بقلم: د. صبري صيدم
جولة مكوكية أخيرة يقودها طفل السياسة المدلل لدى ترامب صهره جيرالد كوشنر باتجاه ما قيل إنه ترتيب لبعض الأوراق، بما فيها تحقيق مصالحة خليجية – خليجية.
ورغم أن الصلح خير بين الأشقاء لا محالة، فإن أحداً لن يقتنع بمن فيهم جمهور المتصالحين، بأن كوشنر وحماه المنتهية ولايته، يحرصان على خير الفرقاء، أو أن حسهم الإنساني المرهف المزعوم وغيرتهما، هما من دفعا باتجاه هذه الموجة التصالحية.
فالحقيقة أن الحرص المصطنع إنما يأتي استمراراً لتنفيذ الرؤى الصهيونية، ورغبات الاحتلال الإسرائيلي، حتى اليوم الأخير من وجود فريق ترامب في السلطة.
فالأولوية لن تكون لازدهار دول الخليج ورفعتها، وإنما لضمان ترتيب الأمور عبر تقليم مقنن لأظافر إيران، من دون إعطاب قدراتها على الترهيب، حتى تبقى فزاعة السياسة التي يشجع الخوف منها على التطبيع مع إسرائيل، وحتى يضمن ترامب وفريقه تفوق طهران النوعي، بصورة تدفع دول الخليج نحو دوام شراء السلاح الأمريكي، بحجة ضرورة الدفاع عن النفس، وحماية آبار البترول، وحتى تستمر أيضاً حالة التوتر والحرب المزعومة، لضمان التفوق الفعلي لإسرائيل وقدرتها على لعب دور الضحية التي تعيش في جو مصطنع من المخاطر والترهيب، اللذين يستوجبان تقدمها العسكري، وتغليف عملها الميداني ضد فلسطين وخارجها، بأنه دفاع مشروع عن النفس والحق في الوجود.
إسرائيل يا سادة، هي بالنسبة لكوشنر وللجوقة ذاتها التي اجتاحت حياتنا على مدار السنوات الأربع الماضية، الهدف والرسالة، وهي الحيلة والوسيلة وهي أيضاً الحجة والحاجة، لذلك لا صلح ولا ود ولا توافق ولا تواد، إلا بما يضمن أمن إسرائيل قبل أمريكا، كما أن فريق ترامب المغادر للبيت الأبيض، إنما يسعى في الوقت ذاته لاستمرار دعم مصالحه المادية عبر إسرائيل وداعميها في أمريكا، ومساعدة ذلك الفريق – أي فريق ترامب – في العودة إلى البيت الأبيض في حملات رئاسية مقبلة، يكون كوشنر أو زوجته أو حتى ترامب أبطالها.
ورغم محاولة ترامب إقناع ناخبيه بشعاره المعتاد: «أمريكا أولاً» إلا أن الشعار الفعلي هو: «إسرائيل أولاً» «إسرائيل والباقي تفاصيل».
أمن إسرائيل وحمايتها واستدامة احتلالها وضمان استمرار عجلة التطبيع معها إنما يخدم مصالحها، ويشكل الهدف والوازع والمبتغى بالنسبة لكوشنر و»شلة البيت الأبيض» من «جماعة ترامب».
المشكلة أن الكثير من أبناء جلدتنا يعون حتماً مغزى الرسالة والهدف، لكنهم دائماً ما يدفعون نحو خيارات صعبة تقود إلى توالي المسرحيات المكشوفة، والألاعيب المملة، التي دمغت عالمنا العربي منذ ما قبل الاحتلال المباشر، الذي اعتدنا على تسميته بالاستعمار. إن استعمار العقول، والاستخفاف بها، واللعب على التناقضات وجر الإشقاء إلى مربعات الانقسام والاختلاق والشقاق، وتوظيف أمراء الحرب واختلاق المعارك السياسية، وزرع الفتنة وتطويع الأصولية واستغلال الديمقراطية، وتسميم العقول واصطناع التهديد، إنما تشكل في مجملها أدوات استعمارية مكشوفة.
ولعل الفرق بين سماسرة الخلافات في الشرق الأوسط وغيرهم في العالم، إنما يكمن في القدرة على إدارة الأزمات وتوظيفها لخدمة هدف محدد، يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي، وما أظن أن أحداً قد تفوق في هذا الجهد تجاه دولة الاحتلال كما تفوق ترامب.
لذا وجب على الجميع التيقن من أن الإنسانية المزعومة في عالم السياسة ليست إلا منصة مجبولة بالخبث والمكر، بحيث يشكلان مجتمعين منصة مؤقتة ومخصصة لتحقيق الهدف المطلوب البعيد كل البعد عن الإنسانية.
نحن حتماً نريد لدول الخليج الخير والصلح والتلاحم والقوة الحقيقية، البعيدة عن وصاية أحدٍ على أن تستمر أيضاً هذه الدول في عملها وتصالحها ومواقفها مع فلسطين والفلسطينيين، تماماً كما قال الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين ذات يوم: ظالمة أو مظلومة!