بيت لحم- معا- بعد رفضها المشروع الفلسطيني لإدانة حملات التطبيع العربية مع إسرائيل، انهالت سهام النقد على جامعة الدول العربية مؤخرًا، حيث اتهمها الكثيرون بالسلبية والانحياز، وفشلها في حل أي قضية عربية، وأن تدخلاتها تقتصر على إصدار البيانات.
الانتقادات التي تتعرض لها الجامعة أخيرًا، جاء بعد رفضها تبني أي إدانة لقرار دولتي الإمارات والبحرين للتطبيع مع إسرائيل برعاية أمريكية، وكذلك بعد فشلها أكثر من مرة في إعادة سوريا إلى مقعدها بالجامعة، وقرارات أخرى تتعلق بالحرب في ليبيا واليمن والوضع في العراق، وغير ذلك.
ومنذ انتظام القمم العربية الدورية للجامعة، وتحديدًا منذ عام 2000، عقدت الجامعة الكثير من القمم العربية، سواء على مستوى الرؤساء أو مستويات أقل، وخرج عنها الكثير من القرارات، بعضها تم تنفيذه والبعض الآخر فشل.
التطبيع ومبادرة السلام العربية
يعتبر العرب فلسطين القضية المركزية والمحورية التي يجب التركيز عليها، وأفردوا لها العديد من القمم، أهمها ما أفرزته قمة بيروت عام 2002 من تبني مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك السعودية وقتها، والتي كانت تعرف بـ"مبادرة السلام العربية".
المبادرة التي حظيت بتأييد عربي كبير، هدفت إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967، وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل.
ومع التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل، "انحرفت البوصلة العربية"، عن مبادرة السلام تلك، حيث قال رئيس الوزراء محمد اشتيه، إن "الجامعة العربية تقف صامتة أمام الخرق الفاضح لقراراتها التي لم ينفذ منها شيء أصلا".
وقال الدكتور نبيل شعث الممثل الخاص للرئيس محمود عباس، إن "التطبيع العربي مع إسرائيل جاء مجانيًا، وكان لا بد أن يكون له مقابل وهو إقامة دولة فلسطينية كما تنص مبادرة السلام".
البيت العربي.. ولكن!
بدوره قال الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية، والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية، إن "وجود جامعة الدول العربية ضرورة باعتبارها البيت الجامع للأمة العربية، رغم أنها لم تقم بالدور الذي يتمناه كل عربي، فمنذ أن تأسست الجامعة أقرت في ميثاقها مبدأ "السيادة الوطنية للدول الأعضاء" ومبدأ عدم جواز التدخل في الشأن الداخلي للدول، وانشأت منظمات متخصصة ووقعت اتفاقيات عديدة لتعزيز للعمل العربي المشترك، بدءا باتفاقية الدفاع العربي المشترك لحماية الدول من العدوان الخارجي".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "هناك العديد من اتفاقيات العمل العربي المشترك سواء بمجالات التكنولوجيا والاتصالات والتجارة والصناعة والأمن والتنقل وغيرها، لكن للأسف لم يتم تفعيل أي منها، ورغم أنها بيت الوحدة العربية إلا أن الجامعة كانت مسرحًا للتناقضات السياسية، فصارت كل قراراتها رهينه التجاذبات السياسية والأيديولوجية بين القادة العرب، فالخلافات السياسية انهكت الجامعة وشلت قدرتها على تنفيذ أي من قراراتها".
وتابع: "قبل عام 2000 انقطعت جامعة الدول العربية عن الاجتماعات ومضى عليها سنوات عديدة دون انعقاد، لكن بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 تداعت الجامعة العربية لدعم الشعب الفلسطيني، وانتظمت اجتماعاتها الدورية على مستوى القمم والوزراء والمندوبين، وعلى الصعيد الفلسطيني كانت قضية فلسطين محل اجماع عربي رغم التناقضات فيما بينهم على مختلف القضايا ولذلك كان العرب يتسابقون لدعم فلسطين سياسيا وماليًا".
