بيت لحم- معا- صدرت عن دار "خطوط وظلال" في العاصمة الأردنية عمان طبعة ثالثة من كتاب "دفاعا عن إدوارد سعيد" للناقد فخري صالح في 123 صفحة من القطع المتوسط.
خلال صيف العام 1999 أطلق الإعلام الأمريكي حملة جديدة على إدوارد سعيد، فبعد أن وصفته مجلة "كومنتري" الأمريكية بأنه "بروفيسور الإرهاب"، نشرت المجلة نفسها في عددها لشهر سبتمبر من العام نفسه مقالة إضافية لمحام يهودي أمريكي يدعى جستس ريد فاينر يقيم في القدس ويعمل مع معهد مجهول يطلق على نفسه معهد القدس للأبحاث العامة، يتهم فيها إدوارد سعيد بأنه زيف سيرته الذاتية واختلق قصته، وأنه لم يدرس في مدرسة سان جورج في القدس، ولا يصح أن يسمي نفسه لاجئا.
وقد تبنت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية الحملة ونشرت قبل صدور مقالة فاينر تغطية استعراضية لنتائج البحث الذي قام به المحامي اليهودي على مدار ثلاث سنوات حول أملاك عائلة إدوارد سعيد في مصر واستقرار والده في القاهرة لفترة طويلة.
يتصدى هذا الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عام 2000، للهجوم الأعمى، المحتشد بالحقد وتزييف الحقائق، الذي شنته دوائر الإعلام الإسرائيلية المتطرفة في الغرب على الناقد الأدبي البارز والمفكر العالمي إدوارد سعيد (1935- 2003).
ويسعى الكتاب، انطلاقا من هذه الحملة، إلى إعطاء صورة عن المكانة الكبيرة التي يحتلها سعيد في الثقافة العالمية المعاصرة، وذلك بهدف الكشف عن الأسباب الفعلية التي تقف وراء الحملة.
كما يبين الكتاب طريقة نظر سعيد إلى معنى الهوية ومفهوم المثقف والمشاركة السياسية، وهي ما جعله خلال حياته، وبعد مماته كذلك، هدفا للهجوم والتشويه، ومحاولة طمس الهوية إلى حد التشكيك في كونه فلسطينيا، وقوى اليمين في الغرب التي تناصر إسرائيل وتدافع عن احتلالها لفلسطين.
فإدوارد سعيد واحد من المثقفين العضويين الكبار في القرن العشرين، وهو يفضل على الدوام تبني قضايا المضطهدين والمهمشين ومن لا صوت لهم.. إنه صوت فلسطين في الدوائر الأكاديمية والإعلامية في الغرب، وقد غير من خلال كتبه ومحاضراته وظهوره الإعلامي صورة الفلسطيني وجعل أعدادا كبيرة من الأكاديميين والناس العاديين يعيدون النظر في السردية الإسرائيلية للحكاية الفلسطينية، ويدركون مدى الظلم التاريخي الذي وقع على الفلسطينيين.
وتأتي الطبعة الجديدة من الكتاب في ظل تواصل الحرب التي تستهدف محو السردية الفلسطينية، من الذاكرة الإنسانية، وهكذا تبدو استعادة الحكاية الفلسطينية من خلال الدفاع عن سيرة واحد من أبنائها (الذين ثبتوا هذه الحكاية في ضمير العالم، بوصفها واحدة من أكثر عمليات الطرد والمحو في تاريخ البشرية بشاعة وظلمًا)، مسألة أساسية، وشكلا من أشكال الدفاع عن الهوية والوجود الفلسطينيين.
وقد كان الهجوم على إدوارد سعيد وتشويه سيرته، والحط من شأن منجزه المعرفي والثقافي، كواحد من أعلام النقد والنظرية الأدبية الكبار خلال القرن العشرين، وسيلة للهجوم على القضية الفلسطينية، وتشويه سمعة الفلسطينيين، وجعل العالم يعتقد أن فلسطين كانت حقا "أرضًا بلا شعب لشعب بلا أرض"، من هنا تبدو استعادة إدوارد سعيد، كمثقف عالمي كبير، ومنفي فلسطيني فقد بيته ووطنه، ضرورية لإبقاء الحكاية الفلسطينية مستمرة، ومقارعة للسردية الإسرائيلية حول فلسطين، كما يقول فخري صالح.
في هذه الطبعة قام فخري صالح بتصحيح كتابة بعض أسماء الأعلام، وتدقيق النص وتهذيب لغته، وتصحيح بعض الأخطاء التي شابت الطبعتين الأولى والثانية، لكي تصل هذه النسخة المنقحة من الكتاب في أفضل صورها، قدر الإمكان.
ويؤكد صالح أن إدوارد سعيد ترك ميراثا كبيرا في ما يتعلق بدراسة مفهوم الاستشراق، بوصفه منظومة معرفية متجددة في الثقافة الغربية إذ تحول الاستشراق التقليدي الذي نعرفه إلى ما يسميه إدوارد سعيد بدراسات المناطق التي تعيد فحص الشرق، وعالم الجنوب كذلك، لكنها في الحقيقة صادرة عن تلك التصورات الذهنية ذات الأغراض التي تحكم علاقة المعرفة بالسلطة، وتجعل من الآخر غير الغربي وسيلة لتعريف الذات الغربية، مهملة تلك الذات الشرقية التي تتفحصها وتقوم بتعريفها.