نابلس- معا- عقد في مدينة نابلس ، يوم أمس السبت ، بدعوة من القوى والمؤسسات الوطنية في المحافظة مؤتمر وطني ردا على القرار الاماراتي بالتطبيع الشامل مع اسرائيل بحضور ومشاركة ممثلي فصائل العمل الوطني والمؤسسات المختلفة في المدينة ، وقد زينت الحديقة بأعلام الدول العربية بما فيها علم دولة الامارات العربية ، وافتتحت فعاليات المؤتمر على وقع النشيد الوطني الفلسطيني ثم النشيد الوطني الاماراتي في اشارة الى ان شعبنا لا يحمل اي ضغينة ضد شعب الامارات الشقيق.
وألقى تيسير خالد كلمة باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين قال فيها :" عمليات التطبيع بين عدد من الدول العربية ومنها دولة الامارات العربية المتحدة وبين دولة الاحتلال الاسرائيلي ليست وليدة اليوم بقدر ما هي عمليات ممتدة تعود لسنوات كان يجري الاعداد لها برعاية الادارة الاميركية . وحسب جيراد كوشنير فقد استغرق الاعداد لاتفاق التطبيع بين الامارات العربية واسرائيل عاما ونصف العام وتكلل ذلك بالاشهار العلني عن ذلك يوم الخميس الماضي . وهكذا ما كان يجري تحت الطاولة أصبح الآن فوق الطاولة كتعاون متفق عليه في إطار رسمي في مختلف المجالات بما فيها المجال الأمني ، أي التعاون الأمني بين هذه الدول ودولة الاحتلال الاسرائيلي في ظن منها أن اسرائيل يمكن أن ترفع لها الكستناء من النار في خلافها مع دول من الاقليم وخاصة جمهورية ايران الاسلامية .
ويطرح السؤال نفسه ، هل لما جرى بين الامارات العربية واسرائيل علاقة فعلية بما جرى الافصاح عنه في اتفاق التطبيع بين البلدين حول وقف مخطط اسرائيل ضم مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية المحتلة وأن الاتفاق جاء يوقف فعلا هذا المخطط ويفتح الطريق أمام تسوية تلبي مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني . من الواضح أن الامر غير ذلك تماما ، ففلسطين استخدمت هنا في هذا الاتفاق كورق توت لستر عورة الاتفاق ودور الامارات فيه ، أي أن وقف مخطط الضم المزعوم قد استخدم غطاء للتضليل والخداع والشواهد على ذلك كثيرة .
فمخطط الضم كان أصلا عالقا في منتصف الطريق ولا فضل لدولة الامارات العربية في ذلك . ومن أجل توضيح الصورة فقد كان مخطط الضم عالقا في منتصف الطريق بفعل عدد من العوامل لم يكن لموقف الامارات العربية وزن فيها ، وهي كما يعرف الجميع الموقف الفلسطيني الواضح من المشروع أولا ، وموقف عدد من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة الاردنية الهاشمية ثانيا وموقف المجتمع الدولي المندد بالمخطط ثالثا وخاصة موقف دول الاتحاد الاوروبي ، التي حذرت من التداعيات الخطيرة المترتبة على المخطط ثالثا ، وحسابات واشنطن وقذفها الكرة في ملعب حكومة اسرائيل رابعا فضلا عن الخلافات حول الاولويات في برنامج حكومة دولة الاحتلال خامسا ،
ولكن هل لما جرى علاقة بصفقة القرن ورؤية الرئيس الاميركي التي أعلن عنها في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء دولة الاحتلال في الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي حول تسوية الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وترتيب أوضاع المنطقة وفقا لسيادة مصالح الولايات المتحدة الاميركية ومصالح اسرائيل على غيرها ومن اجل الوصول الى اصطفافات جديدة في المنطقة تحدم هذه المصالح بالدرجة الرئيسية . من الواضح ان ذلك يجري في هذا الاطار والسياق وهذا ما يفسر مشاركة سفير دولة الامارات العربية المتحدة في مؤتمر الاعلان عن رؤية الرئيس الأميركي بحضور رئيس وزراء دولة الاحتلال .
