رام الله –معا- عقدت المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" اليوم الثلاثاء الموافق 11/8/2020، جلسة خاصة عبر تطبيق الزووم، تم خلالها استعراض نتائج التقرير الذي أعدته "مفتاح" حول:" واقع المشاركة السياسية والتبعات الاقتصادية بالنسبة للنساء الفلسطينيات في ظل حالة الطوارئ".
يأتي هذا التقرير، ضمن برنامج "حوار السياسات والحكم الرشيد"، والذي تعمل من خلاله "مفتاح" على تعزيز مشاركة النساء والشباب في رسم السياسات ودعم تمثيلهم في مستويات صنع القرار، حيث شمل التقرير محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، بهدف إبراز الفجوات في الخطاب الرسمي والإجراءات التي كان معمولاً بها، واستعراض طبيعة التحديات وسياسات الإقصاء التي مورست على مشاركة النساء خلال تلك الفترة، وتبيان طبيعة البرامج التي وجهت لدعم النساء خلال فترة الطوارئ والحجر المنزلي.
استعراض التقرير ونتائجه
واستهلّت الجلسة بكلمة د. تحرير الأعرج، نائبة المدير التنفيذي لمؤسسة "مفتاح"، أكدت فيها على أهمية الرؤية النسوية أو الرؤية المبنية على النوع الاجتماعي كعدسة تكشف أولويات وانحيازيات السياسات العامة وكأداة لتقييم قدرتها – أو عدم قدرتها على تلبية احتياجات النساء والفئات الأكثر تهميشا ككل. لذلك من الأهمية بمكان البدء في عمل رصد دوري لعواقب جائحة كورونا على النساء، وذلك لإعطاء قراءة مستمرة لتأثير التدخلات على النساء ومدى مراعاتها للنوع الاجتماعي. فمن الممكن أن يساهم هذا التقرير في تسليط الضوء على هذه التدخلات والسياسات العامة الغير مراعية للنوع الاجتماعي، بهدف تقويمها أو تجنبها من خلال التوصيات التي قد تقلل من الآثار السلبية لهذه السياسات والتدخلات على النساء. كما أكدت على أهمية ما تضمنه التقرير من تحليل وضعية النساء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والآثار التي ترتبت على النساء بعد جائحة كورونا، في ظل غياب قراءة تحليلية للواقع الجديد الذي فرضته جائحة كورونا على النساء سياسياً واقتصادياً. وجاءت "مفتاح" بأولى المبادرات من خلال اعداد هذا التقرير لتركز، وبنحو كبير على استعراض للبيانات المتوفرة والمعلومات المتعلقة بالمشاركة السياسية للمرأة وما عكسته هذه الجائحة من واقع اقتصادي على النساء الفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيرة إلى أن التقرير يتناول واقع المشاركة السياسية بين الخطاب والإجراءات المعمول بها أثناء فترة الطوارئ، وأشكال التبعات الاقتصادية المترتبة على النساء خلال الفترة ذاتها، وأشكال البرامج التي استهدفت النساء خلال فترة الطوارئ؛ سواء من الجهات الرسمية أو غير الرسمية.
بعد ذلك، تم استعراض لنتائج التقرير من خلال الباحثة لبنى الأشقر رئيس فريق البحث، حيث تناول الاستعراض التدابير والإجراءات الوقائية التي اتّخذتها الحكومة الفلسطينية بهدف محاصرة انتشار جائحة فايروس كورونا المستجد (COVID-19)، بعد إعلان الرئيس محمود عباس حالة الطوارئ في الخامس من آذار 2020 بموجب مرسوم رئاسي.
ولفت التقرير إلى أن إجراءات الإغلاق أسهمت في تردي الأحوال الاقتصادية، حيث طالت أحوال النساء اللواتي يعملن في ظروف غير آمنة اقتصادياً، إلى جانب الأسر التي فقدت مصدر رزقها بفعل الجائحة ,وتم إدراجها ضمن قائمة "الفقراء الجدد">
و,تشكل النساء العاملات في القطاع الخاص 68% (108,900 امرأة عاملة)، فيما يشكلن في القطاع الحكومي 31% (50,400 امرأة)، ونحو 1,000 امرأة عاملة في إسرائيل والمستعمرات؛ أي ما نسبته حوالي 0.6%.. وليس هذا فحسب، بل تبلغ نسبة العاملين في هذا القطاع غير المنظم نحو 31.7% من إجمالي العاملين في فلسطين، بينهم 32,200 أنثى، مقابل 288,400 ذكر. (ويشمل القطاع غير المنظم المستخدمين بأجر الذين لا يحصلون على أيٍّ من الحقوق في سوق العمل؛ سواء مكافأة نهاية الخدمة/تقاعد، أو إجازة سنوية مدفوعة الأجر، أو إجازة مرضية مدفوعة الأجر). الملفت أن هؤلاء النساء معرضات للفقر وللفقر المدقع، إذ تشير تقديرات وزارة التنمية الاجتماعية إلى أن ما لا يقل عن 53,000 أسرة في مختلف أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، قد وقعت في دائرة الفقر على مدى عدة أسابيع قليلة من بدء جائحة كورونا، بسبب فقدان مصادر دخلها نتيجة للإغلاق الشامل، علماً أن أكثر من عشر الأسر الفلسطينية (11%) تترأسها نساء، بواقع 12% في الضفة، و9% في قطاع غزة. وهذه المعايير لم تتم مراعاتها عند توزيع المساعدات على الأسر.
