الكاتب: السفير منجد صالح
انحنت نحوي دلالا،
وهمست بصوت كروان:
من فضلك إربط حزام الأمان،
فنحن على وشك الطيران،
انسدل شعرها على كتفي،
عطرها "هاجم" أرنبة انفي،
وهبّت عليّ نسائم الحنان،
سمعتها، لم أسمعها، لا أدري،
فأنا لا أتقن تفسير صوت البلابل،
تركتُ الحزام على غاربه،
تركتُه هكذا، دون ربط، بلا جدايل،
*****
عادت في اللفّة التالية، وقفت جنبي، تُظلّلني،
حدّقت بي، بعينين خضراوين سوابل،
ابتسمت وغرّدت:
ألم أقل لك لُطفا أن تربط حزام الأمان؟
فالطائرة ستُقلع حالا،
ستمخُرُ توّا عباب السُحب الأوائل،
أجبتها سامحيني، فأنا لا أتقنُ فنّ ربط الحزام،
رُبما تساعديني؟
أكون لك شاكرا على طول الزمان،
ابتسمت بخفر و"خُبث" وقالت:
حسنا، سأحضر لك زميلا "خبيرا"،
زميلي "عريق" في لعبة الأيام،
وفي دُنيا "صيد الأيايل"،
إصطادتني هي حتى قبل أن أبدأ في رسم البدائل.
*****
أصبحنا فوق السحاب، نُجدّف في بحر الغيوم،
نخترق تلال القطن، جبال الثلوج،
كأننا جُند نرابط ع التخوم،
لمحتها رأيتها تأتي تقفز طربا
كمُهرة إنفلتت من بين النُجوم،
عطرها الفوّاح يسبقها، يتبعها
ترُشّه عبقا على الجانبين،
تُدغدغ أنوفا، تُشنّف آذانا
تأسر لُبّ عقل الراكبين،
*****
عطرها يفتح شهية شهوة الرجولة،
التطام أمواج البحر فوق الصخور،
نهر يسيل ماء عذبا بين ضفّتين،
*****
احترس يا هذا لا تحلم، نم قرير العيون،
فالرحلة طويلة لا تسمح بمثل هذا الجنون،
إنسى المهرة، إنسى النجمة، إنسى كحيلة الجفون،
فأنت لم تعهد حياة السهر والسُهد والعشق والمُجون،
صوت البلابل يُغري مثل صوت الحسّون،
حصانك جامح، لكن إهدأ قليلا، فسرّك بمليون.
*****
يأتي صوت عبر الأثير ويصدح:
سيداتي سادتي رجاء إعدلوا ظهر المقاعد
إقفلوا الطاولات أمامكم التزموا المطرح،
ستحطّ بنا الطائرة حالا في مطار العاصمة،
نشكركم على اختياركم لأجنحتنا الباسمة،
نلقاكم على خير في المرّة القادمة،
*****
وتشرع بلفّتها الأخيرة:
بثوبها الشعبي المُطرّز بخيط إبرة ونقشة الديرة،
تغمر الركّاب عطرا ووردا وودّا وسكينة،
تقف بجانبي، قصدا، تبتسم "بخبث"، نواجذ حبّتي الفراولة،
وتنحني نحوي وتهمس:
من فضلك إربط حزام الأمان.
______________________________
* كاتب ودبلوماسي فلسطيني