إذن ، هذه هي ابعاد الموقف ، التي توضح دون الدخول في تفاصيل كثيرة الاسباب الفعلية التي جعلت مخطط الضم ، الذي وعد بنيامين نتنياهو المباشرة في تنفيذه في الاول من تموز الماضي ولم يتمكن من الوفاء بوعده فبقي المخطط عالقا في منتصف الطريق دون أن يكون للإمارات العربية العربية دور أو وزن في ذلك . وعلى كل حال فإن ورقة التوت الفلسطينية ، التي استخدمتها دولة الامارت العربية لستر عورة اتفاقها المشين مع دولة الاحتلال الاسرائيلي . وقد جاءت تصريحات الجانبين الاسرائيلي والاميركي لتسلط الضوء على ذلك وتكشف حجم الخداع والتضليل على هذا الصعيد ، فما أن انتهى المؤتمر الصحفي للرئيس الأميركي والذي أعلن فيه عن التوصل الى ما أسماه الاتفاق التاريخي حتى أعلن بنيامين نتنياهو وفي أجواء احتفالية بأنه لم يتعهد برفع مخطط الضم عن جدول أعمال حكومته وبأن المخطط ما زال قائما وينتظر الضوء الأخضر الأميركي للبدء في تنفيذه وحسب . جاريد كوشنير ، صهر الرئيس الاميركي وكبير مستشاريه بأن ما ورد في الاتفاق حول الضم هو مجرد تعليق ليس ا:ثر وهذا ما فعله كذلك سفير الولايات المتحدة في اسرائيل في حديثه عن الصياغة الدقيقة للغاية حول هذا الأمر في بيان اتفاق التطبيع وبأن الأمر لا يعدو أن يكون تأجيلا وحسب ، ولكنه ليس تأجيلا مفتوحا على كل حال .
هنا تطرح نفسها اسئلة كثيرة حول دوافع أطراف العدوان على الشعب الفلسطيني من الترويج لمثل هذا الاتفاق المشين . دوافع كل من الادارة الاميركية وحكومة اسرائيل اكثر من واضحة ، فدونالد ريغان يحاول توظيف الاتفاق في خدمة معركة انتخابات الرئاسة في نوفمبر القادم ، خاصة في ظل تراجع شعبيته وحظوظه امام المرشح الديمقراطي ، الذي يتفوق عليه في جميع استطلاعات الرأي العام ، التي تجري في الولايات المتحدة الاميركية ، بفعل سوء إدارته لأزمة كورونا وما ترتب على ذلك من نتائج وتداعيات طالت الاقتصاد الاميركي ، الذي تؤكد المؤشرات أنه في حالة ركود ونتائج وتداعيات تعبر عن نفسها باتساع دائرة البطالة لتطال عشرات الملايين من العاطلين عن العمل . دونالد ترامب يعتقد ا، مثل هذا الاتفاق يمكن أن يحسن الصورة ويعدل في ميزان القوى في معركته القادمة وخاصة في أوساط الجمهور اليميني وفي أوساط مسحية تشكل ثقلا وتلعب دورا مهما في نتائج الانتخابات كالمسيحيين المتصهينين . أما بنيامين نتنياهو فقد جاءه الاتفاق هدية من السماء يخفف عنه ضغط فضائح ملفات الفساد ويمكنه من الافلات ولو الى حين من المساءلة والمحاسبة على جرائم فساده ، فضلا عن أن اتفاقا من هذا النوع يمكن لأن يساعده في احتواء ومحاصرة المظاهرات التي تتواصل على امتداد اسابيع امام مقر عمله في شارع بلفور في القدس الغربية وفي محيط بيته في مدينة قيساريه ، فضلا عن امكانية استخدام هذا الانجاز وتوظيفه في معركة الانتخابات القدمة للكنسيت الاسرائيلي ، خاصة وأنه يطمح بأن يقدم نفسه كزعيم يقف على قدم المساواة مع كل من مناحيم بيغن واسحق شامير ، إن لم يكن يتفوق عليهما ، فالأول أنجز اتاق سلام بتنازلات مع مصر والثاني اتفاق سلام بتنازلات مع الاردن حسب زعمه ، فيما هو ينجز اتفاقيات سلام دون تنازلات مع العرب ، فسلام نتنياهو هو فقط مقابل سلامة العرب ليس أكثر .
