جنين- معا- نظمت جمعية الإغاثة الزراعية ووزارة الإعلام طاولة حوار مستديرة، في مركز الطفل الثقافي، ناقشت الترّويج للمُنّتَج الوطني والدروس التنموية لـجائحة "كورونا"، في إطار سلسلة الندوات المتخصصة ضمن برنامج (استدامة، وعدالة، وتكافؤ، واستهلاك محلي، واستهلاك فلسطيني).
ودعا المشاركون إلى دعم المزارعين ومنتجاتهم، واتخاذ تدابير لحماية إغراق الأسواق من سلع الاحتلال، ورفع جودة المنتج الوطني، وإلزام النقابات لأعضائها بالامتناع عن التعامل مع السلع والأدوية الإسرائيلية، وتقديم تسهيلات لصغار المنتجين، ومراجعة المواصفات والمقاييس المفروضة على بعض الأصناف، مع ضمان جودة المنتجات. كما طالبوا بتكثيف حملات التوعية والتعريف بالمنتجات المحلية، والاستفادة من تجربة منتجات الألبان والعصائر في الأسواق المحلية، التي أثبتت جودتها في تحجيم منتجات الاحتلال.
وحث الحاضرون الذين مثلوا مؤسسات رسمية وأهلية وإعلامية وزراعية على استثمار العودة إلى الحدائق المنزلية واستصلاح الأراضي، التي ترافقت مع جائحة "كورونا" لتكون دائمة وليست موسمية.
وناقش الحوار أهمية الترويج للمنتج الوطني وسبل الوصول إلى إستراتيجية مقاطعة شاملة لمنتجات الاحتلال، وتعزيز ثقافة استهلاك السلع الوطنية. واستعرضوا الدروس التنموية التي رافقت جائحة "كورونا" كالعودة إلى الأرض، ومبادرات الحدائق المنزلية للمؤسسات العاملة في الزراعة ودعم الفلاحين. وحلّل اللقاء سبل استدامة الاقتصاد الزراعي المقاوم وتطويره ليكون مدخلاً للاستغناء الكامل عن سلع الاحتلال.
أرقام وفجوات
وقدّم مدير مكتب وزارة الإعلام في جنين، عبد الباسط خلف، الذي أدار الندوة، أرقامًا بينت أن حجم مبيعات بطيخ الاحتلال عام 2014 في السوق الفلسطيني بلغ 150 مليون شيقل. فيما أشارت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء ن قيمة وارداتنا من الاحتلال خلال النصف الأول من 2013 بلغت 1,561 مليار دولار، أي أكثر من ثلثي مجمل الواردات التي بلغت قيمتها 2,254 مليار دولار. وأوضحت وزارة الاقتصاد إنّ قيمة صادرات المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى السوق الإسرائيلي بلغت في 2018، نحو 88 مليون دولار، أي 68% من الصادرات الزراعية للعالم، والبالغة 130 مليون دولار، بينما بلغت الواردات نحو 3,6 مليار دولار، فيما لم تتجاوز كافة الصادرات لذات الاتجاه 967 مليون دولار.
وأشار إلى أنّ المنتجات الزراعية التي تُصدّر إلى "إسرائيل" تتراوح بين 280 - 300 طن يوميًا، منها خضروات بما يعادل 55 مليون دولار، أمّا الفواكه والخضار الإسرائيلية التي تصل أسواقنا فقد وصلت 300 مليون دولار عام 2018.
وقال خلف إنه في بداية 2014، قرر لاتحاد الأوروبي فرض مقاطعة تجارية وعلمية وأكاديمية واستثمارية ضد المستوطنات، لحكم المحكمة الدولية في لاهاي عام 2004 بأنها غير شرعية وتخرق البند 49 من ميثاق جنيف. فيما يتوقع أن سيكلف الأثر التراكمي بين 2014 و2024، في سيناريو المقاومة السلمية عبر المقاطعة، نحو 80 مليار دولار للاقتصاد الإسرائيلي، منها 44 مليار دولار تسببت في خسارتها حركة المقاطعة.
وأوضح أهمية الإعلام التنموي في إثراء ومناقشة القضايا الحياتية، وخاصة عقب جائحة "كورونا"، التي تعصف بكل القطاعات.
خيارات اقتصادية
وتحدث منسق الإغاثة الزراعية محمد جرادات عن مساعي الاحتلال المتواصلة منذ النكسة في ربط عجلة الاقتصاد الفلسطيني به، وخلق اقتصاد تابع له.
