رام الله- معا- لوّح رئيس الوزراء محمد اشتية، بسحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل في حال إقدامها على تدمير فرص إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس.
وأضاف اشتية خلال لقاء خاص على التلفزيون الرسمي"نمتلك العديد من الأوراق من بينها رسائل الاعتراف المتبادلة التي وقّعها الرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات في التاسع من أيلول عام 1993 من القرن الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إسحق رابين، والتي اعترفنا بموجبها بإسرائيل كدولة، فيما اعترفت هي بنّا كمنظمة، لذلك فإن مسألة اعترافنا في إسرائيل ستكون على الطاولة في حال تم تقويض فرص إقامة الدولة الفلسطينية."
وشدد رئيس الوزراء على تمسك القيادة الفلسطينية بالمشروع الوطني رغم كل المحاولات الإسرائيلية الممنهجة وفق رؤية إستراتيجية ترمي لتقويض فرص إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مشيرا الى تفهم المجتمع الدولي لقرار القيادة الذي أعلنه الرئيس محمود عباس، بوقف العمل بجميع الاتفاقيات الموقّعة مع إسرائيل.
وقال اشتية: "إن لدى الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو استراتيجية واضحة وممنهجة تقوم على تدمير فرص إقامة الدولة الفلسطينية، وذلك عبر فرض الحصار على قطاع غزة، وضم القدس، واستخدام المنطقة "ج" كخزان جغرافي لتوسيع المستوطنات حتى جاء مخطط الضم للأغوار والبحر الميت، كجزء من هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى تدمير إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية".
واعتبر اشتية مواجهة مشروع الضم الإسرائيلي بمثابة معركة وجود بالنسبة للكيان السياسي الفلسطيني، ومعركة وجود للمشروع الوطني الفلسطيني، لأن موضوع الغور هو المركب الرابع في إقامة الدولة الفلسطينية بعد القدس وغزة والمناطق "ج" والأغوار، داعيا إلى حراك جماهيري واسع والعمل على توحيد الصفوف لإتمام المصالحة الوطنية في مواجهة حرب الوجود مع الاحتلال.
وأشاد اشتية باتساع رقعة التنديد الدولي غير المسبوق للاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى اجتماع أربعين دولة من الدول المانحة واللجنة المؤقتة لمساعدة الشعب الفلسطيني، والذي شارك فيه 21 وزير خارجية، حيث أدان جميع المتحدثين بدون استثناء إسرائيل وبأشد الكلمات مخططات الضم الإسرائيلية.
وأضاف "إن العالم متفهم لإجراءاتنا بوقف التعامل بكل الاتفاقيات مع إسرائيل لأنه يعلم علم اليقين أنها اتخذت إجراء أحادي الجانب وأن ما قمنا به كان رد فعل على هذا الاجراء".
وقال اشتية: "إن إسرائيل تضرب بعرض الحائط جميع الاتفاقيات الموقّعة معها وأخلّت بجميع الالتزامات الدولية، باستهداف القانون الدولي وما يترتب على ذلك من تهديد إقليمي".
وتابع: "يربطنا مع إسرائيل أربعة مفاصل: أمنية، وسياسية، وقانونية، واقتصادية، رغم اننا تحت الاحتلال ضمن إطار استعمار استيطاني يضم 221 مستعمرة بها 720 ألف مستعمر يسيطرون على مساحات كبيرة من أرضنا".
واعتبر رئيس الوزراء وقف الاتفاقيات الأمنية مع إسرائيل وقفا للتنسيق الأمني على جميع المستويات، سواء كان "أمني -أمني" أو "أمني عسكري" أو "أمني مدني"، وقال: "حتى سيارات الإسعاف أوقفنا التنسيق بشأنها لأن الأمر بالنسبة لنا على أعلى درجات الجدية، فالقيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن أخذت الخطوة التي يجب أن تأخذها لأن أمامنا لحظة الوقوف مع الذات والحقيقة لحماية مشروعنا الوطني، ونحن لن نتنازل عن ثوابتنا".
