غزة- معا- أوصتْ ندوة سياسية نظمتها مؤسسة "بال ثينك" للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش ايبرت" الألمانية صُناع القرار السياسي وقادة الرأي في فلسطين لتعزيزِ وَتَطوير الْخِطَاب والرواية الفلسطِينِية داخل المجتمع الأمريكي، في ظل تنامي مواقف التيار التقدمي المؤيدة للقضية في الولايات المتحدة عموماً، وداخل الحزب الديمقراطي على وجه التحديد.
واستضافت مؤسسة "بال ثينك" في ندوتها السياسية تحت عنوان "سيناريوهات الانتخابات الأميركية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية" السيد ماثيو داس مستشار العلاقات الدولية لعضو الكونغرس الأمريكي السيناتور بيرني ساندرز.
وحضر الندوة السياسية التي أدارها أ. عمر شعبان مدير مؤسسة "بال ثينك"، مدير مؤسسة فريدريش إيبريت الألمانية هانيس ألبين، إلى جانب نخبة من الخبراء والمختصين وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني، ودبلوماسيين من القدس و رام الله و أوروبا. وقد قام السيد جهاد ابو سليم طالب الدكتوراه في جامعة نيويورك و زميل مؤسسة بال ثينك سابقا بالترجمة. وضح أ. عمر شعبان أنَّ الندوة السياسية تهدف للتعرف على انعكاسات الانتخابات الأمريكية على القضية الفلسطينية، لاسيما في ظل اختلاف الرؤى بين الحزب الجمهوري والديمقراطي بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وأشار أ. عمر شعبان إلى أنَّ مراكز الفكر والأبحاث والمؤسسات التي تعنى باستشراف المستقبل من شأنها أن تجعل عملية رسم السياسات وصناعة القرارات في العالم العربي أكثر جودة في حال اهتمَّ بها صناع القرار، لافتاً إلى أنَّ الندوة تشجع على ثقافة الحوار البناء والنقاش الهادئ.
بدوره، أوضح مدير مؤسسة فريدريش إيبريت الألمانية في الأراضي الفلسطينية هانيس ألبين أنَّ مؤسسته ملتزمة بالأفكار والقيم والمبادئ الأساسية للديمقراطية الاشتراكية، وتسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المكونات المجتمعية المختلفة. ويرى إلبن أنَّ الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب قوضت الثقة في الديمقراطية، عندما فرضت بالقوة رؤيتها بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بعيداً عن أي تفاهم دولي أو قرار أممي يتعلق بالقضية الفلسطينية، مشيراً إلى انَّ العالم الديمقراطي بات يرغب في رؤيةسياسة الديمقراطيين تجاه قضايا الشرق الأوسط.
سيناريو فوز ترامب
من جانبه، يرى ماثيو داس مستشار العلاقات الدولية لعضو الكونغرس الأمريكي السيناتور بيرني ساندرز و الذي تحدث بصفته الشخصية أنَّ سياسة دونالد ترامب تجاه القضية الفلسطينية لن تتغير حال فوزه في ولاية ثانية، بل سيعمل على تعزيز نهجه الحالي القائم على منطق القوة والتفرد بديلاً عن مبدأ الحق والقانون الدولي.
وذكر أنّ سياسة ترامب تتلخص في إصراره على تدمير أي كيان سياسي فلسطيني مستقل، وترسيخ فكرة وجود الفلسطينيين كمواطني درجة ثانية في "إسرائيل"، وهو ما يتناغم مع رؤية اليمين الإسرائيلي المتشدد.
وأوضح داس أن ترامب لن يغير من رؤيته تجاه القضية الفلسطينية مطلقاً، لأسباب تتعلق بشخصيته، مثل هوسه بأجندته، وافكاره، ومبادئه المتجذرة في معسكر اليمين تجاه العديد من القضايا.
وذكر أنَّ هناك تحولات وحقائق لا يمكن استبعادها حال فوز ترامب، قائلاً: "إدارة ترامب حال فوزه ستكون في مواجهة مع التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي يقدم مواقف إيجابية وغير مسبوقة تجاه القضية الفلسطينية".
سيناريو فوز بايدن
ويرى داس أن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية المقبلة قد يساهم في عودة الولايات المتحدة إلى الإجماع الدولي، وتعزيز حل الدولتين وفق قرارات الأمم المتحدة، وفتح خطوط الاتصال والتواصل بين واشنطن ورام الله التي تعطلتْ بسبب رؤية دونالد ترامب.
واستبعد داس أنْ يُقْدِمَ بايدن على خطوة إعادة السفارة الأمريكية من القدس إلى تل أبيب، كون تلك الخطوة لن تخدم حل الصراع، فيما قد يتخذ بايدن مواقف لصالح الفلسطينيين مثل إعادة فتح مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وفتح القنصلية الأمريكية أمام الفلسطينيين، وإعادة تمويل الأونروا، والتأسيس لعلاقة إيجابية ومنتجة مع القيادة الفلسطينية.
