقف بوجه أي مد فكري أو ثقافي معادي، ولكن في ظل أنظمة مثل أنظمتنا التي تختزل أي مساحة حرية ممكنة كان لا بد من صعود المثقف المزيف المدعوم من الأنظمة على الساحة كبديل للمثقف الحقيقي وبدأ المثقفون المزيفون بتحليل الواقع ونشر الثقافة التي ترضي الأنظمة القائمة ولا تخرج عن نصوص استخباراتها وبدءوا يتحدثون عن هموم المواطن واحتياجاته ويحللون الواقع ويعطون رأيهم في مسائله وقضاياه.
وتأسيساً على ما تقدم فقد وقعنا بما يسمى غربة حقيقية للمثقف الحقيقي وغربة مصطنعة للمثقف المصطنع، فالغربة الأولى هي غربة المثقف الحقيقي عن الشارع والمثقفين الآخرين وعن هموم الوطن والمواطن وتحليل مشاكله وقضاياه وطرح الحداثة البناءة، ومشكلة مصطنعة هي قيام من لا يعي المشكلة والواقع بتحليله لصالحه وتأويله لما يخدم به النظام. فمثل هذا المسمى المثقف الانتهازي النظامي يتميز بميزة الغربة عن الشارع لأنه لم يعشه ولم يعيش همومه وآفاقه وقضاياه فلذلك نجده يحاول أن يقف بوجه أي محاولة أو فكرة ويسميها بالغريبة تحاول اجتياح الثقافة العربية فيكون جاهلا حقيقيا يتحدث بأمور الناس. ومن ابرز أسباب غربة المثقف التي منعت تفاعل المواطن العربي مع مثقفه تعود لأقسام عدة، البعض منها يتعلق في الفرد العربي نفسه والبعض الاخر يتعلق في المثقف ذاته وأخر يتعلق في النظام والظروف المحيطة
1) الفرد العربي يعاني عقدة الخوف من النظام القائم وخوفه المستمر شكل له عقدة تبلورت في داخل الأسرة العربية التي بدأت في نمط تربية غريب عجيب بدا في محاولة صد الفرد عن الاقتراب من الكتاب والفكر وأبقته أسيرا لمعتقدات سائدة وثقافات دخيلة.
2) ما تسمم به عقل المواطن العربي عبر السموم المبثوث في داخل المناهج الدراسية التي يدرسها كل فرد عربي منذ بداية نشأته حتى أن يصبح مواطنا فاعلا في المجتمع، مثل هذه الأفكار المسمومة صارت أعرافا وثقافات لا يجوز الخروج عنها وصنعت مواطن مذعن للنظام وللخرافات والأساطير.
3) تشرب المواطن العربي للعديد من الثقافات الدخيلة عليه عبر طعامه وشرابه ولباسه وأساليب تسليته وترفيهه.
4) السموم التي تدخل كل بيت عربي عبر الفضائيات ووسائل الإعلام التي زادت من التفكك الأسري والانحطاط الأخلاقي والفكري والثقافي، وحتى إن وجدت محطة ثقافية نجدها موجهة بشكل يخدم طرف ما أو نظام ما.
5) وما يتعلق بالمثقف العربي ذاته الذي أيضا تأثر من ناحية بعقدة الخوف وصار قلمه يرجف ألف مرة في يده قبل أن يتجرا على كتابة كلمة نقد صادقة موجهة.
6) عدم ثقة المثقف العربي أو البعض منه بأدبه وتراثه وفكره وسوء انتقائه للثقافة أو سوء فهمها وعدم قدرة البعض على التحليل الواعي والمنطقي وتبسيط المواضيع الهادفة للجمهور الذي غدا يعيش اغتراب الفكر والثقافة ويشتكي من صعوبتها وتقبلها مقارنة بالأفكار السوداوية التي تغزوه.
7) المساحة المتاحة من قبل الأنظمة، والممارسات القمعية من قبل الأنظمة تجاه من يقول لا ومن ينتقد مصالحها وعلاقاتها المشبوهة ومطالبات بالديمقراطية الحقيقية والانفتاح السياسي.
8) الانغلاق العميق الذي تعيشه الشعوب العربية عبر سنوات نتيجة لسيطرة وظلم وديكتاتورية الأنظمة.
9) محاولات الأنظمة في إخلال الثقة بين المثقف والقارئ العربي.
10) إبراز الأنظمة لكتاب ومثقفين لها احتلوا ساحات الثقافة الكاذبة بديلا عن المثقف الحقيقي.
11) عدم قدرة المواطن العربي على التمييز بين الفكر الحديث كالعلمانية الحرة وبين الأفكار الرأسمالية التي تغزوه لتحقق هدفها في الاستعمار الفكري عليه.