واستطرد: "تركز الدعم السياسي العربي بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، لمساندة الشعب الفلسطيني في إقامة دولته ومؤسساته الوطنية، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى ازدادت ذروة الدعم العربي المالي والسياسي وتبنت القمة العربية 2002 مبادرة السلام العربية على مبدأ الأرض مقابل السلام والانسحاب الإسرائيلي من كل الأرض المحتلة عام1967".
وعود مالية لم تنفذ
وأوضح شعث أن "منذ عام 2011 تراجع دور الجامعة فكانت قراراتها بشأن ليبيا وسوريا واليمن كارثية أما بشان القضية الفلسطينية فمن ناحية المبدأ واصلت الجامعة إصدار بياناتها الداعمة للموقف السياسي الفلسطيني برغم الخلافات بينهم".
أما على مستوى الدعم المالي – والكلام ما يزال على لسان شعث- "هناك قرارات عربية صدرت بدءًا بقمة سرت 2010 بتوفير نصف مليار دولار من مجموع الدول العربية لدعم القدس وأهلها في مواجهة التهويد في المدينة، وفي قمة الدوحة 2012 صدر قرار آخر بدعم الشعب الفلسطيني بمليار دولار، وفي 2014 قرار إعادة الإعمار لغزة.. لكن هذه القرارات للأسف لم تنفذ".
وأضاف: "وفي قمة الظهرات عام 2018 وقمة تونس عام 2019، صدر قرار مجلس الوزراء العرب بالقاهرة أقر بوجوب توفير شبكة أمان مالي للشعب الفلسطيني بقيمة ١٠٠مليون دولار شهريا لمواجهة الحصار المالي الإسرائيلي والأمريكي، ولكن للأسف لم تتلقى فلسطين فلسًا واحدًا منها، بل أوقفت أغلب دول الجامعة منذ سنوات التزاماتها الشهرية والسنوية الثابتة لدعم فلسطين".
وأشار المستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية إلى أن "الجامعة العربية الآن تواجه أزمة ثقة عميقة من قبل الشعوب بسبب عجزها وتواجه معضلة السيادة الوطنية، بسبب رفض الدول تنفيذ قراراتها، ولا تستطيع معاقبة أي دولة على انتهاك قراراتها فالإمارات والبحرين انتهكت مبادرة السلام العربية وطبعت مع الاحتلال ومع ذلك، لم تجرؤ الجامعة على الإدانة رغم أن ذلك يعد انتهاكًا لقراراتها".
وأكمل: "وأيضا التدخلات في الشأن الليبي والسوري واليمني تقف الجامعة موقف المتفرج دون قدرة على الفعل"، محذرًا من استمرار الجامعة بهذا الدور، مطالبًا بضرورة إصلاحها وإنقاذها من التهالك وتطويرها بإعادة بناءها وتوسعة المشاركة الشعبية العربية فيها وتعزيز العمل العربي المشترك وإعادة الهيبة للجامعة ودورها".
اللاءات الثلاث ومراحل الانهيار
في السياق ذاته، قال الدكتور أسامة دنورة، السياسي السوري، وعضو الوفد الحكومي السابق المفاوض في جنيف، إن "الجامعة العربية مرت بعدد من المراحل المتتالية التي مثلت مسارًا انحداريًا للتوافق والتنسيق والعمل العربي المشترك، فالمرحلة الأولى كانت تمتاز بالحفاظ على تماسك رسمي شكلاني على الأقل في الموقف العربي عبر منظومة الجامعة".
وأضاف: "ربما أمكن أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة "اللاءات الثلاث" التي تميزت بموقف واضح المعالم تجاه الصراع مع إسرائيل، ولاحقاً تعرض العمل العربي المشترك لهزة عنيفة وصدع كبير بعد اتفاقيات كامب ديفيد وطرد مصر من عضوية الجامعة، وفي هذه المرحلة بدأت التجمعات العربية الإقليمية في الظهور بدءا من مجلس التعاون الخليجي1981، الاتحاد المغاربي 1989، ومجلس التعاون العربي 1989 أيضاً، وكان ذلك يعني اتخاذ التنسيق العربي (في الإطار ما دون الجامعة) صيغة رسمية معلنة، أي أن إطار التنسيق تجزأ وأصبح متقوقعًا جغرافيًا، وكان ذلك أشبه بنشوء محاور علنية ضمن دول الجامعة".
