الخليل- معا- افتتح خلال هذا الأسبوع المعرض الفني الإفتراضي "أنا وناجي" للفنانة الفلسطينية هنادي بدر و يضم المعرض مجموعة من الأعمال الفنية التي تعيد تشكيل ورسم بعضا من أعمال فنان الكاريكاتير شهيد الريشة الفنان الفلسطيني ناجي العلي وباسلوب فني أبدعته الفنانة هنادي.
من قهوة بدران في الخليل انطلق معرضي الأول
تقول الفنانة الفلسطينية هنادي بدر عن بدايتها الفنية : "عندما يطلب مني الحديث عن بداياتي لا أستطيع أن أتجاهل رؤية تلك الطفلة التي كانت ترى لصغر سنها وحجمها أن الوطن كبير واسع، حارات وأزقة البلدة القديمة في الخليل في بداية الثمانينات كانت واسعة مكتظة نابضة بالحياة، وشهدت حارة القزازين بكل تفاصيلها ضحكاتنا أنا وأخوتي وبنات عمتي كلما ذهبنا لزيارتهم، ولا أنسى زيارتي لمقهى بدران لأطلب من جدي جميل بدر أن يسمح لي باستخدام اللوح والطبشور لرسم أولى لوحاتي، نعم هناك كانت أولى معارضي، وبداية تكون ذاكرتي التي حملت أينما حللت، وعندما أتحدث عن بداياتي أرى صديقات الطفولة في مدرسة غرناطة ومعلماتي اللواتي عملن دائماً على تشجيعي لاستمر بالرسم، فكانت جدران مدرستي هي صالة الفن التي احتضنت خطوطي البسيطة وألواني التي حكت الكثير عن تلك الطفلة، وكبر حبي للفن وكبرت الطفلة".
وتضيف الفنانة هنادي :"عندما انهيت دراستي الثانوية بتفوق في الفرع العلمي رأيت أن أكون مخلصة لشغفي وحلمي وأن أصقل موهبتي بالرسم من خلال الدراسة، حتى تخرجت من كلية فلسطين لأعمل لسنتين معيدة في قسم الفنون في رام الله الى جانب كوني طالبة في جامعة النجاح، ولفترة قصيرة كانت عاماً واحداً عملت كمدرسة للتربية الفنية في الخليل وبعدها إنتقلت للعيش في دبي والتي كانت محطة ثانية مهدت لسفر أبعد إلى أن حطت الرحال بي وبعائلتي الصغيرة في كندا".
مرحلة الطفولة
في مرحلة الطفولة شاركت بالمعارض الفنية على مستوى مدينتي والوطن ولكن أكثر معارض البدايات التي أعتز بها هو معرض في رام الله في العام 1995، وشاركت فيه إلى جانب من رأيتهم دائماً قدوة وقامات فنية أحترمها كالفنان سليمان منصور ونبيل عناني وتيسير بركات وخالد حوراني وغيرهم من الفنانين وأساتذة الفن الذين كنت اتابع أعمالهم بشغف وحب، وفي خلال إقامتي في الإمارات أقمت أكثر من معرض خاص أهمها معرضين في النادي الثقافي العربي بالشارقة وكان القنصل الفلسطيني وقتها داعماً لا يتوانى عن حضور وافتتاح معارضي الخاصة والمعارض التي شاركت بها حينها، كما أقمت معارض خاصة في دبي وكنت أسارع للمشاركة باسم فلسطين في أي مناسبة ثقافية او فعالية تحدث على أرض الإمارات، هذا إلى جانب مشاركتي بالعديد من المعارض الخاصة هناك.
الهجرة الى كندا
تقول الفنانة هنادي بدر:" قبل خمسة عشر عاماً هاجرت إلى كندا لكني حملت معي وطني الذي فارقته جسداً فقط لكن روحي بقيت ولم تغادر، في كندا شاركت في العديد من المعارض التي بدأت بمعرض المهاجرين الجدد والذي شاركت فيه لخمس سنوات على التوالي -معرض فرنج في مدينة لندن وكذلك -معرض جرين آرت ،- وأقمت معرضاً خاصاً في كوزي هاوس-مدينة لندن -معرض في صالة الفن التابعة لمكتبة مدينة لندن-أونتاريو - معرضين في مدينة تورونتو بالتزامن مع مهرجان الفيلم الفلسطيني - معرض خاص في مسيساجا بمناسبة يوم الأرض، كما شاركت في السنوات العشر الاخيرة في معرض النساء المهاجرات في مدينة هاملتون ، وقد تمت دعوتي للمشاركة في العديد من المعارض الدولية في ألمانيا والقاهرة وتركيا والأردن غير أن أولى أولوياتي عائلتي التي قد أعتذر عن المشاركة في معارض خارجية إذا تعارض ذلك مع مصلحة أبنائي وتواجدي دائماً لأجلهم.
من المعارض المهمة
تضيف هنادي بدر : من المعارض المهمة بشكل مختلف وعاطفي معرضي شقائق النعمان في مدينة الخليل في العام 2017 ومعرض وردٌ ومزهرية في العام 2018 ، وآخر معارضي الخاصة هو معرضي الذي تم افتتاحة إفتراضياً وعلى شبكات التواصل الإجتماعي في الثامن والعشرين من هذا الشهر آب /أغسطس 2020 .