وحمّل رئيس الوزراء إسرائيل مسؤولية قتل اتفاق باريس الاقتصادي بإقامتها حواجز على مناطق العبور، لأن الاتفاق مبني على حرية تنقل البضائع بشكل حر، مشيرا الى أنها قتلت الاتفاق الأمني بدخولها إلى المدن، والاتفاق القانوني بعدم احترامها للاتفاق السياسي الذي كان مبنيا على التدرج في الحل، في مناطق "أ" و"ب" و"ج" حتى عام 1999، حيث تتوسع مناطق نفوذ السلطة لتصبح على كامل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ما عدا قضايا الحل النهائي، وهي الحدود والمستوطنات واللاجئين والقدس والمياه.
وأضاف: إن إسرائيل وبدلا أن تقوم بتوسيع كياننا السياسي أصبحت تضيّقه، حيث أصبحت مناطق نفوذنا تتآكل باتساع الاستيطان وخطط الضم وعزل القدس وتقسيم الخليل، ومناطق "ج"، وباتت غزة خارج الجغرافيا، وهو ما يعني تبخر مشروعنا السياسي، ولكننا سنبقى أوفياء لمشروعنا الذي قدمت من أجله التضحيات بدماء الشهداء وآلام الجرحى وعتمة المعتقلات، لذلك فإننا أوقفنا جميع مفاصل العلاقة مع إسرائيل ما عدا القضايا المتعلقة بالحياة اليومية كالمياه والكهرباء والقطاع الخاص.
وفيما يتعلق برواتب الموظفين، قال اشتية إن الرواتب لهذا الشهر ستعتمد على الإمكانيات المالية المتوفرة في الخزينة، مشيرا إلى أن لدى وزير المالية توجيهات واضحة بفحص هذه الإمكانيات، وإننا سندفع ما يتوفر لنا وإذا لم يتوفر سننتظر، وأن كل ذلك لن يتعدى الأول من تموز وإن شاء الله سنتجاوز هذه الأزمة.
وفيما يتعلق بقرار الاحتلال توجيه إنذارات لـ44 هيئة محلية بقطع التيار الكهربائي عنها وتقليل كميات المياه المخصصة لها في مناطق الجنوب ومحاولة فرض السيطرة على مناطق في الأغوار قبل الضم مثل قرى بردلة وكردلة وغيرها، قال اشتية: "إن الضغط على القيادة ليس جديدا ومواجهتنا لهذا الضغط ليست جديدة، ولكن الأمر المتعلق بالضم له ثلاثة جوانب الإعلان والبدء بالتنفيذ والتشريع، ونحن نعلم أن إسرائيل أرسلت لبعض قرى الغور فواتير بشكل مباشر، ونعلم أنه تم إزالة بعض اليافطات التي تشير لمناطق السلطة الفلسطينية في الأغوار، ولكن بجميع الأحوال نحن نعلم أن المعركة في الغور هي معركة خلق الحقائق على الأرض نحن بدأناها منذ سنوات، والحكومة عقدت جلسة في بلدة فصايل ونعتزم عقد جلسة للحكومة في منطقة الأغوار قريبا، وقد شكّلنا لجنة وزارية لمتابعة موضوع الضم برئاسة وزير الزراعة، وستقدم هذه اللجنة تقريرها خلال الأسبوع القادم لتقديم المساعدات التي تحتاجها الأغوار لتعزيز صمود المواطنين في هذه المنطقة.
وحول الموقف العربي المساند لقضيتنا، قال اشتية إن جميع الدول العربية دون استثناء، شاركت في اجتماع المانحين، وكان موقفها واضح من موضوع الضم و"صفقة القرن"، ولا مهادنة في هذا الموضوع.
وأضاف أن الموقف العربي يحتاج إلى رفع الوتيرة، ليس فقط من الناحية اللفظية ولكن من الناحية العملية، فنحن نتحدث عن تعزيز الصمود في الأغوار، ويجب أن يرافقة تعزيز موقف القيادة عن طريق توفير شبكة الأمان التي أقرتها القمم العربية، وإذا لم يتم ذلك اليوم فمتى يكون.
وتابع أن الموقف العربي موقف مهم لنا وهو سندنا ومؤثر في الساحة الدولية، وهو موقف واضح، وجميع الدول أصدرت بيانات ضد الضم، ولا توجد موافقة عربية عليه.
