غزة- معا- نظمت مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية لقاء حواريا بعنوان "ماذا يحدث في أمريكا: ملاحظات من الميدان"، عبر برنامج الزومZoom""، استضافت فيه الحقوقية الأمريكية باولا رودريك الناشطة في مجموعة "سود من أجل فلسطين -Black4Palestine"، والباحث جهاد أبو سليم للحديث عن مظاهرات السود في أمريكا، بمشاركة نخبة من المثقفين والباحثين، وذلك ضمن جهود "بال ثينك" في نشر المعرفة وآخر التطورات الجارية في المنطقة والعالم.
وافتتح اللقاء مدير مؤسسة "بال ثينك" أ. عمر شعبان بالترحيب بالمشاركين، وقال: " إن بال ثينك مؤسسة فلسطينية مستقلة تعمل من فلسطين، وتعقد لقاءات دورية مع شركاء وخبراء من أنحاء العالم. و ذلك ضمن جهود "بال ثينك" المستمرة منذ عام 2007 لنشر المعرفة بين أطياف المجتمع الفلسطيني حول ما يجري في العالم.
واستهلت الناشطة باولا رودريك – عضوة ائتلاف شيكاغو لمناهضة العنصرية والقمع السياسي - حديثها بشكر "بال ثينك" لاستضافتها وقالت: "إن حركةBlack Lives Matterليس لديها قائد واحد، فجميعهم قادة. وأضافت: "إن جريمة قتل جورج فلويد تخبرنا ما يعانيه السود من الاضطهاد والعنصرية لسنوات طويلة في الولايات المتحدة.
واستطردت قائلة: "هناك نزعة للاعتقاد بأن عمليات القتل ضد السود جديدة كونها صادمة لأنها وثقت وحظيت بتغطية إعلامية واسعة في أمريكا والعالم، وفي الحقيقة فإن عملية قتل الأمريكيين السود بدأت منذ القدم، ففي عام 1951 اتجه أفريقيون إلى الأمم المتحدة وقدموا شكوى لهم مفادها أن الولايات المتحدة ارتكبت إبادة بحقهم. ورفع السود عريضة توضح أن العنصرية ليست جديدة بل قديمة على الرغم من الإلغاء الرسمي للعبودية، فمن وجهة نظر السود في أمريكا فإن نظام الشرطة هو تجلٍ حقيقي للعنصرية".
وتابعت: "في هذه الظروف الصعبة، من المهم معرفة أن ثورة السود في أمريكا هي أكثر من نضال لحقوقهم، لأنها تجبر أمريكا على مواجهة كل خطاياها كالعنصرية والفقر وغيرها، كما تفضح ثورة السود العنصرية المتجذرة ببنية المجتمع الأمريكي، وهذا يتطلب هيكلة راديكالية للمجتمع وهذا هو الوقت الحقيقي لها. في عام 2014، وبعد عقود طويلة من نداء مارتن لوثر لتجاوز العنصرية والاضطهاد ضد السود، قام شبان سود امريكيون برفع عريضة جديدة للأمم المتحدة يكررون فيها نفس الشعارات القديمة، ويؤكدون استمرار عنف الشرطة تجاههم، وهذا يؤثر سلبا على حياتهم بشكل كبير في الولايات المتحدة".
وأضافت: "في عام 2012، قُتل طفل أمريكي أسود على يد أمريكي أبيض، وتمت تبرئة القاتل رغم أن كل الأدلة التي تثبت أنه مدان وأنها جريمة قتل عمد. وحينهاـ تواصل ثلاثة نشطاء من الأمريكيين السود مع بعضهم، وغرد أحدهم على تويتر أن حياة السود مهمة (Black Lives Matter)، وترسخت لدى النشطاء السود القناعة بأن القضايا العرقية مرتبطة بشكل قوي بنظام الشرطة الذي يلعب دورا كبيرا في إفقار المهمشين. وكان هذا حدث مهم في تأسيس الحركة الحالية. وردت الحكومة بمهاجمة النشطاء، وارتكبوا ممارسات عنيفة ومشينة بحقهم. ومن نتائج هذه الأفعال، توثيق صلة النشطاء الأمريكيين السود مع الناشطين الفلسطينيين وزيارة بعضهم لفلسطين، للاستفادة منهم في نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي".
