الكاتب: محمد مهدي الجواهري
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا … سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا
سبّ من شاء أن تموت وأمثالُك … همّاً وأن تروحوا ضَياعا
سبَّ من شاء أن تعيشَ فلولٌ … حيث أهلُ البلاد تقضي جياعا
داوِني إنَّ بين جنبيَّ قلباً … يشتكي طولَ دهره أوجاعا
ليت أني مع السوائم في الأرض … شرودٌ يرعى القَتاد انتجاعا
لا ترى عينيَ الديارَ ولا تسمعُ … أذني ما لا تُّطيق استماعا
جُلْ معي جولةً تُريك احتقار … الشعب والجهلَ والشقاءَ جِماعا
تجدِ الكوخَ خالياً من حُطام … الدهر والبيتَ خاوياً يتداعى
واستمع لا تجدْ سوى نَبضاتِ القلب … دقَّت خزفَ الحساب ارتياعا
فلقد أقبلت جُباةٌ تسومُ الحيَّ … عنفاً ومهنةً واتضاعا
إنَ هذا الفلاّحَ لم يبقَ إلا َّ … العِرضُ منه ، يُجِلّه أن يباعا
بعد عشر مشت بِطاءً ثقالا … مثلَّما عاكست رياحٌ شِراعا
عرّفَتْنا الآلامَ لوناً فلونا … وأرتنا المماتَ ساعاً فساعا
اختبرنا ، إنَّا أسأنا اختباراً … واقتنعنا ، إنا أسأنا اقتناعا
وندِمنا فهل نكفّر عمَّا … قد جنينا اجتراحهً وابتداعا
لو سالنا تلك الدماءَ لقالتْ … وهي تَغلي حماسةً واندفاعا
ملأ الله دُورَكمْ من خيالي … شبحاً مرعباً يَهُزّ النخاعا
وغدوتمْ لهول ما يعتريكمْ … تُنكرون الأبصار والأسماعا
تحسبون الورى عقاربَ خضراً … وتَرَوْن الدُّروب ملأى ضِباعا
والليال كلحاءَ لا نجمَ فيها … وتمرّ الأيام سوداً سِراعا
ليتكمْ طِرتُمُ شَعاعاً جزاءً … عن نُفوس أطرتموها شَعاعا
بالأماني جذّابةً قُدتُموها … للمنّيات فانجذبنَ انصياعا
وادعيتم مستقبلاً لو رأته … هكذا لم تضع عليه صُواعاً
ألهذا هَرقْتُموني وأضحى … ألفُ عرض وألف مُلكُ مُشاعا
أفوحدي كنتُ الشَّجاعةَ فيكمْ … أولا تملكون بعدُ شُجاعا
كلُّ هذا ولم تصونوا رُبوعاً … سِلتُ فيها ولم تُجيدوا الدفاعا
إنّ هذا المتاعَ بخساً ليأبى الله … أن تفصِدوا عليه ذراعا
قلْ لمن سِلتُ قانياً تحت … رجليهِ وأقطعته القُرى والضيِّاعا
خَبَّروني بأن عيشة قومي … لا تساوي حذاءك اللماعا
مشت الناس للأمام ارتكاضاً … ومشَيْنا إلى الوراء ارتجاعا
في سبيل الأفراد هُوجاً رِكاكاً … ذهب الشعب كلُّه إقطاعا
طعنوا في الصميم من يركُن … الشعبُ إليه ونصبَّوا القُطَّاعا
شحنوهم من خائنِ وبذئٍ … ومُريبٍ شحنَ القِطارِ المتاعا
ثمّ صبوهمُ على الوطن المنكوب … سوطاً يلتاع منه التياعا
خمَدت عبقريةٌ طالما احتيجتْ … لتُلقي على الخطوب شُعاعا
وانزوت في بُيوتها أدباءٌ … حَطَمت خِيفةَ الهوان اليراعا
ملءُ دور العراق أفئدةٌ … حَرَّى تَشكِّى من الأذى أنواعا
وجهودٌ سُحِقن في حينَ … ترجِّتْ منها البلاد انتفاعا
فكأنَّ الاحرار طرّا على هذي … النكايات أجمعوا إجماعا
اثأري أنفساً حُبسن على الضيم … وكيلي للشرّ بالصاع صاعا
واستعيني بشاعر وأديب … وأزيحي عمَّا تَرينَ القِناعا
لا يُراد الشعورُُ والقلمُ الحرّ … إذا كان خائفاً مُرتاعا
هيَّجوا النار انها أهونُ الشرّينِ … وقعاً ولا تَهيجوا الطباعا
إنَّ هذي القوى لهُنَّ اجتماعٌ … عن قريب يهدّد الاجتماعا
عصفت قوَّةُ الشعوب بأرسى … أمم الأرض فاقتُلِعن اقتلاعا
أنهِ هذا الصراع يا دمُ بين الشعب … والظلم قد أطلت الصراعا