السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في بيتنا أسير..

نشر بتاريخ: 07/11/2020 ( آخر تحديث: 07/11/2020 الساعة: 18:02 )
في بيتنا أسير..

الكاتب: أسيل عويسات

ظلمٌ وبُهتان، عَزلٌ وعِقاب، زَردٌ بلا أَسباب، حلمٌ تلاشى وراءَ قضبانِ السِّجن!

هُجومٌ عُدوانيّ، وتَفتيشٍ مُبعثر، تَحاشدٌ من الظُّلّامِ في بيتٍ لا يتكونُ من أكثرِ من غُرفتين... حكايةُ أسيرٍ فقدَ طموحه في ذلكَ الزَّمان...

في فجرِ اليومِ الرابعَ عشر مِن كانون الثّانِي، سَطَتْ قواتٌ مكثفةٌ من الاحتلالِ الإسْرائيليِّ على منزلٍ يحوي قلةً قليلةً من الأفراد، بهمجيّةٍ وقَسوة، فُتّشَ المنزلُ دونَ تركِ شبرٍ بلا اغتصابٍ وتَخريب، الرّفوف، الغُرَف،

الملابِس، حَتى أضْواءُ الإنارةِ لمْ تَسلمْ من أياديهِم العَابِثَة...

بعدَ أداءِ فريضةَ الفجرِ، وتوديع والديه وإخوانهِ الصِّغار، قُيّدت يداهُ وقَدماهُ بأصفادٍ ضيّقة، لم يَتسنّى لهُ رفعَ القبَّعةِ لِتدفِئةِ رأسِهِ في ذلكَ البردِالقَارس، اعتُقِلَ في بدايةِ دراسَتِهِ الجامِعيَّة، دونَ تبريرٍ للعُنفِ النَّفسيِّ الذي اعتُقِلَ بِه..

زنازين بنوافذَ تكادُ لا تُرى مِن صِغَرِ حَجمها، جُدرانُها باردَة كأنها معجونةٌ ببردِ الكفَن، أَسقُفِها يقْطُرُ منها الماءُ بتكرارٍ كنوعٍ من التَّعذيبِالنَّفْسِيّ، لا فراشَ ولا غِطاءَ يَقي من ألمِ البَرد، ظَلامٌ مُخيمٌ على أرجاءِ الغُرفَة!

يتنقّلُ مِن غرفةٍ إلى أخرى للتَّحقيقِ بتُهمةٍ فُرضَتْ عَليهِ هُو وآخرينَ من زملائِه، تهمة التَّخريبِ ضدَّ الاحتلال، والتَّمرُّد على مَنِ اغتصبُوا أرضَ الوطن، يبتزّونَهُ بأَغلَى ما يملكُ للإقرارِ بما لمْ يفعلْ.

لا أقرباءَ ولا أصدقاء، حُضنُ أمّهِ الدّافِئ وصوتُها كلَّ صباحٍ في أرجاءِ المَنزل، وفطورُها الشّهيّ الذي تعدّه لَه ولإخوانِه، عملِهِ البَسيطِ ودراسَتِهِالمتفوقَ بها، كلُّ ذلكَ حُرِمَ منهُ وهوَ لا يتجاوزُ التَّاسِعةَ عشرَ من عُمرِه!!

نُقلَ للعديدِ من السُّجونِ دونَ معرفةِ ذويه عن المكانِ الذي يقطُن به، في شاحناتٍ ضخمةٍ تُسمَّى "البوسطَة" كانوا يتنقلونَ بها من سِجنٍ لآخر،دونَ الإقرارِ بالحُكمِ الفِعليّ، ولا رؤية أيّ فردٍ من أفرادِ عائلتهِ لطَمأنتِهم عنه، قَضى ثلاثةَ سنواتٍ حتّى حُكِمَ بالسِّجنِ الفِعليِّ لثماني سنواتٍ مع سبقِ الإصرار!!!

في كلِّ لَحظةٍ كان يشعرُ بالأسى والحُزنِ والألم؛ لشدةِ اشتياقهِ لعائلتهِ التي حُرِمَ من عِناقهِم سبعَ سنواتٍ، دون مشاركتِهم بكلِّ لحظةِ فرح،ألم، حُزن، ولادة طفلٍ جديد..

قضَى "أنس" شبابهِ الضّائعَ في ذلّ العَدوّ المُحتلّ، الذي لا بُدَّ من زَوالِهِ عاجلاً غَيرَ آجلٍ،،

سنةٌ واحدةٌ تفصِلْهُ عنِ الحرّيّةِ، سنةٌ واحدة ويجتمعُ بأحبّتِه، لكن كمْ سَنَة ستكلّفهُ لنسيانِ كلّ هذا!!!