الفن بالنسبة لهنادي بدر
لطالما كان الفن جزءاً مهماً في حياتي وكانت الريشة والألوان صديقاً لم يخذلني، كان لعبتي في الطفولة، ورفيقي خلال مراحل النمو فالموهبة بشكل عام توجه إهتمام الفرد إلى ما هو إيجابي وبناء وتعمل على بناء شخصيته وتطوير مهاراته وقدراته الجسدية والفكرية والحسية والفنان بشكل خاص يبني علاقة مختلفة ومتميزة بمحيطه، فهو لا يمر على زهرة إلا وحمل من الوانها وعطرها وشكلها ما يغني ذاكرته وحسه ولا يمر بموقف إنساني إلا وترك فيه عميق الأثر فهو صاحب ذاكرة وقلب وفكر يترجم على صفحة بيضاء فتولد لوحة، تروي وتحكي الكثير، قد تحكي جمال وإبداع الخالق، وقد تروي قصة طفل أو معاناة شيخ أو ألم أسير أو جرح وطن، الفن جمال وهو أيضاً فكر ورسالة، ومن هنا حاولت أن أجعل من لوحتي الوطنية سفيراً يحكي ويروي ألم شعب هُجِّر و سجن وعذِّب، لوحتي تحكي ألم طفل فقد أمه وبيته وأباه، لوحتي تحكي جرحنا …وجعنا… وفقدنا جميعاً، وهي ترسم جمال وطننا وتروي أفراحنا وأتراحنا، لوحتي هي أنا بشوقي لفلسطين وحبي لشقائق النعمان ولضوء تبثه قبة الصخرة من القدس ولكل ما يرمز للوطن.
ولان الفن كان جزءً مهما من كل تفاصيل حياتي، فأنا قلما مر يوم من أيامي لم يكن في إنتاج فني أو بناء لذاتي يخدم فني، فمثلاً في بداياتي كنت أحب القراءة لانها تساعدني على تكوين ورسم مشهد قد يتحول للوحة فنية، أيضاً كانت لي العديد من الأعمال التي تجمع بين رسم الكاريكاتير والسكتش بالابيض والاسود والتي كنت اشارك بها بشكل مستمر من خلال نشرها في صفحة القراء في صحيفة الخليج، كما شاركت ببعض الكتابات البسيطة في نفس الصحيفة، وهذا الحب للكتابة حملته معي لكندا لأكتب في صحيفة البلاد العربية الصادرة من مدينة لندن/اونتاريو، وكان لي عمود فني ثابت يحمل عنوان من مذكرات امراة كانت هناك ، هذه الكتابات تم جمعها في كتابين صدر الاول قبل عام في فلسطين ويضم أكثر من عشرين خاطرة تحكي الحب والشوق للوطن الذي حملته معي وتحكي قضايا تهمنا جميعا، فكتبت عن الأسير واللاجئ والمهاجر والشهيد ، حكيت عن حارة القزازين والذكريات وأصدقاء الطفولة ولقاءات الاهل والاحبة، ورويت ذكرياتي في القدس وفي فلسطين، وضم الكتاب مزجاً بين الكتابة والصور لبعض واهم أعمالي الفنية ، الكتاب بعنوان من مذكرات امراة كانت هناك١… وهو متوفر في المكتبات في فلسطين.
المعرض الاخير: "أنا وناجي"… ولماذا ناجي؟
تقول الفنانة هنادي بدر:" ناجي العلي الطفل الذي ولد في قرية الشجرة بفلسطين قبل النكبة ، انه الرمز الأكثر تعبيراً والأكثر إيجازاً يلخص قصة شعب ، انه الطفل المنكوب الذي أطلق عليه لقب لاجىء عندما أقام مع أهله في مخيم عين الحلوة بلبنان، وهو الفلسطيني الذي ذهب ليعمل في دول وطنه الأكبر ، دولاً عربيه كانت إلى جانبه أحياناً لكنها خذلت قضيته العادلة أحياناً وأحيانا، ناجي كان حراً لا يقبل بأنصاف الحلول ولا أنصاف الحقوق، عندما ولد حنظلة كان رمزاً لطفل وجه نظره وهو في الشتات نحو فلسطين ، حنظلة طفل لم يكبر ، عمره توقف وكان بانتظار العودة إلى بيته ليكبر فيه ولم نرى وجهه فقد كان ينتظر العودة لفلسطين لينظر إلى العالم من شبابك داره في وطنه الأصلي وقريته التي انتظرته، لكن حنظلة لم يكبر ولم نرى وجهه، وناجي أغتيل لتموت الفكرة والأمل بالعودة كما أعتقد الاخر، مات ناجي لكن الفكرة والحلم باق ما بقيت الحياة، كان ناجي سابقاً لعصره كما قيل من حيث قراءته للتاريخ فقد رسم قبل أكثر من ثلاثين عاماً أحداثاً ومواقف نشاهدها ونعاصرها في وقتنا الحاضر ، و كنوع من الوفاء مني كفنانة أقدر الفن الملتزم بكافة فروعه وصوره وأساليبه، وكإنسانة تقدر المبادئ الإنسانية وكفلسطينية تبحث عن الحق والعدل احببت أن أعيد رسم وتشكيل بعض من رسوم ناجي بأسلوبي التعبيري الخاص والواني وشخوصي التي ستحدثكم من جديد ، وستروي لكم قصة من تألم وبكى وصبر وانتظر الفجر، آملة أن أكون بعملي المتواضع قد أعدت توجيه العيون وتعريف الجيل الجديد بأحد أهم فناني الكاريكاتير العرب والذي وصلت رسالته إلى العالم حتى أن حنظلة بات رمزاً من رموز فلسطين يعرفه الكثيرون على مستوى العالم.
