السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

دراسة في يوم الطفل العالمي: رفع سن الزواج سيخفض نسب التسرب المدرسي

نشر بتاريخ: 19/11/2020 ( آخر تحديث: 19/11/2020 الساعة: 18:33 )
دراسة في يوم الطفل العالمي: رفع سن الزواج سيخفض نسب التسرب المدرسي

رام الله- معا- أعد فريق مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية (المرصد)، المؤسسة البحثية المختصة بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية، دراسة حول التسرب في المدارس الحكومية، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ومؤسسة إنقاذ الطفل. وتم إجراء هذه الدراسة انطلاقاً من أولوية الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي يعد الحق في التعليم من بينها، فسعت الدراسة إلى معرفة أسباب التسرب على المستوى الوطني، بتحديد الأسباب الأكثر تأثيراً في إفراز هذه الظاهرة، تجنباً لاجترار أسباب التسرب المتداولة في الدراسات التربوية، وتطوير فهم أعمق للتسرب، بتشخيص الواقع التربوي استناداً إلى التوجه الذي يحمله الطلبة أنفسهم، والعوامل التي دفعتهم نحو الانسحاب من النظام التعليمي، وبالموازاة يؤخذ تشخيص المرشدين التربويين على ذات القدر من الأهمية باعتبارهم المسؤولين جزئياً عن التعامل مع هذا الإشكال. كما ترصد الدراسة أرقام التسرب في مدارس مختارة، لاستقصاء العوامل الأكثر تأثيراً والمؤدية إلى التسرب. وذلك بما يخدم تطوير التدخلات والاستراتيجيات اللازمة للحد من حالات التسرب، بتحديد دقيق للمعيقات والظروف السياقية التي تحول دون استكمال المرحلة الدراسية وتدفع إلى انسحاب التلاميذ من العملية التعليمية، استناداً إلى تحليل المؤشرات والنتائج حسب النوع الاجتماعي، وخصائص أخرى للتلاميذ (الوضع الاجتماعي/الاقتصادي/ التعليمي للأهل) لتحديد مجموعات التلاميذ الأكثر تأثراً بالتسرب.

وجد فريق البحث أن فلسطين حققت خلال العشرين عاماً الماضية نسب عالية في زيادة معدلات الالتحاق وتخفيض نسب التسرب في المرحلة الأساسية، وحسب مؤشر )الالتحاق الصافي الكلي( تصل النسبة إلى 98.1% (إناث وذكور)، إلا أن التدقيق في هذا المؤشر يسفر عن أن 2% من الأطفال ممن هم بسن الالتحاق لم يقم الأهل بتسجيلهم، وقد يكون ذلك نتيجة للعديد من العوامل (أطفال ذوي/ات إعاقة وغير ملتحقين بأي نظام تعليمي، هجرة الأهل، عدم توفر مدارس قريبة، تغيير مكان السكن، الإهمال، عدم الوعي الكافي، الوضع الاقتصادي، أطفال فاقدي الرعاية الأبوية، ......)، ولم تظهر البيانات تحسناً في معدلات الالتحاق في المرحلة الثانوية، حيث أن بيانات 2018 -2019 مقلقة وسجلت تراجعاً عن الأعوام السابقة. فبلغ معدل الالتحاق الصافي في المرحلة الثانوية 63.6% في الضفة الغربية وارتفع في قطاع غزة إلى 72%. ومن ناحية النوع الاجتماعي في المرحلة الثانوية فإن الفجوة كبيرة بين الإناث والذكور بواقع 21 نقطة مئوية لصالح الإناث. مما يقتضي العمل على مسألتين؛ الأولى محاربة الصورة النمطية السائدة بتوصيف المجتمعات العربية والفلسطينية، بأنها تحمل توجهات سلبية تجاه تعليم الفتيات، والمسألة الثانية تتمثل في ضرورة العمل على إيجاد معالجات وسياسات تدخل خاصة بالطلاب الذكور تطيل من بقاءهم في النظام التعليمي.

توصي الدراسة بإعادة النظر بالتعريفات وأدوات التصنيف المتبناة، لقياس مسألة التسرب منهجياً، والتي قد لا تعطي تحديداً دقيقاً للظاهرة محل البحث، فالتعريف الذي يحدد أدوات القياس ومتغيراته، يساهم في تحديد النسب إلى حد كبير، فيميل التربويين إلى وضع مفهوم التسرب لقياس مراحل معينة لترك الطلاب لمقاعد الدراسة (قياس التسرب وفقاً لكل مرحلة تعليمية: مرحلة رياض الأطفال، أو مرحلة التعليم الأساسي، مرحلة التعليم الثانوي(، وطبقاً لهذا الفهم يسجل التسرب نسباً منخفضة في فلسطين، فإلى جانب احتساب معدل التسرب حسب الصف الدراسي، هناك مؤشرات لابد من توافرها لتشخيص الواقع التربوي كاعتماد المؤشر المتعلق بمعدل القيد الانتقالي، مقترناً بالمعدل الصافي للالتحاق بالصف الأول للمستوى الابتدائي، لتقديم تشخيص تربوي موسع اعتماداً على تحليل الفوج الفعلي الذي يلاحق التلاميذ الذين دخلوا الصف الأول من مرحلة تعليمية في السنة نفسها، وتقدمهم اللاحق، وهذا يتطلب جمع البيانات إحصائية فردية حول (الترفيع إلى صفوف أعلى، والاعادة، والتسرب)، لدراسة معدل الانتقال والذي يتم طوال 12 عاماً دراسياً للفرد الواحد، باعتباره أكثر قدرة على رصد أعداد الطلبة المنسحبين من النظام التعليمي بناءً على تتبعهم منذ السنة الأولى، كمؤشرات يمكن الاستناد إليها لرصد قدرة الاحتفاظ في النظام التربوي.

