الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

مؤتمر الفريق الأهلي للموازنة العامة: غياب الشفافية والتشاركية يُعمِق الأزمة

نشر بتاريخ: 30/09/2020 ( آخر تحديث: 30/09/2020 الساعة: 19:39 )
مؤتمر الفريق الأهلي للموازنة العامة: غياب الشفافية والتشاركية يُعمِق الأزمة

رام الله- معا- عبر تقنية الزووم، عقد الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة مؤتمره السنوي للموازنة العامة للعام 2020، الذي تناول في جلسته الأولى محورين، أولهما: الأداء المالي خلال النصف الأول من العام الحالي، فيما تمحور الثاني حول واقع المنح والمساعدات الخارجية للموازنة العامة وتراجعها، وذلك في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية والصحية التي يواجهها الفلسطينيون، والهجمة التي يمارسها الاحتلال، وقرصنته لأموال المقاصة، وتآكل الدعم الخارجي والمساعدات، لا سيما المساعدات الأمريكية، كمقايضة وابتزاز لمواقفنا السياسية، كذلك ما رافق أزمة جائحة كورونا التي فرضت وجودها، وغيرت في أولويات العمل العام والأهلي والخاص.

استهل المؤتمر بكلمة من السيد مجدي أبو زيد، المدير التنفيذي لائتلاف أمان، سكرتاريا الفريق الأهلي، الذي عرّج بدوره على أهم المفاصل التي اتسمت بها المرحلة، من عجز في الموازنة، وزيادة في الأعباء والديون التي تتكبدها الحكومة، والالتزامات التي تراكمت على القطاع الخاص، وتحديدا أصحاب المشاريع الصغيرة، وانعكاس ذلك على تسريح العاملين ورفع نسبة البطالة، ما دفع الفريق الاهلي لتحليل الآلية التي تمت من خلالها إدارة الموارد المحدودة في تلبية الاحتياجات اللامحدودة، وتقديم التوصيات اللازمة التي تحقق العدالة والإدارة الأمثل للمال العام.

الفريق الأهلي لا يشكل بديلا عن المجلس التشريعي

وشدد أبو زيد في كلمته على ضرورة اعتماد النهج التشاركي في إدارة الشأن العام، بين ممثلي القطاع الحكومي وممثلي المجتمع المدني، إلى منوها أسفه لعدم مشاركة وزارة المالية في المؤتمر الافتراضي، ما يثير التساؤل حول تعزيز مبدأ المشاركة المجتمعية، في حين شدد أبو زيد بدوره على حق المواطن في الاطلاع والمشاركة في السياسات الحكومية، مكررا مطالبة الفريق الأهلي وأمان المستمرة بإقرار قانون الحق في الوصول للمعلومات الذي سيحمي حق المواطن في الرقابة والمساءلة. كما أكد أبو زيد أن الفريق الأهلي لا يشكل بديلا عن المجلس التشريعي، وإنما داعما للدور الرقابي المناط به، وشريكا حقيقيا في العمل نحو سياسات مالية قادرة على تحدي الأزمات المالية، وقادرة على تحقيق أولويات المواطنين، ومراعية لأسس تحقيق العدالة المجتمعية، متأملا إصدار الرئيس مرسوماً رئاسيا لتحديد موعد لإجراء الانتخابات، لما في ذلك من تحقيق للديمقراطية والعدالة في الحكم.

تأخر قانون الموازنة أمر غير مبرر

في الجلسة الأولى للمؤتمر، استعرضت الباحثة لميس فراج، منسقة الفريق الأهلي التقرير النصف سنوي حول أداء الموازنة العامة، آخذة خصوصية السنة المالية الطارئة، ومقدمة جملة من ملاحظات الفريق الأهلي،مشيرة الى ما منحه قانون موازنة الطوارئ 2020 من صلاحيات أوسع لوزير المالية، والتأخر في إعداد وإصدار الموازنة عن الموعد المحدد، أي في بداية العام الجاري، وقد كانت مختصرة جدا بدون مبرر مقبول، إضافة الى استخدام الاستثناء غير المبرر، والذي لم يتضمن تقديرا للنفقات التفصيلية، ولا حتى تقديراً لموازنات مراكز المسؤولية، الأمر الذي يعيق عملية تدقيق البيانات والمساءلة. كما أنه تم إصدار موازنة الطوارئ، دون نقاشها مع ممثلي منظمات المجتمع المدني، ولم يطلع المواطنين (أكبر مصدر إيرادات للموازنة العامة) عليها قبل إقرارها، حيث لم تلتزم الحكومة في النهج التشاركي الذي أعلنت الحكومة مررا وتكرارا التزامها به، ناهيك عن غياب المجلس التشريعي صاحب الشرعية الأساسية لإقرار الموازنة العامة باعتباره ممثل المواطنين.