ولكن ما هي مصلحة امارات العربية العربية في مثل هذا الاتفاق . يبدو أن المسؤولين في الامارات العربية المتحدة يعتقدون ان مثل هذا الاتفاق ولاحقا معاهدة السلام مع اسرائيل تؤهل هذا البلد ليلعب دورا اكبر في الاقليم ويقدم نفسه كقوة اقليمية صاعدة ومؤثرة . نتناهو بكل ما عرف عنه من ديماغوجية لم ينس ان يشير في مؤتمره الصحفي الأخير الى هذا الأمر من طرف خفي وهو يعلم أنه يكذب ، اسرائيل والامارات دولتان واعدتان ولكل منهما موقع ريادي في مستقبل المنطقة . يخطئ المسؤولون في الامارات العربية إذا هم ركضوا في اتجاه هذا الوهم ، فدولة الامارات يعيش فيها نحو عشرة ملايين ولكم اكثر من 88 بالمئة من هؤلاء ليسوا مواطنين إماراتيين ولا ينتظر ان يصبحوا كذلك ، ومن الانسب لدولة بحجم وامكانيات الامارات أن تبحث لنفسها عن دور آخر يعزز من فرص حضورها الاقليمي بسياسة ناعمة تحافظ على استقلال البلد وعلى علاقات حسنة مع الجيران والمحيط والعالم . وعلى كل حال ، إذا ما حاولنا رسم صورة لدولة الامارات العربية المتحدة في الاقليم
فضلا عن ذلك يخطئ المسؤولون في الامارات إذا ما اعتقدوا أن حسابات اسرائيل يمكن ان تتطابق مع حساباتهم في الموقف مما يسمونه الخطر الايراني . لا شك بأن للإمارات مخاوف من الدور الايراني في المنطقة ويمكن ان نضيف الى ذلك مخاوف من الدور التركي كذلك ، وهذا شأن طبيعي خاصة عندما غاب عن التأثير دور الدول العربية المركزية ، غير أننا إذا حاولنا تجميع الصورة عن الدور الاماراتي في أزمات المنطقة وعلى ساحات كل من سوريه واليمن وليبيا ، فإن ما نحصل عليه هو صورة مشوهة وغير متجانسة لدور الامارات كقوة اقليمية ، وعلى كل حال أين هي المصلحة في دخول دولة كالإمارات في اصطفافات لا تعود عليها ولا على محيطها العربي بالنفع ، خاصة إذا ما دققنا في طبيعة العلاقات مع جمهورية ايران الاسلامية . هنا على المسؤولين في الامارات أن يجدوا حلا لعقدة التناقض في علاقتهم مع ايران بما يعود بالنفع على مصالحهم ومصالح شعوب المنطقة ، فالبلدان يجمعهما شقاق في السياسة ووفاق بل عناق في الاقتصاد ، فحجم التبادل التجاري بين البلدين يفوق 12 مليارد دولار ، صادرات الامارات الى ايران 7 مليار دولار ووارداتها من ايران 5 مليارد دولار ، وبين البلدين قبل جائحة كورونا 200 رحلة طيران اسبوعيا في اتجاه واحد أي من ايران الى الامارات هذا الى جانب أن 70 – 80 بالمئة من التحويلات المالية تتم عبر الامارات العربية المتحدة . وعليه من الانسب لدولة بحجم وامكانيات الإمارات العربية المتحدة أن تبحث لنفسها عن دور آخر يعزز من فرص حضورها الاقليمي بسياسة ناعمة تحافظ على استقلال البلد وعلى علاقات حسنة مع الجيران والمحيط والعالم .
لا يسعنا ان نجد مصلحة حقيقة لدولة الامارات العربية المتحدة في عقد اتفاق تطبيع ولاحقا اتفاق سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ، على الامارات العربية أن تراجع موقفها وأن تنآى بنفسها عن دور يلحق اكبر الاضرار بتاريخها وتراث قادتها الاوائل كالشيخ زائد ويلحق ضررا أكثر فداحة بمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني ، وفيه خروج فظ عن ميثاق جامعة الدول العربية والتضامن العربي وما يسمى مبادرة السلام العربية وهو دور يراد له أن يكون حصان طروادة لدول عربية أخرى تصطف بالدور لتقدم كما هو حال الامارات خدمات وهدايا مجانية لكل من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو على ابواب قادمة في الولايات المتحدة الاميركية وانتخابات محتملة في دولة الاحتلال الاسرائيلي ,
وعليه فإن خطوة دولة الامارات العربية المتحدة والمدانة بجميع المقاييس وضعت الجانب الفلسطيني أمام تحديات تتطلب المعالجة والحلول السريعة ، تحديات داخلية وأخرى تتصل بعلاقاتنا مع محيطنا العربي والاقليمي . في التحديات الداخلية نحن معنيون بالبحث عن صيغ نتجاوز فيها حالة الانقسام ، التي باتت تشكل مسربا لهروب بعض العرب من تحمل مسؤولياتهم نحو القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ، لم يكن قدرا أن نرى موقف مصر من اتفاق التطبيع بين الامارات ودولة الاحتلال على هذه الحال . نحن معنيون اكثر من أي وقت مضى بتحصين جبهتنا الداخلية وتطوير ادائنا والموقف الذي اتفقنا عليه في الخامس عشر من أيار الماضي في اتجاه تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتوافق على استراتيجية وطنية موحده تطلق انتفاضة شعبية عارمة ندفع باتجاه تحولها الى عصيان وطني شامل . أما التحديات التي تواجه علاقاتنا مع محيطنا العربي والاقليمي والتي بحاجة الى معالجة وحلول فقد سلط اتفاق التطبيع بين الامارات العربية ودولة الاحتلال الضوء عليها بوضوح ...علاقاتنا مع محيطنا العربي تشهد تراجعا ينذر بمخاطر حقيقية وجزء من حالة العلاج لهذه المخاطر يتوقف على حسن إدارتنا لشؤوننا الوطنية وتحقيق افضل الصيغ لوحدتنا الوطنية على اسس من الشراكة السياسية الحقيقية بين المكونات السياسية الفلسطينية داخل منظمة التحرير الفلسطينية وخارجها ، وهذه مهمة عاجلة لا تحتمل التأجيل أمام التطورات المتسارعة والمتلاحقة وامام الثغرة الخطيرة التي فتحها هذا الاتفاق في جدار الموقف العربي ."