لقد لاقى المعرض بفكرته التي أثنى عليها الكثيرون الإستحسان والتقدير والإنتشار من خلال شبكات التواصل وهذا هو المردود الذي أنتظره، نشر رسالة فكر وفن.
دعم الأسرة للموهوبين
الحمد لله هناك توجه كبير نحو الفن من جانب الأطفال والشباب في فلسطين ، وهنا لا بد أن أوجه رساله بسيطه للأهل أولاً بأن يدعموا بكل الطرق مواهب أطفالهم من خلال توفير المواد والتشجيع وعدم التقليل من أهمية الرسم فحتى لو لم يكبر الطفل ليكون فناناً محترفاً فإن الفن يساهم في بناء شخصية متوازنه ويعود الطفل على التعبير عن ذاته والاهتمام بالقضايا الجمالية والفكرية العامة، وطفل متوازن محب للفن سيكون إنساناً أكثر إنسانية وإنتاج على جميع المستويات وفي كافة المجالات، وهنا أيضاً أشكر وأشير الى أهمية مراكز الطفولة وقد كان لنا تجربة رائدة في مدينة الخليل وعلى مستوى فلسطين والوطن العربي، فمركز فنون الطفل وبجهود الأستاذ والفنان سميح أبو زاكية عرف كمنارة ساهمت في بناء طفل فنان وعملت على رسم شخصية الكثيرين من أبناء فلسطين المتميزين، وأتمنى أن تعمل وزارة الثقافة على توفير صالات عرض ومسرح ومرافق ثقافية وبرامج ودورات لدعم الشباب والفنانين لأهمية دور الفن والثقافة في الإرتقاء بشخصية الفرد ونشر رسالتنا إلى العالم.
الرسالة الى الشباب الموهوبين في الفن
ورسالتي للشباب الموهوبين، العمل والتجريب المستمر والمشاهدة هو الطريق لتطوير قدراتنا الفنية، والدراسة حتى من خلال الدورات على يد أساتذه متمكنين بالفن أو حتى من خلال مواقع فنية متوفرة الآن على الشبكة العنكبوتية ستعمل على تطوير قدراتك، لكن أحذر من التقليد بمعنى أن نقوم بتطوير المهارة في الرسم لكن نبحث عن أسلوبنا الخاص الذي سيكون بصمة تشير إلى أنك أنت صاحب العمل، ولزيارة المعارض دور كبير في تطور رؤيتنا وتذوقنا الفني والمشاهدة تثري المخزون لدى الفنان وتنعكس فيما بعد لتظهر آثارها على شكل عمل فني أكثر تمكناً، لقد كان المتحف أهم الاماكن التي سعيت لزيارتها خلال أسفاري، فزرت متحف القاهرة والذي يضم أهم الآثار الفرعونية والاعمال الفنية وزرت الاماكن الاثرية في مصر والتي تحكي فترة مهمة في تاريخ الفن، كما زرت إيطاليا وروما التي تعتبر متحفاً مفتوحاً متميزاً في فنون اللوحة التصويرية والنحت والعمارة، وزرت متاحف ومعارض في اسبانيا وتركيا وأمريكا وتعرفت على فنون وأساليب أثرت تجربتي ، واليوم يمكننا الإطلاع على فنون الآخر حتى ونحن في بيوتنا، ورسالتي الأخيرة لا تستعجلوا الحصول على لقب فنان، دع الناس تشير إليك وإلى عملك وتقول لك أنت فنان، واعمل بجهد لتكون ممثلا حقيقياً لهذا اللقب ولا تغركم كثرة شهادات التقدير الإلكترونية التي لا يعرف صدق وأهمية مصدرها، التقدير الحقيقي ليس شهادة من طرف أو موقع هنا أو هناك ولا تبحثوا عن التنافس والتفضيل إلا مع أنفسكم فعملي الفني يجب أ يكون أفضل من عملي الفني السابق ولا أتنافس مع عمل فني لفنان آخر له تجربة وخبرة ومشاعر مختلفة.
وفي النهاية أتمنى أن يكون لنا لقاء قريب بمعرض واقعي وليس إفتراضياً على أرضنا الحبيبة فلسطين ، وأتمنى السلامة للجميع.