بينما تفاقمت الأحوال الاجتماعية المترتبة على تردي الوضع الاقتصادي، لاسيما في صفوف النساء. منذ بداية الجائحة لقيت سيدتان حتفهما بسبب العنف النفسي والجسدي، و21% من النساء حاولن الانتحار، إضافة إلى تعرض العشرات إلى عنف نفسي وجسدي. أما النساء اللواتي تم التعاطي مع قضاياهن، فغالبيتهن قد عانين أشكالاً متعددة من العنف في الوقت ذاته، إذ تعرضت 40% منهن للعنف النفسي، و31% منهن تعرضن للعنف الجسدي، في حين عانت أخريات أشكالاً أخرى من العنف (كحجز الحرية، والتحرش الجنسي، والعنف الاقتصادي، والاغتصاب، والخطورة العالية على الحياة، والعنف الإلكتروني، والإجبار على الزواج). وبحسب الوزير، وقد دفع ذلك النساء، بما نسبته 60% منهن إلى الهروب من المنزل، و21% منهن إلى محاولة الانتحار، إضافة إلى مجموعة من الآثار السلبية الأخرى كالأمراض الجسدية أو النفسية، والإصابة بالكسور والرضوض، والحمل خارج إطار الزواج.
فيما لوحظ ارتفاع معدلات التمييز والإقصاء والتهميش بحق النساء في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب تزايد نسب الفقر والبطالة، ما وضع النساء أمام تحديات اجتماعية واقتصادية تدلل على زيادة هشاشة وضعية النساء، وتفاقم حالة التمييز بين النساء والرجال، ما أسهم في إضعاف النساء، وتهميشهن وحجب مشاركتهن في عمل لجان الطوارئ، الأمر الذي عكس وضعية متردية لحالة النساء على مستوى المشاركة السياسية في مستويات عدة؛ بدءاً من محدودية مشاركة النساء في لجان الطوارئ والإسناد والتوجيه، وإقصاء مشاركة عضوات الهيئات المحلية في التصدي للجائحة، جنباً إلى جنب مع نظرائهن الرجال فلم تتعدى عدد النساء العضوات في اللجان المشكلة 120 امرأة من أصل 400 لجنة مشكّلة، مروراً بالمبادرات النسوية المحلية التي تعطلت أو تأجلت بفعل إجراءات الحجر، وانتهاءً بالدعم المقدم للنساء نقدياً أو عينياً في حالة الطوارئ، ما يدلل على عمق الفجوة بين الخطاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي الرسمي الداعي إلى المساواة والعدالة المجتمعية والسياسية والاقتصادية للنساء (بما في ذلك توقيع دولة فلسطين على اتفاقيات دولية تحض على نبذ التمييز القائم على النوع الاجتماعي، والالتزام بمعايير المساواة والعدالة الاجتماعية ومنها اتفاقية "سيداو") وبين التطبيق الفعلي على أرض الواقع.
وفيما يتعلق، بانعكاس الوضع الاقتصادي على الحالة الاجتماعية للنساء، لفت التقرير إلى أنه مع بقاء النساء والفتيات والرجال والفتية داخل المنازل، من المفترض ان تشكل ديناميكيات وظيفية جديدة تفرض واقع جديد يساهم في التغيير ومن تقاسم الأدوار داخل المنزل، متأثرة بخليط من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مقارنة مع قبل الإغلاق،
وتطرق التقرير إلى المبادرات النسوية والمؤسسات خلال فترة الطوارئ عبر تصميم مبادرات وبرامج توعوية وداعمة معنوياً ومادياً بأشكال وأنماط مختلفة؛ إما بجهود المؤسسات المجتمعية والمحلية في الضفة والقطاع، وإما بجهود فردية.
