بقلم: د. صبري صيدم
ببساطة وهدوء؛ حدثني أحد المخضرمين، وبعد أن أخذ رشفة من فنجان قهواه واستل سيجاره العربي، عن لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ونجم الكرة الأرجنتيني ليونيل ميسي، وما ارتبط على ما يبدو بهذه الشخصية من أحداث، ملأت الدنيا وشغلت الناس على مدار أسبوعين تقريبا.ً
اختيار الموضوعين جاء باعتبارهما، وحسب رأيه، الحدثين المهمين خلال تلك الفترة، اللذين استرعيا اهتمامه، فربط بينهما في مفارقة غريبة، جعلتني أصغي لما يبدو ربطاً غريباً بين حدثين متباعدين من حيث الفحوى والمضمون والجغرافيا، لينطلق صاحبنا ويقول:
أخيراً، وبعد طول ترقب، حسم نجم الكرة العالمية وبطلها ليونيل ميسي أمره الأسبوع المنصرم؛ بالبقاء في ناديه الوحيد، حيث ترعرع وتطور بين جمهوره ومحبيه، خاصة بعد فترة عصيبة من الترقب، مستنداً إلى قرار عائلي، جعله يعيد النظر بكل المغريات التي أتاحتها له فرق الكون على اختلافها.
وقد غلّب ميسي قرار بقائه في برشلونة، على قرار الارتحال والتخبط امتثالاً لحرصه على مصلحة آل بيته، كما قال، الذين أرادوا الحفاظ على وحدة العائلة وولائه الدائم لها، وليس لأي جهة خارجية أو مبلغ فلكي من المال، كان سيتقاضاه من أندية عدة سارعت لإجزال العروض عليه بصكات بنكية مفتوحة مقابل انتقاله. قرار ميسي، يستطرد صاحبنا، لم يأت بناءً على وساطة خارجية، أو رعاية مستوردة، بل جاء من أبنائه الصغار الذين آلمتهم فكرة الرحيل أو مجرد التفكير فيه.
فكرة الرحيل والانتقال ووداع البيئة التي احتضنت النجم، منذ بزوغه ونشوئه وتطوره وتألقه، وتميزه وتعملقه، جاءت بعد أن سجل النادي العريق انهياراً تاريخياً قبل أيام، أمام نادي باير ميونخ في هزيمة مرّة لن يمحوها التاريخ، وبواقع ثمانية أهداف مقابل هدفين يتيمين، شهدتها العاصمة لشبونة لكونها المدينة التي نُظمت فيها نهائيات كأس أندية أوروبا لهذا العام.
أسباب عديدة، يقول صديقنا، كانت وراء انهيار الفريق الكتلوني؛ أهمها تمسك قيادة النادي باللاعبين الكبار عمراً دون الصغار، ورفضهم مبدأ المشاركة والتشاركية، أو الإصغاء له وهو يدعوهم لإدماج الجميع في المسؤولية، حتى يجمع النادي بين حكمة مخضرميه الكبار، وحيوية ونضارة وإقدام صغار لاعبيه عمراً وخبرة، وهو ما قسّم النادي إلى معسكرين يعتصرهما انقسام بغيض.
جاء خورخي وذهب خورخي… حتى بات خورخي نجم المشهد، تماماً كما نجله ميسي، وهو الأب الذي قاد بحنان مسيرة ابنه من المهد إلى المجد، فكان مدير أعماله الأمين، ليتابع العالم تنقلات الأب في طائرة ابنه الخاصة، بحثاً عن مستقر جديد لميسي، بعدما تأرجح الأخير بين منصات خارجية مارس فيها العديدون ضغط المال والمعنويات والمواقف، حتى خرج أحدهم ليقول بأنه سيقدم ما يفوق الخيال مقابل انتقال النجم الثلاثيني.
لكن ميسي عاد وقرر الانتصار لرغبة أهل بيته وترابطهم، ويتخذ قراره بهم ومعهم، بدون رعاية خارجية بعدما أدار ظهره لشروط ومغريات المتسابقين في بازار المواقف، ولينتصر أيضاً في صفقة ضمنية على مدرسة التقليد، التي ارتاح معها البعض، وليقدم غيره إلى الميدان ليحملوا راية التغيير، وليحتكم الجميع للعقل والتكاملية، وإنهاء الانقسام، ولتهدأ أبواق التشكيك، ويستقر المشهد في عقر داره عبر لقاء إعلامي هناك قال فيه: اليوم انتصر لدموع أطفالي الذين رفضوا المغريات، مقابل الانتصار لذاتهم ومحبيهم، فأحمي الرغبة الداخلية، وأحافظ على وحدة النادي.
مدرسة، يقول صاحبنا، بأننا رأيناها في الأسبوع ذاته تتحقق بنجومية أقل مع لقاء الفصائل الفلسطينية التي جمعت ما ذكرناه في بوتقة واحدة، لتقدم مشهداً راقياً جاء بقرار فلسطيني مسؤول، ودونما رعاية أحد، بعيداً عن مغريات المال وبازار المواقف والتجاذبات، وضمن عقلية إنهاء الانقسام والتشارك في الهم والقرار، وطي صفحة الخصام نحو تحقيق اللحمة الداخلية.
مقاربة غريبة، ربما لا اتفق معها، نسجها صاحبنا لكنها، وحسب قوله، تشاركت في المفاهيم، وحملت على حد زعمه لمسة إبداعية.
أياً كانت إبداعات الناس في تفسير مشهد لقاء الفصائل، فإن الفيصل القاطع لن يكون إلا بالنتائج والأفعال. والله الموفق!