ضعف الالتزام بشفافية الموازنة وتشاركية محدودة

وقد اتسم نصف العام الحالي باستمرار حالة ضعف الالتزام بشفافية الموازنة في النفقات، إذ لم يتم انتهاج أعلى درجات الشفافية خلال ممارسة الشراء العام، بالرغم من كون الشفافية لا تتعارض على الإطلاق مع السرعة في الشراء والعطاءات. وعلى صعيد القطاع الخدماتي، فقد أظهرت الجائحة الحاجة لتطوير النظام الصحي الفلسطيني، حيث أظهرت البيانات انخفاض الإنفاق على وزارة الصحة خلال النصف الأول من العام، تبعا لحالة الإغلاقات، ووقف التحويلات الطبية إلى المشافي الإسرائيلية، في حين لم يكن هناك زيادة على النفقات التطويرية بما يعكس التوجه نحو تطوير الخدمات وتوطين الخدمة.

حرمان 25% من الفقراء من مخصصاتهم

كما عكست الجائحة، وما ترتب عنها من تعدد مصادر الدعم والجهات المقدمة للمساعدات النقدية والعينية، الى ضرورة تخصيص موازنات إضافية كمساعدات لوزارة التنمية، تسهم في تطوير قاعدة البيانات لديها. فقد أظهر تحليل الأداء الحاجة الى تفعيل البوابة الموحدة للمساعدات، وضرورة النشر عليها. وبناء على رؤيته، أوصى الفريق الأهلي بتبني سياسة تقديم المساعدات للفئات المحتاجة، وليس سياسة التعويض للمتضررين بسبب عدم توفير الإمكانات، وموارد كافية، كما يرى الفريق في الاعتماد على المجتمع المحلي في توزيع المساعدات العينية والطارئة والإغاثية السريعة.

وقد تم تحويل دفعة واحدة للأسر الفقيرة من أصل 4 دفعات، مع العلم أنه تم زيادة عدد الأسر ب 10 آلاف أسرة، (حيث أصبحت هناك 115 ألف أسرة محتاجة موزعة بواقع 80 ألف عائلة في غزة و35 ألف عائلة في الضفة الغربية)، التي تتلقى مساعدات نقدية من وزارة التنمية، الأمر الذي يعني تخفيض الإنفاق على الفقراء وحرمانهم من 25% من مخصصاتهم. فمقارنة مع العام الفائت، الذي تم فيه تحويل 3 دفعات للأسر الفقيرة بدلا من أربعة، متوقع أيضا الاكتفاء ب 3 دفعات فقط العام الحالي، ونظرا لأزمة المقاصة.

أولويات الإنفاق ترجح لصالح الأمن على حساب الصحة

بخصوص الإنفاق على قطاع الأمن خلال النصف الأول من العام، فقد تم إنفاق 36.5 مليون شيقل (30 مليون تمويل خارجي، 6.5 مليون تمويل سلطة)، تحت بند إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية، في حين لم يتجاوز الإنفاق التطويري لوازرة الصحة 10 مليون شيقل، ما يستدعي التساؤل حول أولويات الإنفاق التطويري في ظل الجائحة، وتحديدا الأولويات المحددة من قبل الحكومة الفلسطينية دون تدخل خارجي. كما أشارت الأرقام في النصف الأول من 2020 أن هناك زيادة غير مبررة في رواتب الأمن، مقابل انخفاض غير مبرر للرواتب في قطاعات أخرى.

