السبت: 28/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

يوسُف..

نشر بتاريخ: 08/01/2021 ( آخر تحديث: 10/01/2021 الساعة: 18:48 )
يوسُف..


بيت لحم- معا- من أميرة عبادي- "قمت حملت الكاميرا عشان أوثق الإصابة اللي تحت التلة اللي انا فوقها، فجأة محسيتش برجلي الثنتين، ووقعت ع الارض أنا والكاميرا"، قال يوسف هذه العبارة بتنهيدة عميقة بينت كمية الألم الذي من الصعب أن يشفى.
"أنا إسمي يوسف الكرنز مصور صحفي فلسطيني من غزة تحديدا من مخيم البريج" هكذا عرف عن نفسه يوسف بفخر وبعينين تلمعان.
بتاريخ 30-3-2018 يوم الارض، توجه الشاب يوسف الى المسجد ليؤدي صلاة الجمعة، ويومها بدأ أول يوم من مسيرات العودة الكبرى في غزة.
قال يوسف:"بعد صلاة الجمعة جلست أعلى تلة كي أكشف المسيرة، وأقوم بالتصوير وأؤدي واجبي كصحفي فلسطيني، وفي ذلك الوقت اصيب شاب امامي والتقطت هذه الصور، وبعد برهة من الوقت أصيب شاب اخر أسفل التلة التي كنت عليها، وهنا حملت الكاميرا لتوثيق هذه الاصابة، وفي هذه اللحظة بدأ كل شيء...."
كانت هذه اللحظة التي غيرت كل حياة يوسف، لحظة مدتها الثواني، قلبت كل حياته، كيف يمكن لحدث لم يستغرق الدقيقة أن يغير حياة كاملة؟
يقول يوسف: "في تلك اللحظة لم أشعر برجلي، ووقعت على الارض، وأتى الاسعاف واخذني، لم أشعر بشيء، ولم يخطر على بالي أنه في تلك اللحظة حياتي ستنقلب وسأفقد جزءا مني للأبد".
ويضيف: "شعرت خلال نقلي بسيارة الاسعاف أن شيئا مني مفقود، وكانت الكاميرا مفقودة، ولا أعلم أين هي أو مع من إلى اليوم".
في تلك الاثناء تم نقل الجريح يوسف الى مستشفى الأقصى، وكان بحاجة الى عملية مستعجلة، وبسبب قلة الامكانيات المتاحة لاجراء العملية، تم نقله الى مستشفى الشفا، حيث تم اجراء العملية التي استغرقت ست عشر ساعة.
وبعد انتهاء العملية، مكث يوسف في العناية المكثفة أسبوعا، ثم نقل إلى قسم الجراحة، وهناك أخبر الطبيب والد يوسف بأنه مضطر لنقل ابنه الى العلاج بمستشفيات الضفة، أو سيقوم الأطباء ببتر قدمه اليسرى إن بقي في القطاع.



وهنا كان القرار صعب على الوالد، ولكن التنقل بين غزة والضفة الغربية ليس بهذه السهولة، لذلك حل الصباح، وتم بتر قدم يوسف اليسرى ودفنت في غزة.
يقول يوسف: "بعد فترة استطعت الخروج من غزة الى الضفة الغربية، وتوجهت الى مستشفى الاستشاري برام الله، كي انقذ رجلي اليمنى".
وأضاف: "أنا الان اتلقى العلاج في الضفة، ورغم ذلك أشعر بأنني أعيش في وهم، لا يوجد حقيقة لكل شيء، والبيت الذي أسكنه، وكل شيء من حولي وهم، ولكن الشيء الحقيقي هو المخيمات، ومعاناة المخيمات، ووجود الاحتلال".
استطاع يوسف التعايش مع قدم واحدة، واستبدل قدمه المفقودة بعدسة كاميرته التي تعكس الحقيقة وتوثيق المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في المخيمات، وكان هذا الفقدان ضريبة للوطن والحقيقة قدمه هذا الصحافي.

وتداهم يوسف المثقل بالهموم مشاعر الدعابة التي عرف بها، فيقول ساخرا، إنه عندما يشتري حذاء جديدا ينخلص من "الفردة" اليسار قبل وصوله إلى البيت.



وبكمية الألم الذي رسم على ملامح يوسف، الا أن بريق عينيه اللامع ونظرته الحادة تبعث الأمل والقوة والارادة.
ويضيف في النهاية: "أنا والمخيمات منشبه بعض، أنا بفقد غزة، وجسمي بفقد رجلي المدفونة بغزة، والمخيم بفقد الوطن"....

يوسُف..
يوسُف..