وعن خطة الضم، قال داس: "بايدن يرفض قرار الضم، واعتقد أنْه لن يعترف فيه ولن يضفي عليه شرعية حال طبقته إسرائيل".
وأوضح داس أنَّ القضية الفلسطينية قد لا تحصل على الاهتمام والتركيز المطلوب في السنوات الأولى لإدارة بايدن لأسبابٍ عديدة منها، انشغاله بالقضايا الداخلية الأمريكية مثل الانقسامات العرقية داخل المجتمع الأمريكي، والانشغال في إعادة بناء علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها على المستوى الدولي.
وعن العلاقة بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل حال فوز بايدن، أشار داس إلى انَّ هناك قطاع كبير في الحزب الديمقراطي يعارض إسرائيل بشكل كبير مثل إلهانعمر ورشيدة طليب، وينادون بضرورة أن يكون الدعم الأمريكي لإسرائيل مشروط بوقف الأخيرة انتهاكاتها بحق الفلسطينيين.
اما عن قرار الفيتو في عهد بايدن حال فوزه، قال داس: "لا أعلم كيف يمكن أن يتعامل فريق بايدن تجاه التحركات الفلسطينية في المحافل الدولية، لكن ما أعلمه أنَّ هناك نقاشات دائرة لإزالة الحظر عن استخدام الفلسطينيين للأدوات القانونية والميكانيزمات الدولية".
وذكر أنَّ القضية الفلسطينية باتت قضية مهمة في المعسكر التقدمي الصاعد في الولايات المتحدة، قائلاً: "القضية الفلسطينية أصبحت من القضايا المهمة لدى المعسكر التقدمي، كونها ترتبط بالقضايا العرقية التي هي في صلب اهتمامه، والذي ينظر إليها على أنها قضية عادلة ناتجة عن إرث الاضطهاد العرقي".
وتمنى داس أن لا تتكرر تجربة أوباما الذي ظلَّ لثمانِ سنواتٍ ينتظر قدوم نتنياهو للتفاوض، مشيراً إلى انَّ جلب الفريق الإسرائيلي لطاولة المفاوضات يعتمد على الإجراءات التي ستفرضها الإدارة الأمريكية على "إسرائيل".
توحيد الخطاب وتطوير الرواية
ودعا داس صُناع القرار السياسي وقادة الرأي في فلسطين لتعزيزِ وَتَطوير الرواية الفلسطِينِية داخل المجتمع الأمريكي، في ظل تنامي المواقف المؤيدة للقضية داخل التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي.
وأشار إلى أنَّ التحيز الأمريكي لصالح إسرائيل كان نتيجة تأثير الرواية الإسرائيلية وقدرتها على صياغة الرأي العام الأمريكي، وهو ما يستدعي تعزيز الرواية الفلسطينية داخل المجتمع الأمريكي لإحداث اختراق لصالح القضية الفلسطينية.
ودعا داس الفلسطينيين لترتيب البيت الداخلي، ومخاطبة المجتمع الدولي والكونغرس الأمريكي بشكلٍ موحد، وضرورة إبراز حقهم في تقرير المصير والتحرر الوطني.
سيناريوهات الربح والخسارة
ولم يبدِ داس توقعه بشأن فوز أيٍ من المرشحين للرئاسة الأمريكية، غير أنه أشار إلى أنَّ المرشح الأمريكي للحزب الديمقراطي جو بايدن يتقدم على الرئيس دونالد ترامب بعشر نقاط على المستوى القومي، بالإضافة لتقدمه في ولايات خسرها الديمقراطيون في الانتخابات الرئاسة السابقة عام 2016 مثل ولاية (ويسكونسن).
وأوضح أن التوقعات تبقى متأرجحة في ظل عامل مهم، يتمثل في أنَّ ترامب رئيس مرشح لدورة ثانية، وعادة ما يكون المرشحون لولاية ثانية أكثر حظاً بالفوز بفترة جديدة، لاسيما مع وجود دعم إعلامي كبير يحظى به ترامب، مع إشارته إلى أنَّ الأخير يواجه فقدان ثقة الناخبين فيه بسبب كورونا والقضايا المتعلقة بالتمييز العرقي.
وأوضح أنَّ بايدن يحاول الوصول إلى الجمهوريين الذين لا يؤيدون ترامب، مستشهداً بالمؤتمر الانتخابي للحزب الديمقراطي الذي تحدث فيه كولن باول مستشار الرئيس الأمريكي جورج بوش، جون كيسك، المرشح الجمهوري السابق للرئاسة، وأخرون يسعون لعدم وصول ترامب لولاية ثانية، كما يحاول بايدن توحيد الديمقراطيين لصالحه، من خلال التعاون مع بيرني ساندرز والتيار التقدمي بشكل عام.