انخفاض الإيرادات بسيط نسبيا مقابل ارتفاع في الدين العام

أما عن انخفاض الإيرادات المتحققة خلال النصف الأول من العام بالمقارنة مع ذات الفترة للأعوام السابقة، فلم يكن لحالة الإغلاق الأثر الحاد على الإيرادات خلال النصف الأول من العام. فتجدر الإشارة أن الانخفاض كان بسيطا نسبيا بالمقارنة مع تقديرات الموازنة، لأن عادة ما تكون الجباية والإيرادات أعلى في الربع الأول. إضافة الى ذلك، فقد بينت الأرقام انخفاض النفقات المتحققة، بالمقارنة مع المقدر، نظرا لانخفاض النفقات التشغيلية تبعا لحالة الإغلاقات، وانخفاض الرواتب والأجور، نظرا لأزمة المقاصة التي نشأت مع بداية أيار، وعدم تحويل الجانب الإسرائيلي لأموال المقاصة. أما الدين العام، فقد سجل ارتفاعا في نهاية شهر حزيران 2020، إذ بلغ 10.6 مليار شيقل، ومن المتوقع ارتفاعه أكثر حتى نهاية العام، مع الإشارة إلى أن الدين العام والأرقام المذكورة لا تشمل المتأخرات سواء للقطاع الخاص أم لهيئة التقاعد.

حجم ونسبة المنح والمساعدات للموازنة العامة على مدار السنوات العشر 2010-2019

تمثل التقرير الثاني من الجلسة الأولى في تقييم حجم ونسبة المنح والمساعدات على مدار السنوات العشرة الماضية (2010-2019)، حيث استعرض الباحث مؤيد عفانة، عضو الفريق الأهلي، مجمل ما حصلت عليه السلطة الوطنية الفلسطينية على تمويل خارجي للموازنة العامة على مدار 10 سنوات، والذي بلغ (34) مليار شيكل، ذهبت (29) مليار شيكل منها لدعم الخزينة العامة وبنسبة (85.5%) من إجمالي التمويل الخارجي، فيما رفدت (5) مليارات شيكل كتمويل تطويري، أي ما نسبته (14.5%) من إجمالي التمويل الخارجي.

انخفاض بنسبة 37% من التمويل الخارجي الفعلي من 2010 الى 2019

وفي مراجعة للأعوام الماضية، برز هناك تراجعا واضحاً في المنح والمساعدات للموازنة العامة، سواء كان ذلك على مستوى الدعم الخارجي للخزينة العامة او دعم النفقات التطويرية. تبين التمويل الخارجي الفعلي للموازنة العامة في تناقص، حيث بلغ في العام 2010 مبلغ (4,762.8) مليون شيكل، وانخفض ليصل في العام 2019 الى (1,745.5) مليون شيكل، أي انخفض وبلغت نسبته (36.6%) عمّا كان عليه في العام 2010.

وقد تطرق عفانة الى المنح والمساعدات الخارجية للموازنة العامة بشقيها "تمويل خزينة وتمويل تطويري" موضحا أنها في تناقص واضح، كما ان هناك فجوة ما بين الموازنة المقدرة للمنح والمساعدات الخارجية، وما هو متحقق فعليا، حيث ان المتحقق أقل بكثير من المقدر، ويعود ذلك الى ارتهان التمويل الخارجي بالأجندات السياسية للمانحين، وما زال التمويل العربي محدودا ومتذبذبا، الأمر الذي ينفي وجود شبكة أمان عربية لدعم الموازنة العامة، مما يلقي ظلال قاتمة على مستقبل الدعم الخارجي، ويحث صنّاع القرار على توفير البدائل، ودعوة وزارة المالية الى معالجة لك عن طريق التخطيط السليم والواقعي للموازنة العامة.

التمويل الخارجي مرهون بالأجندة السياسية للمانحين

عرّج عفانة على حقيقة التمويل الخارجي الذي يرتبط بمسارات سياسية، ويتأثر بشكل مباشر بالأجندات السياسية الدولية والإقليمية والمحلية، ما يعد أحد أدوات الضغط على السلطة الفلسطينية، الأمر الي بات يهدد استدامة التمويل، أو استرداد ما تم منحه. ومن الأمثلة على هشاشة وعدم ثبات الدعم الخارجي للنفقات التطويرية، انه في العام 2019، استردت حكومة الولايات المتحدة الامريكية منحة تطويرية بقيمة (448) مليون شيكل، والتي فاقت في مجموعها كل الدعم التطويري المتحقق للعام 2019، إضافة الى وقف الولايات المتحدة مساعداتها المباشرة للخزينة العامة.

