السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما لا نحب أن نسمع!

نشر بتاريخ: 15/07/2020 ( آخر تحديث: 15/07/2020 الساعة: 16:42 )
ما لا نحب أن نسمع!


بقلم: د. صبري صيدم

أعتذر سلفاً لتشاؤمي، لكن وباء كورونا اللعين سيصل إلى صدورنا لا محالة، لا لأننا نريده، بل لأن غيرنا أراد. فبسبق الإصرار والترصد، وبكامل قواهم العقلية قادنا البعض الكثير، إلى الهاوية ممن اعتقدوا أن كورونا مؤامرة ومسرحية وتمثيلية وفيلماً سينمائياً، وأن هدفها ترتيب الأوراق بعد خلطها، وإعادة رسم خريطة القوى العالمية، بعد أن تم تصنيع الفيروس في مختبر ما لتنفيذ فصول المسرحية.

كورونا آتية ليس لإثارة مناعة القطيع، وإنما لتصيب القطيع ذاته، بعد أن طبق الناكرون لوجودها حكم الإعدام على البشرية، فدبّ فيهم الجهل، فألقوا بالفيروس بيننا، ونقلوه إلينا، رافضين تصديق الخبر، أو التعامل معه، إلا عندما يأتيهم الموت في بروجهم المشيدة، عندها سيغلقون مصالحهم طواعية، أو يقفلون مؤسساتهم ويتوجهون إلى بيوتهم ليس بفعل قرار سلطان أو مسؤول، بل بفعل الموت المحدق والتفشي المتسارع وفقدان الناس لحياتها.

عندها لن ينفع الندم خاصة عند تلك النقطة، ولن يعترف أحد بأنه أخطأ، بل سينطلق الناس بين متلاوم وناكر لكيل التهم في ما بينهم.

فالمتسبب في نقل الفيروسات سيلوم الحكومات كونها لم تنشر الوعي بعيار ثقيل، وإنما بعيار خجول، بينما ستقول الحكومات إنها أبلغت وحذرت ومنعت وصفعت ورفعت وخفضت وهاجت وماجت وراحت وجاءت لحماية الناس، لكن الكثيرين لم يلتزموا، أو يقتنعوا فباتت كورونا ضيفاً ثقيلاً على مجتمعاتهم .

وعندها سيأتي من يلوم الناس على حاجتها لاستئناف حياتها الاقتصادية، في ظل غياب الدعم وقدرات الدول على ضمان لقمة العيش لها، وهو ما اضطر الناس لفتح مصالحهم وإدارة عجلة الاقتصاد، بحثاً عن الحياة والخبز والملح والكرامة.

معركة صعبة في التبرير والتكفير واللوم والتكسير، خاصة لأننا ما اعتدنا عربياً أن نعترف بالذنب، بل نسارع للاعتراف على غيرنا بالذنب.

وما بين القاتل والمقتول والمتسبب والمخبول، وما بينهما من قائد ومسؤول، سيجد الجميع ذاته في دائرة الموت، فمن ركب مركب الإنكار، وحرّض وساند الساعين للفوز بكأس العالم لكورونا، ومن ركب مركب الواضح الناصح، سيجدون أنفسهم جميعا، رغم تناقضاتهم، في مركب الموت والغرق، عندما لا ينفع الكلام ولا الخصام. وفي المركب ذاته سنجد شيوخ الدجل والكذب والجهل، ممن حرّضوا ضد حكوماتهم، واقنعوا الفقراء والغلابى بأن كورونا مؤامرة، واشبعوهم كثيراً من الأبيات والحجج، فألقوا عن دراية ومعرفة أو نكاية وتهلكة، بالناس إلى الموت، مع سبق الإنكار والترصد. هؤلاء هم من يجب أن يحاكموا أيضاً بتهم القتل العمد، وبالصخب نفسه الذي صاحب جولاتهم الوعظية التدجيلية.

مناعة القطيع من عدمها، إلا أن الوقت أصبح وبكل أسف، متأخرا جداً على الشكوى والنحيب، لأن الضرر قد حصل واستشرى، بل إنه سيستشري أكثر فأكثر مع استمرار إنكار البعض لوجود الوباء، في مشهد سيريالي مؤسف. مشهد يزرع الحزن والأسى في صدور الجميع، لكونه يقود إلى ما لا نحب أن نسمعه، لكننا يجب أن نسمعه، شئنا أم أبينا، لذلك إليكم ما لم نكن نحب أن نسمع، وهو حصيلة الأفكار التي تكونت بفعل نشرة يومية أتشرف وطاقم طبي متخصص بإصدارها يومياً وتحمل اسم «يوميات فيروس»:

ـ لقد أصبح التعايش مع المرض ثقافة تتسع يوماً بعد يوم، وفي كل العالم، وبصورة لن تستطيع حكومات الأرض، ومهما امتلكت من جبروت وقفها، خاصة أمام انهيار اقتصادات مختلفة، وتراجع حاد في الأداء المالي للدول، وحاجة الناس لتأمين رزقها.

ـ غياب الوقاية والتباعد، وسواد الإهمال والإنكار سيقودان إلى إصابة 60- 80% من سكان العالم بكورونا، لذلك فإن إصابة الأهل والأصحاب لكل منّا باتت مسألة وقت ليس إلا.

ـ مناعة القطيع لم تعد خياراً، بل أصبحت حقيقة مقبلة لا محالة، جراء اتساع دائرة التفشي والوصول إلى النسب المذكورة سابقاً.

ـ لا توجد مراحل احتضان ستكسر كما يقول بعض الساسة وناطقيهم، لاسيما في زمن استمرار التخالط البشري، ورفض الكثير من الناس الاقتناع بالكف عن المشاركة في تجمعات ونشاطات واحتفالات، يشارك فيها المئات والآلاف من البشر.

ـ ستغلق المصانع والمحال والمصالح التجارية أبوابها طواعية غير مكرهة، ليس برغبة الاستراحة، وإنما بفعل تفشي الوباء وازدياد حجم الموتى حول العالم.

ـ سيفقد العديد من دول العالم سيطرتها الصحية، وربما الأمنية، جراء غرقها في بحر كورونا ومستلزماتها، وتصاعد الحالات المصابة بصورة لا تمكن الأنظمة الصحية من مواكبتها.

– سيأتي العالم إلى مرحلة شاهدناها في إيطاليا من قبل ألا وهي المفاضلة بين الناس من حيث من يحق له أن يستخدام أجهزة التنفس الاصطناعية، ومن لا، وفق معايير مؤلمة ومرعبة.

ـ سيختفي عدد لا بأس به من الشركات العالمية جراء انكسارها مالياً.

سأكتفي بهذا القدر في هذا المقال من باب الأمل، في أن تحدث معجزة طبية تكسر كورونا وتحولاتها، أو أن يقتنع الناس بأن الوقاية خير من الموت، مع أنني ورغم تفاؤلي الدائم، لست مقتنعاً بأننا سنكسر مجتمعياً حلقة الإنكار ونركض لنتسلح بالكمامة والقفازات، إذ أن القطار ربما قد فاتنا.

لقد نهتنا الأديان عن الإلقاء بأنفسنا إلى التهلكة لكن البعض منا قد استحكم في صدره اليأس أو الجهل فأصر على الموت حتى لو قتل الناس جميعاً!

[email protected]