الكاتب: السفير منجد صالح
تزوّجا منذ 18 عاما. خيّم الحب والودّ والوئام والهدوء على عشّهما الزوجي. لم يُنغّص حياتهما إلا عدم "الخلفة". لكنّهما كانا قانعين قنوعين راضيين مرضيّين شاكرين صبورين مُتقبّلين ل قدر الله.
الناس في القرية عادة ما "يُثرثرون" ويقولون أنّ جمال وحفيظة هما أشبه ب"حمامتي سلام"، "فولة وانقسمت نصين"، هما ك"أخوين" توأم لم تلدهما نفس الأم.
ذات صباح استفاقت حفيظة من نومها باكرا مذعورة، رأت السماء تصرخ رعدا مُخيفا، ورأت تنّيناً أزرق اللون ينفث نارا تُشعّ برقا يخطف الأبصار. ورأت هطول أمطار وثلوج في الوقت ذاته، وتفجّرت الينابيع وإنهمرت السيول تُحاصر بيوت القرية المُتواضعة في معظمها.
وفجأة هدأت السماء وانقشع كل شيء، وبدا لها قوس قزح مُلوّنا في كبد السماء الصافية، في "عزّ الصيف"، يحتضن طفلا بهي الوجه يبتسم لها!!
أيقظت جمال من "عزّ نومه":
قم قم، أرجوك، أريد طفلا، قالت بإصرار.
أنت طفلتي المُدلّلة، أجابها جمال نصف نائم.
لا تمزح، أريد طفلا حقيقيّا، أردفت.
وهل سنشتري طفلا من "السوبرمارت"؟؟ زاد جمال من مزاحه وظرافته.
لكن "ركبت حفيظة رأسها" هذه المرّة، وأصّرت على جمال ضرورة الزواج بحثا عن وريث وعن "زينة الحياة الدنيا"، وعن ... "الطفل القابع في أحضان قوس قزح".
لم تعد تُطيق البيت الهادئ، ترغب في طفل يملؤه صراخا وجلبة، تُريد أن ترى البيت يعجّ بالأطفال في احتفال عيد ميلاده الأول، كنحلات "مزركشات" يتحلّقن حول زهرة.
تُريد أن ترى النساء "الثرثارات" وهن يُهنئنها، وجها لوجه، بقدوم الطفل، وريث عرش العائلة، بدل "الوشوشات والتنهيدات والغمز واللمز" من وراء ظهرها.
لكنّ جمال ما يزال يُعارض بشدّة، وأصبح عناده غير مُبرّر. في البداية، التجأ إلى المقولات الشعبية لتثبيط رغبتها الجامحة:
"المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين"، "والواحد ما بياخذ غير نصيبة"، "وهيك الله كاتب لنا".
وأخيرا قال فيها وفي حُبّه لها قصائد شعر وغزل. قال فيها "ما لم يقل مالك في الخمر"!!!
حفيظة، رغم أشعاره وأفكاره وأمثاله وأبحاره وقوافيه، أصرّت وصمّمت و"ضربت الطينة بالعجينة"، واتخذت هي بذاتها خطوتها العملية إلى الأمام دون تمديد ولا إبطاء.
بحثت هي بنفسها عن "ضُرّتها"، شابة جميلة أديبة تصغرها بعشرين عاما.
تمّ الزواج الميمون بين جمال وسناء، ولعبت حفيظة دورا محوريّا في تحضير وإتمام مراسم الزفاف، زفاف زوجها على ضُرّتها الشابة الواعدة.
سناء من شدّة حُبّها ل حفيظة كانت تُناديها خالتي.
بعد ثلاثة أشهر "حبلت" سناء، وفي نفس الوقت، حبلت "خالتها" حفيظة!!!
كاتب ودبلوماسي فلسطيني