التوصيات
وشهدت الجلسة، العديد من المداخلات والتعليقات على ما تضمنه التقرير من معطيات واستنتاجات وتوصيات، من أبرزها المطالبة باعتماد أدوات وآليات عمل جديدة لتجنب الفجوات التي أشار إليها التقرير، ومطالبة الحركة النسائية بدور أكثر فعالية في مواجهة انعكاسات الأزمة على النساء في ظل حالة الطوارئ، وتبني خطاب نسوي جديد، وضرورة عمل دراسة معمّقة على حجم وتأثير النساء على مختلف المستويات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، والتركيز على القضايا المتعلقة بالمشاركة السياسية للنساء، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الممارسات الإيجابية الناتجة عن حالة الطوارئ، في إشارة إلى تخصيص المجتمع الدولي 50% من دعمه للنساء اللواتي يرأسن أسراً فقيرة، بالإضافة إلى القيام بدراسة استكشافية لرؤية نسوية يمكن البناء عليها مستقبلاً، ووقف انحيازات الحكومة الواضحة والصريحة بحق المرأة، وإجراء نقاشات حول التحديات التي تواجهها النساء، و وقيام تحالف مع الرجال التقدميين الداعمين للمرأة ومشاركتها في الحياة العامة، واستثمار المبادرات الإيجابية للرجال خلال الجائحة، وعدم إقصاء المجتمع المدني عن الإجراءات والقرارات التي تتخذها الحكومة.
وقد خلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات على ثلاثة من المستويات: الحكومي، والدولي، وعلى مؤسسات المجتمع المدني.
فعلى المستوى الحكومي: طالب التقرير المطالبة بإعادة الاعتبار لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، وتنفيذ كافة الإجراءات المتعلقة بالجائحة بما يتواءم مع النصوص القانونية. وإعادة النظر في الانقسام بين الضفة وغزة، وتنظيم انتخابات عامة بهدف إعادة تفعيل المجلس التشريعي والنظام السياسي بشكل عام. وتوجيه رسالة خطية لرئيس الوزراء من أجل إعادة النظر في الخطاب الحكومي من أجل المطابقة بين النظرية والتطبيق على أرض الواقع حول أهمية مراعاة المنظور الاجتماعي في الخطاب والقرارات التنفيذية للحكومة، بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة المجتمعية بين كلا الجنسين، وتبني خطاب ديمقراطي شامل يعزز من الحريات والحقوق ويضمن التعددية والمشاركة السياسية للنساء في التصدي للجائحة، ودعوة المواطنين في خطاباتها إلى حماية النساء والفئات الضعيفة في المجتمع، والإعلان عن ذلك بمقتضى القانون، وإنزال أقصى العقوبات بحق المعتدين على النساء. وأن يستند تشكيل لجان الطوارئ والصناديق الاقتصادية والاجتماعية إلى نص قانوني صريح وواضح، وأن تراعى معايير الكفاءة والتنوع في الخبرات والمعارف لدى تشكيل أية لجان وطنية، بما يضمن دمج الكفاءات النسوية في هذه اللجان بمختلف المناطق.
وتوسيع دائرة المشاورات مع الجهات المختلفة، عند وضع الحكومة خطة للطوارئ، أو فرض سياسة إغلاق شامل، بما يضمن مراعاة احتياجات مختلف فئات المجتمع الفلسطيني، وإيجاد حلول فعالة للأسر الفقيرة قبل الإعلان عن الخطط،، ومتابعة إجراءات تنفيذ قراراتها بمنتهى الدقة والشفافية.
أما على المستوى الدولي، فقد طالت التوصيات، من المؤسسات الدولية المعنية بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والنوع الاجتماعي متابعة مجمل انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة الطوارئ، بالتركيز على حقوق النساء، وتوجيه رسالة للحكومة تحضّها على تنفيذ سياسات من شأنها مواجهة حالات العنف والفقر والإفقار والإقصاء المرتكب بحق النساء.
واستمرار دعم مؤسسات المجتمع المدني والحكومة في تقديم المساعدات والبرامج الداعمة للنساء والأسر المتضررة من الجائحة، ووضع برامج إنقاذ على الأرض تساهم في إخراج المرأة والأسر من دائرة الفقر والعنف.
في حين، دعت تلك التوصيات مؤسسات المجتمع المدني، إلى السعي عبر الحكومة لتنظيم مسألة توزيع المساعدات الاجتماعية بالتشارك مع المؤسسات النسوية والاتحادات والنقابات، بالاستناد إلى إحصاءات رسمية ودقيقة عند توزيع المساعدات؛ بدءاً من الفئات الأكثر تضرراً من الجائحة، بمن في ذلك النساء اللواتي يترأسن الأسر وتعطلت أعمالهن، ومن ثم الأسر الأشد حاجة فالأقل دون أي تمييز.
والضغط على الحكومة من أجل تحمل كافة القطاعات الحكومية والخاصة والأهلية مسؤولياتها الاجتماعية تجاه الجائحة، عبر إشراكها في تحديد الأدوار والمسؤوليات، ومثال ذلك تقديم تبرعات، وتوجيه برامج دعم للفئات المهمشة ومنها النساء، وتنسيق جهود الدعم لإلغاء الضرائب المفروضة على النساء والأفراد بسبب تأخر تسديد قروض البنوك والشيكات المرتجعة، بما يضمن استمرار عمل المشاريع الصغيرة وحماية النساء اقتصادياً.