وبيّن أننا نستورد سنويًا من الاحتلال سلعًا بـ 4 مليار تجعلنا ثاني أكبر سوق له، بعد الولايات المتحدة. فيما عشنا أزمات متكررة أثبت هشاشة اقتصادنا، وبرهنت أن الارتفاع على طلب السلع الوطنية غالبًا ما يرتبط بالتطورات الميدانية، وسرعان ما يتراجع.
وأوضح أن أزمة البطيخ الراهنة في الأغوار الشمالية، تثبت الحاجة الماسة لحماية المنتج الوطني، ووقف إدخال بضائع الاحتلال، وإسناد المنتجين المحليين وخاصة المزارعين.
واستعرض جرادات خطة قدمتها "الإغاثة الزراعية" للمساهمة في ترويج المنتج الوطني، عبر تسليط الضوء على جودته، والتشبيك مع كافة جهات الاختصاص للترويج له عبر وسائل الإعلام، والتحالف مع النقابات والجمعيات والمؤسسات التعليمية ونشطاء المقاطعة، ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وقال إن اقتصادنا أمام خيارين إما بتعميق تبعيته بالإسرائيلي أو مقاطعته؛ لأن التحرر الاقتصادي مقدمة للتحرر السياسي.
أرض وعودة
وأوضح مدير الدائرة الفنية في وزارة الزراعة، مصطفى حمارشة، أن العودة إلى الأرض وزراعة الحدائق المنزلية على نطاق واسع كانت هبة مؤقتة عقب جائحة "كورونا"، لكنها لم تتحول إلى حالة.
وفسّر رئيس قسم التسويف في الوزارة، جهاد ربايعة أسباب منافسة الخضراوات والفواكه الإسرائيل للوطنية، فمعظم أصنافهم مبكرة الإنتاج، ولديهم خيارات في الزراعة بمناطق النقب وطبريا والأغوار ذات المناخات المتباينة. وقال إن البطيخ اليوم ممنوع اليوم من أسواقنا، لكنه يدخل جراء التهريب.
فيما ذكر مسؤول حماية المستهلك في "الاقتصاد الوطني"، عامر أبو فرحة أن الوزارة لديها خطط وبرامج لحماية المنتج الوطني والترويج له وتعزيزه، من خلال اعتباره صاحب الأفضلية الأولى في كل العطاءات والمشروعات.
وأشار إلى أن المنتج المحلي يشهد الآن منافسة، لكنه يمتلك فرصة لأن يكون البديل، خاصة أنه جرى تعديل قوانين مكافحة بضائع المستوطنات لتكون أعلى.
وأوضح أبو فرحة أن المجالس المتخصصة كالزيتون والخضراوات تساهم في تنظيم الأسعار، ولا تسمح بتذبذبها كما حصل مع البيض، الذي تذبذبت أسعارها كثيرًا.
أولويات وإجراءات
وذكرت رئيسة جمعية كنعانيات للتنمية والدراسات، غادة شديد، أن الأولوية اليوم إحداث تغيير ثقافي في توجهات المستهلكين، والتأثير عليهم لتنبي المنتج الوطني ومقاطعة الإسرائيلي.
ووصف الصحافي عاطف أبو الرب أزمة المنتج الوطني بـ "القديمة الجديدة"، في وقت نشهد جشع بعض المنتجين، وغياب التسهيلات، ووضع تعقيدات وإجراءات أمامهم، ما يتطلب إجراء عملية للاستغناء عن منتجات الاحتلال، والتخفيف من المواصفات المطلوبة، ومراجعة السياسيات المالية، وتغيير سلوكنا وعاداتنا الشرائية لصالح دعم سلعنا الوطنية.
ونقل أزمة مزارعي البطيخ في الأغوار مع إغراق الأسواق المحلية بالبطيخ الإسرائيلي بداية محصولهم، ما سبب خسائر فادحة، ويهدد بتركهم للأرض ومنحها للمستوطنين حال خسر المزارع، وعجز عن تسويق منتجاته.
وأوضح رئيس جمعية حماية المستهلك، د. محمد أبو شربة الأدوار والحملات التي تنفذها الجمعية للتعريف بالمنتج الوطني وحمايته، والرقابة على الأسواق، وتوضيح أهمية المنتج لـ 25 مدرسة خلال 2019.
وقالت ممثلة هيئة العمل التعاوني شروق أبو بكر إن دعم المنتج الوطني يستوجب مضاعفة جهود التوعية والإقناع بضرورة المقاطعة الفردية، وليس انتظار قرارات.
وعددّ المزارع معروف ربايعة التغيرات التي عصفت بالزراعة، وأبرزها اختفاء البذور البلدية لصالح المهجنة، في وقت يترك الفلاح وحيدًا في مواجهة الاحتلال والاستيطان، ولا يجري تقديم مساعدات طارئة لهذا القطاع الذي يواجه الكثير من الأزمات.