بقلم: د. صبري صيدم
من السهل أن يعرف الإنسان في عالمنا العربي، وعبر تصفح بسيط لمنصات الإعلام الاجتماعي، مسار الأمور ومآلها في حياتنا، وأن يشخص أحوال المجتمع بكامل محنه وتحدياته واهتماماته وهمومه، إذ ليس من الصعب أن تجد هناك ما يدلّ على الواقع العربي، وكامل تفاصيله بما لها وما عليها.
الناس في بلادنا وفي معظمهم لم يعودوا يكترثون لحديث الثقافة والعلم والأدب منذ زمن، فأمة إقرأ لا تقرأ، أو بالأحرى لا تقرأ إلا ما يدور في عوالم الإثارة والخلافات والإشاعات والفتاوى والشكاوى والفضائح، وصولاً إلى محاولة الإفتاء في عالم الأوبئة وسبل التعامل معها.
فبعد أصبع «الكفتة» السحري لعلاج السرطان، دخلنا في وصفات علاج كورونا المقترحة لنسمع عن «الشلولو» واليانسون والخلطات العشبية المختلفة، وصولاً إلى مزيج الخل والليمون والثوم والزنجبيل، والقائمة تطول من الادعاءات التي تناقلها عالم الفيسبوك ومجموعات الواتس آب، بوتيرة تفاوتت من حيث الكثافة والمصداقية، وعكست حالة متطورة من الإفلاس الفكري وسطحية التعامل مع القضايا الحساسة.
رحلة طويلة مرت خلال الأشهر الماضية، تعرفنا فيها على شخصيات لم نسمع بها من قبل، وأطباء وعلماء عرب لم يسبق لنا أن تعرفنا عليهم، وهو ما خلط الحابل بالنابل، والصالح بالطالح، لنجد أنفسنا أمام جيل عربي من رواد الفيسبوك، الذين يحلو لي تسميتهم بـ»الفسابكة».
جيل «الفسابكة» العرب «الخبراء» أبحر في عالم الأمراض الصدرية والأوبئة والعلاجات العشبية والدوائية وفتاوى التطبب والوقاية بصورة ملأ فيها فراغ وقته بالنصائح غير المسندة، والقفشات والنكات والوصفات والخزعبلات التي ميزت عام 2020.
ومع تصاعد الحديث عن اللقاح وتسابق التسلح بالتطعيمات، قبيل اعتمادها من منظمة الصحة العالمية، تحوّل «الفسابكة» نحو تحليل اللقاحات، والتحزب معها أو ضدها، مضافاً إليها سيل من النكات التي من الواضح بأنها تتفاقم مع كل يوم وصولاً إلى عالم السياسة، إذ كتب أحدهم تحت صورة لرئيس وزراء الاحتلال الصهيوني وهو يستقبل اللقاح الجديد: الفيروس (والمقصود نتنياهوش) في استقبال اللقاح! بينما كتب أحدهم: كنا نخاف من الوباء، وقد جاء الوقت لنخاف من اللقاح.
والآن ومع إعلان بريطانيا عن نسخة جديدة من فيروس كورونا، ترتقي إلى مسمى كوفيد 20 نسبة إلى عام 2020 ، فإن العالم العربي على موعد جديد مع استمرار «الهرج والمرج» في عالمي الفيروسات واللقاحات، وما بينهما من تداعيات خطيرة طالت الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة، ولتستمر معها المساعي المحمومة لإعادة رسم خريطة العالم وأولوياته.
عالم يحكمه فيروس، وفيروس تقابله خزعبلات، وخزعبلات يصنعها «الفسابكة» العرب، تارة من باب الجزع وتارة من باب «التنفيس» والترويح المعنويين.
وبين هذا وذاك نشهد فتاوى صحية للأطباء العرب، تحلق في عالم الاجتهاد والترهات بصورة تبدو وكأن البعض يريد لنفسه «منصة تلميعية» من دون أن يدقق في تفاصيل ما يقول.
ولعل أبشع ما يرتبط بهذا الأمر هو استمرار تعامل الشارع العربي معه بأنه في حكم المسلم، حتى أن البعض يسارع للتطبيق. ويساهم مجتمع «الفسابكة» في تناقل هذه «الفتاوى» بصورة قد تكون قاتلة لبعض المجربين.
ولهذا لا بد من التذكير بأهمية التريث في التعامل مع يلقيه علينا عالم الفضاء الإلكتروني من اجتهادات ستحتدم مع ولادة كوفيد 20.
فإما أن نرحم الناس في ما نكتب أو يستمر الجهل والقتل في ما ننقل. القرار حتماً لرواد العالم الافتراضي.