وأكد أن "الضربة الأكبر تلقتها منظومة الجامعة بعد احتلال الكويت، حيث تم في القمة العربية لأول مرة شرعنة الحرب الدولية ضد دولة عضو، ولأول مرة أيضا يتم خرق ميثاق الجامعة بهذه الطريقة، حيث كان ينبغي أن تتخذ قرارات الجامعة بالاجماع إلا أن (محمد حسني) مبارك رئيس الدولة المقر والمضيفة للقمة (مصر) فرض تبني القرارات بالأغلبية مخالفاً الميثاق".
واستطرد: "ولاحقاً تم تكريس تعديل الميثاق في هذا الاتجاه، وكان هذا يعني ترجيح كفة الدول التي تتبع النفوذ الأمريكي والغربي في الخليج، والتي حرصت إنجلترا، (التي لعبت دوراً هاماً في إنشاء منظومة الجامعة) على زيادة عدد دولها، حيث كادت كل من قطر والبحرين أن تكون ضمن إطار دولة الإمارات لولا أن قررت بريطانيا دفعها للاستقلال وإكسابها صفة "دولة مستقلة".
ومضى دنورة قائلًا: "لقد مثل هذا التحول في أداء الجامعة حضيضا مؤلماً للشعب في الدول العربية، وسادت القناعة بأنه الدرك الأسفل لمصداقية وتماسك وفعالية الجامعة، ولكن التحول التالي أثبت أن هناك حضيضًا أعمق للجامعة، فمع انطلاق موجة الفوضى المدفوعة الكلفة خليجيًا والمنسقة أمريكيًا والمؤدلجة إخوانياً، وصلت الجامعة إلى درك جديد، فهي سوغت تدمير ليبيا والعدوان عليها، وعزلت سوريا وأقصتها عن الجامعة ودوّلت ملفها".
وأكمل: "مستغلةً في ذلك خروج عدد من الدول العربية المركزية عن دائرة الفعل السياسي العربي على خلفية الاضطرابات في هذه الدول، فشملت الاضطرابات سوريا ومصر وليبيا واليمن وتونس، ويضاف إليها العراق المضطرب أصلاً، وبالتالي بقيت الساحة مفتوحة أمام الحكومات المرتبطة بالغرب والحليفة له التي أصبحت تسيطر بصورة شبه كاملة على منظومة الجامعة، والدارس لتاريخ الجامعة يرى أنها تنتقل في مطلع كل عقد جديد إلى مستوى أضعف من التنسيق والعمل العربي المشترك، وصولاً إلى حالة شراكتها الكاملة في طعن بعض الدول العربية الكبرى في ظهرها وتسويغ الاعتداء على سيادتها ووحدة أراضيها".
ويرى أن "دول مجموعة ما سمي بجبهة الصمود والتصدي، والتي ضمت الدول الرافضة للتطبيع مع إسرائيل قبل حل قضية الشعب الفلسطيني، كانت هي الدول المستهدفة بالفعل الإرهابي الممول خليجيا والمغطى من قبل الجامعة فعليا، لا سيما في ليبيا وسوريا، فهذه المجموعة التي كانت تضم سوريا وليبيا والعراق واليمن والجزائر ضُربت جميعها من قبل التطرف الإخواني- الوهابي وسوغ التآمر عليها عبر قرارات الجامعة".
وأضاف دنورة: "أما السقوط الذي ميز مطلع العقد الحالي فهو منح اتفاقيات التطبيع الأخيرة الغطاء من الجامعة بعد أن رفضت مشروع قرار تقدمت به السلطة الفلسطينية يرفض الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي-الأمريكي، وبالتالي تحولت الجامعة إلى منظومة تابعة تماما للمحور الأمريكي - الإسرائيلي، تتحكم بها بشكل كامل دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة".