أثر تراجع المنح والمساعدات الخارجية على الخدمات الاجتماعية في فلسطين

تراجع الدعم الخارجي يؤثر بشكل مباشر على تطبيق الخطط والبرامج الحكومية الخاصة بالقطاع الاجتماعي، ومدى وفاء الحكومة بالتزاماتها تجاع القطاع الاجتماعي، حيث ان تراجع الدعم الخارجي والازمة المالية التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية تقوّض جهود الحكومة ووزارة التنمية الاجتماعية في الانتقال من المنحى الاغاثي للوزارة الى المنحى التنموي ويعمق التوجه للمنحى الاغاثي كونه ضرورة في ظل الازمات المالية وارتفاع معدلات الفقر. كما ان تراجع التمويل الخارجي أثر سلبا على العديد من المشاريع والبرامج الخاصة بالخدمات الاجتماعية، خاصة ان المشاريع التطويرية تعتمد بشكل كبير على المانحين، الأمر الذي سيتطلب أن يتم التخطيط للقطاع الاجتماعي بشكل مرن لمواكبة التذبذبات في الموازنة العامة تبعا للواقع السياسي والاقتصادي المضطرب، إضافة الى كون مصير النفقات التطويرية المرتبطة بمشاريع ولم تمول في مهب الريح، وذلك في ظل هشاشة التمويل التطويري الخارجي وارتباطه بأجندات المانحين.

تراجع دعم الاتحاد الأوروبي، أكبر الداعمين للخزينة العامة، والقطاع الاجتماعي، مثل (دعم رواتب الموظفين المدنيين، دعم الحالات الاجتماعية، دعم مستشفيات القدس) لأكثر من النصف. فمن (1,397.3) مليون شيكل في العام 2010 الى (641.3) مليون شيكل في العام 2019، ما يعني تأثر الخدمات الاجتماعية التي كانت تغطى من هذا الدعم بشكل جوهري وكبير. إضافة الى تراجع دعم البنك الدولي، ثاني أكبر المانحين للخزينة العامة، مثل (دعم حزم مساعدات للقطاع الاجتماعي وشبكة الحماية الاجتماعية) بشكل حاد، ففي العام 2010 بلغ (1,064.2) مليون شيكل، في حين تراجع في العام 2019 الى (212.1) مليون شيكل، لحوالي الخمس فقط 20%.

اعتماد الحكومة بدائل عن تراجع التمويل الخارجي

يوصي الفريق الأهلي باعتماد الحكومة الفلسطينية بدائل عن التمويل الخارجي بصيغته الراهنة، وذلك من خلال فتح آفاق جديدة للتمويل مع دول أخرى، كما على الحكومة الالتزام بالحوكمة الرشيدة في إدارة المال العام من أجل ترشيد النفقات في ظل تراجع الدعم المالي الخارجي، والأزمات المالية المتلاحقة التي تعصف بالسلطة الوطنية الفلسطينية.

كما أوصى الفريق الأهلي باعتماد وزارة المالية لمنهجية تخطيط مرنة للموازنة العامة، تراعي المخاطر المنتظمة وغير المنتظمة التي تحيط بالواقع الفلسطيني، وضرورة العمل على "توطين" المشاريع التطويرية الخاصة بالقطاع الاجتماعي، من خلال توفير مصادر تمويل محلية لعدم ارتهانها بالتمويل الخارجي، وذلك من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، أو تعظيم

الحكومة الفلسطينية إيراداتها المحلية دون المساس بالفئات الفقيرة والمهمشة وذوي الدخل المحدود، لتوفير بدائل لتراجع الدعم الخارجي، من خلال سياسات ضريبية تعمل على توسيع الشرائح الضريبية من خلال استحداث شرائح للدخول المرتفعة، وتوسيع دائرة المكلفين بما يساهم أيضا في تعزيز العدالة الضريبية، وضرورة تبني الحكومة لإجراءات "ثورية" تجاه استثمار المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص تجاه توحيد تلك الموارد واستثمارها في مجال تعزيز الخدمات الاجتماعية وتوفير بدائل لتراجع الدعم الخارجي.

والجدير ذكره أن الجلسة الثانية من مؤتمر الموازنة 2020 ستعقد عبر تقنية زووم يوم الاثنين، الموافق 12-10-2020 والتي ستتمحور حول أشكال التسرب المالي والخسائر التي تتكبدها السلطة.