القدس- تقرير معا - تنقل المواطن المقدسي عبد الفتاح سكافي داخل منزله وفي ساحته مراقبا نمو ثمار الأشجار واخضرار النباتات التي زرعها منذ ٥٠ عاما ويعتني بها حباً وتمسكاً بالأرض، وفي خاطره ذكريات الهجرة في نكبة عام ١٩٤٨، ويقول :"مش قادر أتخيل أني أخرج من منزلي في يوم من الأيام..منذ سنوات ونحن نكافح لحماية منازلنا التي تأوينا بعد تشريدنا من منازلنا الأصلية، لكن إخطارات الإخلاء الأخيرة وملاحقتنا منذ سنوات تنذر بنكبة جديدة قادمة".
عائلة اسكافي هي واحدة من عائلات "كرم الجاعوني" الجزء الشرقي" من حي الشيخ جراح، والتي تسلمت قرارات إخلاء من محكمة الصلح الإسرائيلية، إضافة إلى عائلات الكرد والجاعوني والقاسم، ويقضي القرار بإمهالهم مدة شهر للاستئناف على القرار إضافة إلى دفع 70 ألف شيكل لكل عائلة "إتعاب محامين للمستوطنين"، وخطر التشريد يهدد حوالي 30 فردا بينهم أطفال.
بدأت عائلات " كرم الجاعوني" صراعها في محاكم الاحتلال منذ عام 1972، حين رفعت الجمعيات الاستيطانية ضد 4 عائلات بلاغات إخلاء بحجة ملكية الأرض، ثم تتابعت الإنذارات بالإخلاء وتمكن المستوطنون من الاستيلاء والسيطرة على 4 عقارات في الحي، حيث تدّعي الجمعيات الاستيطانية أنها تملك قطعة الأرض البالغة مساحتها حوالي 19 دونما منذ عام 1885. وأشار سكافي أن عائلات حي الشيخ جراح "الجزء الشرقي" وعددهم 28 عائلة عاشوا في منازلهم منذ عام 1956 عندما تم الاتفاق بين الحكومة الأردنية ممثلة "بوزارة الإنشاء والتعمير ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين"، على توفير المسكن ل 28 عائلة لاجئة في حي الشيخ جراح، وبالفعل وفرت الحكومة الأردنية الأرض، وتبرعت وكالة الغوث بتكاليف إنشاء 28 منزلاً مقابل تخلى العائلات عن بطاقة الإغاثة لصالح وكالة الغوث.
وأضاف اسكافي :"أبرم عقد بين وزارة الإنشاء والتعمير والعائلات عام 1956، وكان من شروطه "دفع اجرة رمزية على أن يتم تفويض الملكية للسكن بعد 3 سنوات، لكن ذلك لم يتم، ثم حلت حرب عام 1967 وبقيت القضية معلقة". وأوضح بعد احتلال القدس بعد سنوات، نفاجئ بادعاء ملكية اليهود للأرض التي بنيت منازلنا عليها، وبدأت معاناة جديدة لأهالي الحي لتذكرهم بمعاناة آبائهم وأجدادهم الذين هجروا من قراها وبلداتهم . وأوضح أن عام 2008 شهد إخلاء 3 عائلات وهي "الكرد والغاوي وحنون"، ثم عام 2010 أصدرت المحاكم قرارات إخلاء أخرى، ومنذ ذلك الوقت يعيش سكانها حالة قلق إلا أنهم صامدون فيها.
وتتضاعف معاناة عائلة اسكافي حيث يحيط منزلها البؤر الاستيطانية من كل الجهات وقال اسكافي :"حياتنا عذاب ونعيش حالة طوارئ، نعيش في غرف صغيرة لا يمكن فيها التوسعة والإضافة، نتعرض فيها لمضايقات عديدة، من ضرب ورش الغاز، وإزعاج واستفزاز بأي طريقة في محاولة لتهجيرنا."
وقال :" لا نترك منزلنا، وإذا ولد طلع نرافقه، زوجتي أقوم بتوصيلها إلى الشارع...فهناك حراس مسلحون يفتعلون المشاكل معنا، فيتعمدون مهاجمتنا وضربنا، ويستدعون الشرطة التي بدورها تقوم باعتقالنا، فهي بالأساس محاولة (تزهيق)، ومهما فعلوا أو دفعوا من ملايين لن نفرط بها". ويستذكر اسكافي أيام الطفولة فيها بالقرب من الأشجار التي زرعوها قبل 50 سنة، فيما يشاهد هذه الأيام أولاده وأحفاده في كل زواياه، ففيه ذكرى لكل شيء هنا، ويقول :"مش قادرين نتصور كيف الوضع راح يكون في الفترة القادمة".
عائلة الصباغ... حياة قلق وضياع
عائلة الصباغ وعلى بعد عدة أمتار من منزل عائلة اسكافي، يقع عقار عائلة الصباغ والمهدد بالإخلاء حيث تسلمت العائلة قرار الإخلاء مطلع عام 2019، وقدمت استئنافها عليه وبانتظار رد المحكمة، وقال محمد الصباغ :"منذ استلامنا قرار الإخلاء نعيش حالة من الضياع والقلق، فنحن أمام مصير مجهول ، هنا أحلامنا وحياتنا ومن الصعب مجرد التفكير الخروج من منازلنا".
الشيخ جراح هو مفتاح القدس
من جهته قال الناشط صالح دياب من حي الشيخ جراح أن قرارات محاكم الاحتلال تقضي كذلك بفرض غرامات على العائلات "سرقة منازل وسرقة أموال". وأضاف :"هذه القرارات تأتي انسجاما وتزامنا مع قرارات إخلاء أخرى في الجزء الغربي من الحي إضافة إلى طرح مشروع "وادي السيلكون" في حي واد الجوز الملاصق لحي الشيخ جراح، وتمتد المشاريع الى الأحياء والبلدات المجاورة المحيطة بالقدس القديمة والمسجد الأقصى". وأكد أن حي الشيخ جراح هو مفتاح القدس، فيما يتوجب العمل سويا لإيقاف المخططات الإسرائيلية.