وقد خلصت الدراسة إلى أن: رفع سن الزواج 18 عاماً لكلا الجنسين يسهم مستقبلاً في تخفيض نسب التسرب من المدارس الناتجة عن الزواج المبكر والذي أصبح غير قانوني، ويشكل هذا التعديل حماية لمئات الأطفال من الإجبار على ترك مقاعد الدراسة بغرض الزواج الذي تفرضه العائلة، وسيكون لهذا القرار بقانون أثره على إطالة العمر الزمني للطلبة في المرحلة الثانوية.

مع عدم حدوث تغيرات في النظرة للتعليم وتغيرات اقتصادية في مستوى دخل الأسر يصبح أيضاً التسرب هنا مكرراً خاصة مع ارتفاع عدد افراد الأسرة، وتشير نتائج الدراسة الى أن تسرب الذكور يتم ربطه عادة بمساعدة الأسرة في توفير الدخل من خلال الالتحاق بسوق العمل، لكن مع الفتيات التسرب يرتبط بصورة ملفتة مع الزواج المبكر، ويعود أيضاً في جزء منه لأسباب اقتصادية متعلقة بتخفيض الإنفاق داخل الأسرة، وهذا ما تظهره بيانات الأعوام العشرين الأخيرة حيث سجلت مشاركة الفتيات ضمن عمل الأطفال نسب متدنية جداً.

وبعيدا عن التنميط فإن مؤشر ارتفاع عدد أفراد الأسرة، وتدني مستوى الدخل والمستوى التعليمي ليست بالضرورة عوامل حاسمة في تسرب الطلبة/ات، لكنها عوامل تشكل سمة للطلاب/ات المتسربين/ات، بمعنى أن الأسر التي تسجل نسب منخفضة في الدخل والمستوى التعليمي مقابل ارتفاع عدد أفراد الأسرة، ليس بالضرورة أن يتسرب ابناؤها من النظام التعليمي، لكن من يتسربون تسجل أسرهم نسب منخفضة في مؤشري الدخل والمستوى التعليمي. لكن ارتباط هذه العوامل مع عامل تدني التحصيل لدى الطالب/ة تشكل أحياناً عوامل حاسمة للخروج من النظام التعليمي.

تسجل نسب تسرب منخفضة في العائلات التي يكون تحصيل الأب والأم الأكاديمي عالياً، حيث تظهر نتائج الدراسة أن نسب التسرب تقل كلما ارتفع المستوى التعليمي للأم والأب. يعتقد فريق البحث أن تأثير هذا العامل سينخفض مستقبلاً وبصورة منتظمة مع ارتفاع نسب التعليم في المجتمع الفلسطيني.

اتباع سياسة مشتركة بين الوزرات ذات العلاقة (وزارة التربية والتعليم، والتنمية الاجتماعية، ووزارة العمل) تؤدي إلى نتائج عملية في وقف التسرب في المراحل التعليمية المختلفة، فالعمل التكاملي سيؤدي إلى تخفيض نسب عمل الأطفال في الفئة العمرية 10 – 17 سنة والتي تبلغ 2.5% بواقع 3.3% في الضفة الغربية و1.4% في قطاع غزة. كما يؤكد فريق البحث أن الاستثمار في التعليم ورفع كفاءة النظام التعليمي وقدرته على الاحتفاظ بالطلبة تحديداً في المرحلة الثانوية سيؤدي الى خفض نسب البطالة العامة في المجتمع الفلسطيني تحديداً في الفئة العمرية 15-17سنة.

التعرض للإجبار لترك المدرسة سجل نسب أعلى نسبياً بالنسبة للإناث، فأشارت 11% من الإناث إلى أنهنّ تعرضنّ للإجبار من قبل الأسرة لترك المدرسة، و6% من المبحوثات أشرنّ إلى أنه أحياناً يتعرضنّ لضغوط من قبل الأسرة لترك المدرسة. ولعل ذلك مرتبط بالعديد من العوامل منها الزواج المبكر، وبعد المدرسة عن مكان السكن، العادات والتقاليد، الإعاقة... الخ.

ما زال أمام النظام التعليمي جملة من التحديات الداخلية (تخفيض الاكتظاظ، عمل المواءمات اللازمة للإعاقة، توفير الكوادر البشرية، التدريب الملائم ..الخ) والتي من شأن العمل عليها وتحقيق نتائج ملموسة فيها أن يساهم في خفض نسب التسرب. فضلاً عن حقيقة أن الانقطاع عن التعليم الوجاهي منذ آذار 2020 قد أضاف تحديات جديدة للنظام التعليمي والذي حكماً سيؤدي إلى مضاعفة مشكلات التحصيل والقدرة على القراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية، وان كانت هذه تأثيرات مؤقتة ومرتبطة بالحالة الراهنة، إلا أنها ستترك أثرها على المدى الطويل، ومن المتوقع أن تترك اثراً سلبياً على المعدلات العامة لنسب التسرب تحديداً في المرحلة الثانوية.