وأضافت: "وصلت الأحداث إلى ذروتها عام 2014، حين ظهر هاشتاق آخر، بعنوان قل أسماءهم (Say Their Names) إشارة إلى السود الذين قتلوا في أمريكا في تلك السنة، وقامت وقتها مظاهرات عنيفة وقوية وملفتة للنظر. وكان عاما صعبا على السود هناك. في عام 2016، تعدت الشرطة على مكان مقدس للسكان الأصليين، فقام السكان الأصليون بانتفاضة في أمريكا. وأيضا خلال جائحة كورونا في أمريكا، قُتل سود أمريكيون في أمريكا على يد أمريكيين بيض هناك، وكان المارة يصورن عملية القتل، إلى أن وقعت جريمة قتل جورج فلويد".
وتابعت: "أنا متفائلة بحذر بخصوص الاحتجاجات الحالية لأننا لم نشهد أعداد في الشوارع بهذا الحجم، ولعدم وجود مساواة اقتصادية بين الفقراء والأغنياء، وبسبب العنصرية العرقية في المجتمع الأمريكي، وهذه العوامل ممكن أن تكون عقبات في طريق السود لاستمرار الاحتجاجات".
من جهته، استعرض الناشط جهاد أبو سليم الجهات الداعمة لإسرائيل في الولايات المتحدة، منهم: اللوبيات الرسمية وغير الرسمية، والمجتمع اليهودي واقتصاديو الصناعات العسكرية والأمنية، والمؤسسات التقليدية للحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري، والمسيحيين الإنجيليين، وكثير من صناّع السينما والأفلام، وشخصيات مؤثرة، وسياسيون منتخبون، ومراكز أبحاث، والمؤسسة الأمنية والاستخبارية الأمريكية.
كما بيّن الانقسامات السياسية والأيدلوجية في المجتمع الأمريكي، وتحدث عن تأثيرها على علاقة الولايات المتحدة في فلسطين.
وعرض د. جهاد أبو سليم بعض التغييرات الحاصلة في أمريكا وأثر ذلك على القضية الفلسطينية، ومن أبرزها: وجود وعي متزايد في المجتمع الأمريكي بما يحدث في فلسطين بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود انقسامات عابرة للأجيال في المجتمع اليهودي الأمريكي، وتأثير التغيرات الأخيرة الحاصلة داخل الحزب الديمقراطي مثل: حملة ساندرز، وصعود رشيدة طليب وإلهان عمر، والنمو المستمر لحركة التضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني، ووصول مؤيدي حقوق الشعب الفلسطيني إلى مراكز صنع القرار، ودعم شخصيات ثقافية وفنية لحقوق الشعب الفلسطيني علانية ودون خوف من التبعات التقليدية، بالإضافة إلى دعم أهم مثقفي أمريكا السود للقضية الفلسطينية.
واختتم حديثه ببعض الملاحظات، أهمها: أن إدراج القضية الفلسطينية ضمن الحراك التقدمي في الولايات المتحدة ليست مهمة سهلة، وهناك معيقات بنيوية ومؤسساتية كبيرة أمام تحقيق مطالب المجموعات المهمشة في المجتمع الأمريكي مثل السود، والمهاجرين من أمريكا اللاتينية، والأقليات العرقية والاجتماعية. ونفس المعيقات تواجه الفلسطينيين ومؤيديهم في المجتمع الأمريكي بالإضافة للقمع السياسي والقانوني. وأن نجاح الحراك التقدمي في أمريكا سيكون له انعكاسات إيجابية داخل وخارج الولايات المتحدة بما في ذلك فلسطينياً. وأن على الفلسطينيين مواجهة العنصرية ضد السود بكافة تجلياتها الثقافية واللغوية والطبقية خصوصاً الجاليات في الولايات المتحدة، وأن السود في أمريكا هم حلفاؤنا الطبيعيين، وبناء علاقات متينة معهم يتطلب الكثير من العمل خارج واشنطن. وأخيراً، إن حراك السود سيجعل أمريكا أكثر ديمقراطية ويفتح للفلسطينيين باباً للنضال من أجل حقوقهم.