بقلم: د. صبري صيدم
مجنون هو هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم، ليس لغرابة أطواره فحسب، بل لما يستمر في حمله من مفاجآت وأحداث متواصلة تشق طريقها نحونا مع كل دقيقة وساعة ويوم. عالمٌ لم يترك حجرا على حجر في مساحات ومواقع وقطاعات عدة.
في مقالي اليوم، لن أزعج القراء الأكارم بالحديث عن الكونغرس واقتحامه، ومغامرات ترامب وخططه وحروبه ونزواته وسقطاته، لأن الأقلام حول العالم قد نزفت في كل الاتجاهات بجولات لن تنتهي من التفاسير والتحليلات والتكهنات، خاصة بعد ليلة سقوط الكابيتول، وانهيار منظومة كاملة شكّلت كما أفلام الخيال الهوليوودية عالماً منتفخاً من المغالاة في التباهي بالأمن والنجومية.
كما أن ما مرّ من تفاصيل ومجريات تخص هذا الموضوع، كنت قد أشرت إليها في مقالين سابقين استعرضت فيهما احتمالات تعامل ترامب مع خسارته للانتخابات، لنجد أنفسنا اليوم أمام عالمٍ يحسب مليون حساب لكل دقيقة يقضيها هذا الرجل على مقعد الرئاسة.
ما أريد فقط ان أقوله هو أن ما جرى خلال الأسبوع المنصرم في أمريكا، كتب حتماً تاريخاً جديداً في عالم السياسة.
لن أدخل بإسهاب أيضاً في أهم حدث تقني شهده الأسبوع الماضي، بعد أن كتب أحدهم وفي تغريدة له في أمريكا من جديد، كلمتين اثنتين غيرتا مسار الأمور في عالم التكنولوجيا والمال، بعد أن قررت شركة واتس آب تغيير سياسة الخصوصية المرتبطة ببيانات مشتركيها، الذين يزيد عددهم على 2 مليار مشترك، وهو ما دفعهم للبحث عن بدائل. إيلون ماسك رجل السيارات الكهربائية «تيسلا» وفي إشارته لشركة «سيجنال» عبر تغريدته المذكورة كبديل مقترح لواتس آب، قاد إلى رفع قيمة الشركة المذكورة، وخلال دقائق، إلى 11 ضعفاً ليصبح سهمها الذي وقف عند حاجز الستين سنتاً أمريكياً ذات يوم، أكثر من سبعة دولارات من حيث القيمة، وهو ما نقلها من قيمة سوقية لم تزد عن 55 مليوناً، إلى قيمة جديدة وصلت إلى 600 مليون.
تدفق المستخدمين المهاجرين إلى بيئة «سيجنال» أدى إلى إغراق خوادم الشركة المذكورة بالطلبات، وهو ما أدى إلى تعطلها مؤقتاً إلى حين أن تمكن مهندسوها من استيعاب الصدمة السعيدة. هذه حادثة أخرى سجلها الأسبوع المنصرم لتكتب من جديد تاريخاً مهماً في عالم الاتصالات والتقانة والمعلوماتية.
ما أردت فعلياً الكتابة عنه هو ما حصل أيضاً في الإسبوع ذاته، حيث ودّع الممثل الإنكليزي الشهير رون آتكينسون صاحب شخصية «مستر بين» الهزلية عالم الكوميديا بعد أن أدخلت شخصية «السيد فاصولياء» السعادة والطرفة والضحك إلى قلوب مئات الملايين من البشر حول العالم.
«مستر بين» قال إنه لم يعد يحتمل الاستمرار في الشخصية ذاتها، لما تحمله من أعباء كبيرة لا يقدر على العيش معها أكثر، وهو ما أحزن كل من وصل حبهم للشخصية حد الإدمان منذ ثمانينيات القرن الماضي.
هموم هذا العصر أثقلت كاهل البشر في عام كورونا والانهيار الاقتصادي الذي صاحبها، وحرب عمالقة المال وغيرها، لتبقى الكوميديا هي المساحة الأهم في عالم الهم والشكوى.
لكن تعاسة هذا الزمن لم تترك حتى أصحاب الكوميديا بعيدا عن شرورها، فطالتهم وأجهزت على بقايا الضحك والهزل، وجعلت من «فاصولياء» الكوميديا رجلاً حزيناً غير قادر على إسعاد الناس بعد اليوم وذلك لشدة الهموم والمصائب.
حرب المصائب قد تطال المزيد من الضحايا، خاصة مع استدامة مساحة الألم في هذا العالم بصورة تجعلنا نقول ماذا بعد؟