وفيما يتعلق بالمواقف الدولية، قال إن الرباعية الدولية فيها 3 جهات تقف موقفا سياسيا واحدا، وهي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية، وعندما حاولت الولايات المتحدة، الطرف الرابع في الرباعية الدولية، عقد اجتماع وتسويق "صفقة القرن"، قالت لها جميع الأطراف إن المطروح على الطاولة هو القرارات الدولية والشرعية الدولية، ولذلك لم يتم الاجتماع.
وأضاف إن بعض الدول ترى أن إسرائيل تضعها بين خيارين، إما أن توافق على الضم أو أن تذهب مع القانون الدولي، والعالم سيختار القانون الدولي.
وتابع إن الموقف الدولي متطور ومتقدم جدا، والآن لأول مرة يتم نقاش فرض عقوبات على إسرائيل، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 وتنفيذ حق العودة للاجئين في مجلس وزراء الخارجية الأوروبيين.
وفيما يتعلق بأموال المقاصة، قال اشتية "إن الأموال التي عند إسرائيل هي أموال الشعب الفلسطيني، وهي ضرائب التجار الذين يدفعون جمركا على الحدود، ومن المفترض أن تعود لنا أموالنا بجميع الأحوال، وهي ليست منّة من إسرائيل علينا، ولذلك عندما نطالب بالأموال فنحن نطالب بحقوقنا، وهذه دولة احتلال بالنسبة لنا وليست شريكا أو غيره.
وأوضح اشتية أن الاحتلال خلال الأسابيع الماضية طلب منّا التوقيع لتحويل أموال المقاصة، ونحن رفضنا، لأن توقيعنا هو كسر للموقف الوطني حول وقف التعامل بالاتفاقيات، وقلنا إننا لا نقايض المال بالسياسة رغم أنه يهمنا أن نأخذ حقنا، ولكن يهمنا أيضا أن يوقف الاحتلال مشروع الضم بالكامل.
وأضاف أننا طلبنا من الاتحاد الأوروبي والصليب الأحمر والأمم المتحدة أن تتدخل في كل هذه القضايا، لأننا لا نريد أن نتعامل مع إسرائيل بشكل مباشر، وبناء عليه لا زال موضوع المقاصة عالقا ونحن نرفض التوقيع، ولن يكون هناك استثناء لأي موضوع فيما يتعلق بتوقيف العمل بالاتفاقيات.
وقال اشتية، "أمامنا أيام قليلة لبدء مشروع الضم، وسيتكشف المشهد السياسي في إسرائيل، وهناك تدخلات من كل دول العالم، ويوم الأربعاء سيصل وزير الخارجية الألماني، وقبل يومين وصل مندوب النرويج لعملية السلام، وهناك مكالمات هاتفية مع نتنياهو يوميا من دول العالم، وهناك ضغط حقيقي على إسرائيل لتتراجع عن هذا الموضوع، وبناء عليه نقول إن النصر صبر ساعة".
وأوضح اشتية أن "شعبنا ملتزم بدفع مستحقات الأسرى رغم مطالب الاحتلال وضغطه، والذي فشل في إغلاق 40 ألف حساب للأسرى والشهداء في البنوك، "ومثلما تراجع هنا، أنا على ثقة أننا سنشهد منحنى آخر في الأول من تموز".
وقال إن "لم تتراجع الحكومة الإسرائيلية عن الضم بعد الأول من تموز سيكون لنا استراتيجية جديدة مختلفة تتعلق بالانتقال من السلطة ببعدها القانوني والسياسي نحو الدولة ومعطيات أخرى، ولن نقبل أن نبقى مستمرين في الأمر الواقع".
وأوضح أن العالم على مدار السنوات الماضية كان منشغلا بإيران وبكل ما يجري في المنطقة، واليوم عاد الانشغال الرئيسي للقضية الفلسطينية، وعلينا أن نبقي قضيتنا في هذا المربع، والرئيس يعمل ليل نهار من أجل ذلك، وكذلك إخواننا في اللجنتين المركزية لفتح والتنفيذية لمنظمة التحرير.