12) عدم قدرة المثقف على تقديم الأفكار البناءة والهادفة التي تخدم المواطن للمواطن نفسه مبسطة حتى يستطيع الأخذ فيها والتقرب منها.
وأخيراً فإن المثقف في العالم العربي مطالب بأن يُعيد النظر في رؤيته للمواطن العربي أولا وللثقافة وطريقة نشرها من ناحية ثانية، ويصحح هذه الرؤية. فالمثقف بحاجة إلى أن يكتشف ذاته من جديد، ولن يكتشف هذه الذات من خلال مراجعة تلك الإيديولوجيات التي جعلته غريباً عن ذاته ومحاولة التقرب إلى المواطن والشارع والناس متناسياً الضغوط التي تمارسها عليه الرجعية، وان يطرح ما بجعبته من فكر حديث وحقيقي يساعد على النهضة والثورة والتقدم.
وحقيقة الامر تتمثل في ان الكتابة والفكر والوعي والثقافة بالعالم العربي يجب أن تكون معتمدة على البحث العلمي العميق والتدقيق في الادوات المستخدة حتى لا تندرج كتاباتنا واسماؤنا مع جماعات الذباب الألكتروني او الببغاوات التي تستند وتعتمد على قراءة المقال ثم إرساله للأصدقاء الموجودين على وسائل التواصل الاجتماعي دون فهم ما فيه، وبالتالي فمن الضروري وضع القراء في حقيقة ما يدور من هذا الامر وحالة التراجع في الفكر والثقافة العربية الاصيلة، بل ويجب اعلان المسؤولية الشخصية عن كل كلمةٍ فيما نكتب، لأن البحث يحتاج إلى توضيح شافي ووافي لكل نقطة مدعومةً بالوثائق التي تؤكد الحقائق فيما يتعلق بالحالة المتردية للفكر والوعي والثقافة بالعالم العربي. حيث أن البحث العلمي من أهم الأنشطة الإنسانية التي تنتج الثقافة والمثقف وما سيقوم فيه لاحقا تجاه الانسان والمجتمع في هذا العصر، فالبحث العلمي على مر العصور هو أساس النهضة والتغيير، وركن رئيسي في تكوير الوعي والثقافة، قائما على تلاقي وتفاهم الثقافات والحضارة الانسانية والعمران البشري، وهذا الجهد المنظم المتواصل، لا يمكن أن يجري في فراغ، بل ينبغي توفير البيئة السليمة لكي تساعد المفكر والمثقف والباحث في إنتاج بحث علمي موثق ومحكم، ومن ثم يأتي هنا دور المؤسسة الرسمية لتساعد في إخراج نتائج البحوث العلمية من الأروقة النظرية إلى ميادين التطبيق، حيث الارتقاء المباشر بالحياة والحضارة والعمران الإنساني. الا ان التعليم العالي في جامعات كثيرة من العالم العربي اصبح يعيش حالة من الفساد وبامتياز، حيث يسهم في ذلك مجموعة من العومل أهمها: المؤسسة التعليمية (الجامعة)، والبيئة التعليمية ومكونات تركيبة ثقافة الانسان والمجتمع العربي، من خلال الأستاذ الجامعي والطالب، والبنية التعليمية/البحثية في المجتمعات العربية، فكراً وثقافة وسياسة وأخلاقاً، وإقتصاداً، فقط هناك بعض الإستثناءات، والتي أغلبها فردية تجاه البحث العلمي والعمل التعليمي. وما هو قائم اليوم هو حالة من الفساد والتخلف والتبعية ويبقى السؤال: من المسؤل عن ذلك؟ و نتساءل هنا من هو المثقف العربي؟
المثقفون العرب على اختلاف أفكارهم وأيديولوجياتهم، وتعدد توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الدينية والطائفية، في أغلبهم الأعم إلا قليلاً منهم، هم أكثر المواطنين العرب انغلاقاً وتعصبية، وهم الأكثر تطرفاً وانعزالاً، والأكثر تنفيراً وترهيباً، فعلى الرغم من ادعائهم الثقافة والمعرفة، واللباقة واللياقة، وأنهم مفكرون وفلاسفة، وحملة أقلام ورواد مرحلة، وأنهم يؤمنون بالديمقراطية والتعددية، ويسلمون بالتطور والتدافع، إلا أنهم عكس ذلك تماماً، بل هم الذين يسبقون الشارع العام بغوغائيتهم وأفكارهم البغيظة، وهم الذين يقودونه نحو الاحتراب والانقسام، وهم الذين يؤسسون للتطرف الفكري والعقدي والاستبداد السياسي والحزبي.
وبالتالي ما ينتج من فكر ووعي عن الثقافة العربية سيكون مشوه وبحاجة الى تدقيق ومراجعة. لانه كما يقال: "فاقد الشي لا يعطيه!!"