بقلم: د. صبري صيدم
يحتدم نقاش مهم منذ أيام حول تسمية شارع في حيفا باسم كوكب الشرق أم كلثوم، إلى حد التفكير الجدي بإقامة نصب تذكاري يحمل اسمها، وسط قناعة يحاول البعض ترسيخها بأن المدينة الساحلية إنما تشكل، حسب زعم البعض أيقونة من أيقونات التعايش العربي الإسرائيلي.
وبين مؤيد ومعارض يعود اسم أم كلثوم للبروز في عالم المقارعات السياسية، بين سكان حيفا الفلسطينيين الأصليين، وسكانها من اليهود المتزمتين، الذين يعتبرون أم كلثوم أحد أهم اعداء الصهيونية، إلى حد إصدار إحدى صحف التشدد الصهيوني لعدد يحمل قبل أيام صورة كبيرة لكوكب الشرق وقد حملت عنواناً عريضاً: أصبح عندي الآن بندقية؟ وليقول السطر الأول للمقال: نعم هذه هي أم كلثوم عدوة إسرائيل التي يريد البعض منا تخليد اسمها!
ويقود النقاش المؤازر للفكرة عضو مجلس بلدية حيفا رجا زعاترة، حيث تقول وسائل الإعلام بأن رئيسة بلدية حيفا تقف إلى جانب الفكرة، بينما تقود مجموعات إسرائيلية مختلفة، حملة مضادة ضد الفكرة التي أقرتها بالمناسبة لجنة المسميات التابعة للبلدية. ويقول الزعاترة معلقاً على الخطوة: «إنجاز نوعي مهم للعرب في حيفا، على مستوى تأكيد الوجود والبقاء والتجذّر، ماضيا وحاضرا ومستقبلا».
وتابع «نريد أن نؤكد أنّ حيفا لطالما كانت قبلة ثقافية تعجّ بالمسرح والسينما، والصحف ودور النشر، والفعاليات الوطنية والنقابية والثقافية.
وقد غنّت أم كلثوم في حفلات عدّة في حيفا ويافا والقدس في ثلاثينيات القرن الماضي». وأكد على أن «هذا حق شرعي لنا وسنواصل العمل على تحصيله، مهما علا صراخ قطعان اليمين والفاشية».
ومع ارتفاع درجة حرارة النقاش فإن بعض الصحف الغربية، أولت الأمر اهتماماً ملحوظاً، إذ قامت صحيفة «التايمز» البريطانية بتغطية الموضوع في عددها الصادر الخميس الماضي الموافق 30 تموز/يوليو المنصرم.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تثير فيها أم كلثوم زوبعة إعلامية وسياسية، فقبل أعوام بسيطة اضطر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي درعي، للتدخل للتعليق على قيام أحد أصحاب المطاعم الفلسطينيين في حيفا بوضع صورة كبيرة لأم كلثوم على واجهة مطعمه، حيث حاول درعي توظيف الأمر للحديث عن التعايش والتآلف بين السكان العرب واليهود، على حد زعمه.
أم كلثوم أشعلت النقاش أيضاً قبل أعوام عندما أقدم الرئيس المزعوم لبلدية القدس الصهيوني نير بركات عام 2012 على إطلاق اسم كوكب الشرق على أحد شوارع القدس، لتتبعه بلدية الرملة، ما أثار أيضاً موجة كبيرة من الجدل.
أم كلثوم التي سميت بكوكب الشرق في حيفا إثر غنائها هناك عام 1931، تعيد للذهن النقاش الملتهب الآخر، الذي ولد قبل سنوات مع قرار وزير الثقافة الإسرائيلي والمحسوب على اليسار التقدمي يوسي سريد، إدخال قصائد محمود درويش إلى المنهاج المدرسي الإسرائيلي، حيث اعتبر الصهاينة الخطوة آنذاك بمثابة التغني بأعداء دولة الاحتلال، حسب زعمهم وهو ما تسبب آنذاك بجدل واسع في دولة الاحتلال وصولاً إلى التخلي عن الخطوة تدريجياً.
أياً كانت الأسباب والدوافع والسجالات التي تحيط بالأمر، فإن هذه الخطوة، على ما تحمله من صدقٍ في نوايا البعض من الأهل في الداخل، فإن البعض الإسرائيلي يرى فيها فرصة ذهبية لخدمة نهج التطبيع والتجميل لدولة الاحتلال، تحت عناوين الديمقراطية وحماية حقوق «العرب» والتعايش والتآلف والحضارية، وغيرها من الادعاءات الزائفة حول حقيقة الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدر العالم، بخلاف قرارات الشرعية الدولية ورؤى العالم الحر. فإسرائيل التي ضمت القدس والجولان، وصادرت الأرض والماء والهواء، وهجّرت الشعب الفلسطيني، وبنت المستوطنات، وسعت إلى شطب الهوية الفلسطينية، والساعية لضم المزيد من الأرض العربية وفق رؤية ترامب، لا يمكن أن يجملها ويجمّل احتلالها أي من خطوات التجميل المزعومة.
أم كلثوم وإن قررت العودة اليوم باسمها، أو صورتها تحت حراب الاحتلال إلى أي بقعة من فلسطين، لن تكون مرتاحة إلاّ وهي تعود إلى فلسطين حرة أبية وعاصمتها القدس، لتستقبلها جموع اللاجئين العائدين إلى وطنهم الحر. تحية لكوكب الشرق وهي التي تصنع الجدل تماماً كما صنعت الفرح والطرب ذات يوم!