وفي سياق متصل، قال اشتية إن السلطة لم تأخذ قرضا من إسرائيل، ولدينا مستحقات مالية عندها هي ضريبة الجسر التي لا يعيدها الاحتلال وضرائب أخرى مستحقة ومنها ضرائب العمال، ولذلك بسبب الأزمة (التي تسبب بها فيروس كورونا) جرى اتفاق بين وزير المالية الفلسطيني ووزير مالية الطرف الآخر على أنه في حال انخفضت قيمة عائداتنا الضريبية إلى ما دون 500 مليون شيقل فيتم الدفع من مستحقاتنا، التي لا زالت أمرا خلافيا بالمناسبة، لكن بمجرد قرار وقف الاتفاقيات بات هذا الموضوع لاغيا.
وفيما يتعلق بالبضائع الإسرائيلية، قال إن الحكومة جاءت باستراتيجية الانفكاك عن الاحتلال، وهذه الاستراتيجية تقوم على تعزيز منتجنا الوطني، وبناء عليه أعدنا صياغة العلاقة التجارية في بعض البنود مع إسرائيل.
وبين "نحن نستورد حوالي 6521 نوع بضائع، 53 نوعا لا يمكن الاستغناء عنها، بما فيها المحروقات والمياه والكهرباء والاسمنت، لكن هناك العديد من البضائع التي يمكن الاستغناء عنها، ونحن فعليا بدأنا بذلك، لكن جاءت أزمة فيروس كورونا، واختلفت الأولويات، ورغم ذلك سنعود لتنفيذ برنامجنا المتعلق بالاستقلال الوطني والاستغناء عن البضائع التي لها بديل محلي".
وحول تجديد حالة الطوارئ لمواجهة فيروس كورونا، قال رئيس الوزراء إن تجديد حالة الطوارئ لا يعني العودة إلى مربع منع الحركة، لكنه يمنحنا القدرة والإمكانيات للتدخل في حال احتجنا لهذا الأمر، وجميع المؤشرات تقول إننا تمكنا من الحد من خطورة المرض، لكننا بحاجة إلى مزيد من الالتزام من المواطنين كي لا نعود للمربع الأول.
وفيما يتعلق بانعكاس الجائحة على أداء الاقتصاد الوطني، وتقرير البنك الدولي عن انكماش الاقتصاد بنسبة بين 7-11%، قال اشتية إن الحكومة تبنت مجموعة استراتيجيات للتعامل مع الفيروس، وجاء ذلك على حساب جميع النشاطات الاقتصادية ما عدا 35 ألف منشأة اقتصادية بقيت تعمل، وهي الأفران والصيدليات والسوبر ماركت، ثم انتقلنا من منع الحركة إلى التوازن التدريجي ثم إلى الانفتاح، مع السير على قاعدة "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، وشكّلنا 3 لجان للعمل في مكافحة الفيروس، الأولى متعلقة بالارتدادات السيكولوجية والاجتماعية، واللجنة الثانية متعلقة بالارتدادات الأمنية، واللجنة الثالثة متعلقة بالارتدادات الاقتصادية.
وفيما يتعلق بالارتدادات الاقتصادية، أوضح رئيس الوزراء: "تمت معالجة الموضوع بشقين، الأول هو الإغاثة، والثاني هو الإنعاش. وفي الشق الإغاثي عملنا على توفير راتب كامل لجميع موظفي السلطة الوطنية، وقدمنا مساعدات اغاثية لـ125 ألف عائلة، ثم مساعدات لـ40 ألف عامل تعطل عن العمل، و30 ألف أسرة، وهم الفقراء الجدد بسبب فيروس كورونا".
وبين أن "تقديرات البنوك والجهاز المركزي للإحصاء والخبراء هي أن الخسائر الفلسطينية نتيجة جائحة كورونا من 7-11% من حجم اقتصادنا الذي يقدّر بـ15 مليار دولار سنويا، وهو اقتصاد صغير نسبيا، لذلك قدرتنا على التعافي تكون أسرع".
واستدرك اشتية أنه "رغم الأزمة السياسية المتعلقة بالضم وإعادة تغيير المشهد السياسي الفلسطيني، إلا أننا قادرون على أن نتعافى مع نهاية العام أو في أسوأ الأحوال العام المقبل".