بعد ان قام الرئيس محمود عباس بإعلان التحلل الفلسطيني من كافة الاتفاقات والتفاهمات مع إسرائيل، انفتح سوق كلامي تحدث فيه كثيرون من وجهاء الطبقة السياسية الفلسطينية حول مصير السلطة وما بني عليها على مدى أكثر من ربع قرن.
بعضهم قال دون اكتراث، لا يهمنا لو انهارت او حُلّت السلطة الوطنية! وبعضهم الاخر قال سنعلن الدولة الفلسطينية ونطالب العالم بالاعتراف الفوري بها كرد على صفقة القرن المرفوضة والضم المرفوض أكثر! وبعضهم الاخر قال لنعلن انتهاء حل الدولتين ولنذهب الى دولة واحدة! وبعضهم الاخر تحدث عن نقل صلاحيات الحكومة الى اللجنة التنفيذية وصلاحيات التشريعي المنحل الى المركزي وصلاحيات السلطة كلها الى المنظمة! والبعض طالب بتأسيس حكومة فلسطينية في المنفى لحماية القضية من تأثير الاحتلال وكأن المنفى ارحم على القضية من ارض الوطن!
ومرت علينا أيام سمعنا كل هذا وأكثر، وكأن المصير الفلسطيني صار مجرد لعبة يافطات وعناوين ونزوات، دون تدقيق في القدرات والمضاعفات التي تؤثر حتما في جدية وصدقية الخيارات.
لا اعرف بالضبط أي من هذه الاقوال سيتحول الى سياسات وقرارات، ولنفترض ان الرأي استقر أخيرا على نقل صلاحيات السلطة الى المنظمة وهذا امر بدا في وقت سابق الأكثر تداولا وهنا يثور سؤال ... كيف؟ وينبثق عن هذا السؤال العريض عدة أسئلة تحتاج الى إجابات عملية وليس كلامية او شعارية.
هل المنظمة بوضعها الحالي مؤهلة لادارة الشؤون الحياتية اليومية لملايين الفلسطينيين؟
هل هي قادرة على إدارة وزارات ومؤسسات عدد موظفيها يربو عن المائة وسبعين الفا وهل هي قادرة على توفير الاحتياجات المالية خصوصا في هذا الوقت بالذات الذي يعاني فيه الفلسطينيون من ضائقة اقتصادية ومالية قد تتضاعف مع مرور الزمن؟ وهل المنظمة التي يفترض انها ستحل محل الوزارات والمؤسسات الأخرى تمتلك حلولا لمخلفات أوسلو مثل تحصيل الجمارك والضرائب ورعاية التنسيق المدني مع الجانب الإسرائيلي؟
وهل ستحصل على أموال المانحين الذين تناقص دعمهم في زمن السلطة ولا مسوغ لافتراض ان هذا الدعم سيزداد او حتى يبقى على حاله اذا ما آلت الأمور الى الفصائل الفلسطينية؟
وهل ستتغير معاملة إسرائيل للفلسطينيين نحو الأفضل اذا ما استبدل مجلس الوزراء باللجنة التنفيذية واستبدلت وزارة المالية بالصندوق القومي؟
انها أسئلة تدور على شفاه كل الفلسطينيين وخصوصا أولئك الذين بنت السلطة المستجدة حياتهم على العلاقات المتداخلة مع إسرائيل في كل المجالات.
انها أسئلة تزداد الحاحا في زمن كورونا ترمب السياسية وكورونا الصحية والشروط العشرة التي وضعها نتنياهو كي يقبل بمجرد التحدث مع الفلسطينيين.
ان نقل المسؤوليات والصلاحيات من اطار الى آخر لا يتم بمجرد قرار يتخذ في اجتماع، ولا باستبدال يافطة باخرى، ان كثيرين من وجهاء الطبقة السياسية الفلسطينية يتحدثون في أمور تتصل بمصير الشعب الفلسطيني وحقوقه ومصالحه كما لو انهم يقررون المصائر باللغة "فهذا الذي لم يعد يعجبنا سنغيره بما يعجبنا واذا حلت السلطة فلدينا المنظمة واذا ضايقت إسرائيل المنظمة فسنعلن الدولة "
انها لعبة يافطات ترفع الواحدة حين اللزوم وتطوى بذات السهولة حين اللزوم كذلك، وهذا البازار الكلامي الذي لا ينطوي على أي قدر من الجدية والواقعية والصدقية، يثقل كاهل المواطن الفلسطيني ويضعه في حيرة من امره، لذا ينبغي ان يتوقف هذا وبصورة عاجلة وقد يتوقف فعلا اذا ما تحدث رئيس السلطة الذي هو رئيس الدولة والمنظمة وكل شيء بما يكمل ما تحدث به حين الغى الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة مع إسرائيل ، وينبغي ان يتحدث للشعب الفلسطيني بصراحة وبالتفصيل عن الترتيبات التي سيتخذها بعد القرار السياسي بالتحلل من الاتفاقات والتفاهات، ليس بشأن التحرك السياسي الذي صار محفوظا عن ظهر قلب لكثرة ما تم الحديث عنه وانما بشأن ما يتصل بالحياة اليومية للفلسطينيين على كل الصعد، خصوصا وان ميراث أوسلو اضحى بعد الإلغاء مثار قلق لا يهدأ بالشعار وانما بالإجراءات العملية.
لقد قيل للفلسطينيين ذات يوم، "هل تريدون مالا اكثر ام وطنا اكثر"، ومن حق الفلسطينيين ان يطلبوا من قادة مصيرهم.... الاثنين معا.