الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

شُلّت يُمناك أيّها العم العاثر الغادر

نشر بتاريخ: 19/12/2020 ( آخر تحديث: 19/12/2020 الساعة: 00:00 )
شُلّت يُمناك أيّها العم العاثر الغادر

الكاتب: السفير منجد صالح

يقولون انّها قصّة، "رواية أغرب من الخيال"، حكاية تُشابه الخيال، أمّا في هذه الحالة فإن الخيال أصبح حقيقة، حقيقة دامغة واقعة قاتلة دامية.

كان المرحوم أبو عمّار يُردد مقولة شهيرة: "ما لقيوش في الورد عيب فقالوله يا أحمر الخدين!!!".

وما نحن بصدد الولوج والإفاضة فيه يندرج في إطار هذه المقولة المُعبّرة، وأيضا في إطارٍ شبيهٍ بما يُمارسه الإحتلال الإسرائيلي الغاشم على العديد من الكوادر الفلسطينيين بتطبيق سياسة "الإعتقال الإداري" التعسّفي الذي لا يستند إلى أيّ أساس قانوني ولا إلى وقائع، وإنما يعتمد جُزافا على شكوك وتهيّؤات و"أضغاث أحلام" و"تقارير سرّية" يختلقها المحتل الغاصب المتغطرس ضد الشباب الفلسطيني، من أجل زجّهم في غياهب المعتقلات، ومن ثمّ البحث عن تبريرات وعن دليل إدانة إن وُجدت!!!.

ومع هذا الموضوع الذي نحن بصدد طرق بابه تقفز مقولة "شرّ البليّة ما يُضحك" لتغدو شرّ البليّة ما يُبكي ويُدمي الُمُقل والقلوب ويؤذي المشاعر الإنسانية ويجعل الصخر يصرخ و"يتفتفت" من ظلم العباد ومن ظلم الأقارب، فالأقارب عقارب وثعابين وخناجر مسمومة.

وبما أننا ما زلنا في بند شرّ البليّة ما يُضحك ويُبكي على حدّ سواء، أستحضر طرفة "حسني البورزان" في المسلسل القديم "صح النوم" مع غوّار الطوشة، عندما كان يُحذّر "بأنهم" يقصّون أذنا لكل من لديه ثلاثة آذان، فجاءه الردّ أن لا مشكلة فلدى الناس أذنان فقط، فأردف البورزان قائلا أن المشكلة تكمن في أنّهم يقصّوا أذنا أوّلا ومن ثمّ بعدها يعُدّوا!!!

أرجو أن لا أكون قد تسببت في أن أعيل صبركم بمقدّمات ربّما تبدو مُبهمة قليلا، فالموضوع جلل ومهول وهول وفظيع وغريب وعجيب وصعب التصديق في الألفية الثالثة وفي عصر الإنفتاح والعولمة والإنترنت:

عم، والعم غم، كما تقول المقولة الشعبية المتوارثة، "يُلاحق" ابنة شقيقه الغائب للعمل خارج الأردن، يترصّدها ويتابعها "على الدكرة"، في جامعتها وفي البيت وفي حياتها.

يُريدها أن تكون قطعة "ملتينة" في يديه "يعجنها" كما شاء ويجعل منها أشكالا وألوانا وعالما خاصا به وليس بها.

يُناصبها عداء مجّانا دون داع ولا مُبرّر، وهو الوصيّ عليها بحكم غياب والدها، فهو يقوم ب "دور العم ودور الأب" في نفس الوقت.

صبيّة جامعية تحاول أن يكون لها شخصية واستقلالية نسبية، تتصرّف كشابة جامعية، كبقيّة زميلاتها لا أكثر ولا أقل.

فلماذا عمّها يغضب؟؟

لماذا "تتنطط" شياطين الأرض و"تُعشعش" في مُخيّلته الضحلة؟؟

شكوكه كانت تحوم حولها ومن خلفها، بأنّها تمشي "مشيا بطّالا" أو أنّها "دايره على حلّ شعرها"، لكنّه لا يجد أي دليل مادي محسوس ولا ملموس ولا "ممسوك" لشكوكه وظنونه و"هلوساته".

أصبح الموضوع والوضع يؤرّقه، "يُطيّر النوم من عينيه"، ربّما أصبح هوسا، "حط الصبيّة في راسه".

في يوم من أيام عام 2016 لحق العم المُثقل بالظنون والشكوك و"التياسة" ابنة شقيقه اليافعة المُنطلقة الحالمة الوادعة الوديعة.

لحق بها إلى "حرم جامعتها"، إلى منبر العلم ونبع الأمل. استدرجها إلى زاوية مُنزوية في الجامعة أين استلّ خنجرا من عبّه غرزه عميقا في بطنها فأرداها صريعة.

حسب إعترافات "العم" أمام النيابة العامة، فقد زعم أنّه قتلها "لأنّه رآها في الحُلم تُمارس الرذيلة!!!"

لقد رآها في المنام "تمارس الجنس"؟؟؟!!!، فلم يُكذّب حلمه منامه كابوسه هلوسته جنونه أنانيّته ساديّته "إرهابه" غطرسته، نذالته.

لم يجد في وردها عيب فقال له يا أحمر الخدين، وأنشب أنيابه المسمومة في جسدها الغض وسالت قناة من حمرة دمها المسفوك على ثرى جامعتها وأملها ومستقبلها فأصبحت جثّة هامدة.

لم يستطع أن "يمسك" عليها دليلا واحدا، ولا زلّة واحدة، يُثبت تورّطها فيما كان يعتقده ويتخيّله و"يُعشش" في رأسه، فما كان منه إلا أن "إعتقلها" وحشرها في "زنزانة" في "قرنة" في جامعتها، وحكم عليها دون محاكمة ولا مرافعات حُكما بالإعدام فورا وميدانيّا، حُكما نافذا ب"الإعتقال المؤبّد" في نعشها وقبرها.

وصدر في الصحف عنوانا يقول: "أردني يقتل ابنة أخيه بعد حُلمه بها تُمارس الجنس .. هذه عقوبته".

أصدرت محكمة التمييز بصفتها الجزائية قرارا بتخفيض العقوبة الصادرة بحق "قاتل ابنة أخيه" من عقوبة الإعدام شنقا إلى عقوبة الأشغال الشاقة لمدة 20 عاما، بسبب إسقاط والد ووالدة المجني عليها حقهما الشخصي، ومن ثمّ خُفّضت إلى الأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات لشمولها بقانون العفو العام.

"هكذا تورد الإبل"، مع الأسف الشديد، في بعض مجتمعاتنا العربية المحافظة "المُتزمّة" التي ما زالت تتلحّف بجلد البعير وهي تسافر في سيارة مرسيدس فارهة وتسكن في شقق عمارات مُترفة.

"إن بعض الظن إثم".

العارفون ببواطن الأمور وأسرار العائلة أكّدوا أن العم كان قد فشل في دراسته كطالب جامعي بينما الصبيّية كانت ناجحة مُبرّزة. فهل هي غيرة فشله من نجاح ابنة أخيه؟؟؟

سيكولوجية الفشل تملّكته فأصبح نجاح الصبية يؤرّقه ويُذكّره كل لحظة بهوانه وب"دونيّته"، فقابل نجاحها، عنفوانها، سلامها بعدوانيّة عنف خنجره.

شُلّت يُمناك أيّها العم العاثر الغادر.

كاتب ودبلوماسي فلسطيني