من جانبه قال الدكتور شاهر النهاري، المحلل السياسي السعودي، إن "جامعة الدول العربية من أقدم المنشآت الدولية، وكانت أقدم من هيئة الأمم المتحدة، وكان لها مواقف وقرارات لا يمكن إهمالها أو اعتبارها عبثًا، ومع تقدم الوقت كان العرب ينضمون لهذه الجامعة حتى اكتمل العقد وأصبحنا 22 دولة عربية تحت جامعة الدول".
وأضاف أن "المشكلة أن الدول العربية لم تكن في العقدين الماضيين متآخية كما كان في السابق فأصبحت الجامعة التي لا تمتلك أن تجبر أي دولة على أمر معين في وضع حرج حتى في اجتماعتها، حيث وجدنا بعض الاجتماعات لا تخرج ببيانات متفق عليها من جميع الأعضاء".
وتابع: "الجامعة تحتاج إلى إعادة تكوين منذ البداية وتقوية بعض النقاط بشأن طبيعة الاتفاق ورفض القرارات، ووضع بعض الصلاحيات في يد الجامعة حتى تتمكن من تأدية مهمتها، ولكنها ككيان محترم وله مواقف لا يمكن إغفالها أو التجني عليها، والقول أنها لم تصدر أي قرارات فعالة".
واستطرد: "مشكلة الدول العربية بعد الربيع العربي ودخول الإخوان في الدول ودور قطر الشيطاني في محاولة تحطيم الدول العربية، بالإضافة إلى إيران وتركيا، وتدخلاتهما في الدول العربية، فإيران باتت تتحكم في 4 عواصم عربية، وتركيا تدخلت في سوريا وليبيا، وتضايق مصر في البحر المتوسط، وهذا أدى إلى نوع من الشتات والتخوين بين الدول العربية وبعضها البعض".
وأشار إلى أن "مصر والسعودية والإمارات والبحرين وقفوا وقفة عظيمة مع جامعة الدول العربية وأصبح لها كلمة، لكن لا يمكن فرضها بالقوة، وهذا كان واضحًا في الاجتماعات الأخيرة التي قامت في جامعة الدول العربية رغم سوء العلاقات بن الدول".
وتساءل النهاري بالقول: "هل نطلب من جامعة الدول أن تتنحى كليا عما تفعله؟.. لا أعتقد أنه الحل، الدول العربية التي تعرف قيمة الأمن الداخلي بها وأن هجوم الأعداء الإقليميين سيضر بهم على المدى البعيد، ومن خلال عمليات السلام التي تمت ببين الإمارات والبحرين وإسرائيل، يتضح أن هناك تغيرًا استرايجيًا في المفهوم الدولي العربي للسلام".
وأوضح أن "الجامعة يجب أن تدعو لاجتماع عام لجميع الأعضاء ويكون هناك مبادرة لتغيرات جذرية في قانون الجامعة ولو رفضت بعض الدول هذه المقترحات، يمكن أن نسعى لإنشاء جامعة أخرى، على أسس واضحة وصريحة ولو بعدد من الدول، مع الوقت سينضم إليها الجميع بعد مشاهدة تدخلاتها الفعالة".
وأنهى حديثه قائلًا: "لا يجب لوم الجامعة، فليس لها أي إمكانيات لتجبر الدول على أي قرار، فهذا ظلم، ولابد من التحرك على المستوى العقلي والسياسي والاقتصادي لجامعة الدول لرفعة الوطن العربي".
وجامعة الدول العربية هي منظمة إقليمية تضم دولاً عربية في آسيا وأفريقيا، ينص ميثاقها على التنسيق بين الدول الأعضاء في الشؤون الاقتصادية، ومن ضمنها العلاقات التجارية، الاتصالات، العلاقات الثقافية، الجنسيات ووثائق وأذونات السفر والعلاقات الاجتماعية والصحة، والمقر الدائم لجامعة الدول العربية يقع في القاهرة، عاصمة مصر.-"سبوتنيك"