بقلم: محمد جلال عيسى
ينظم الشاعر محمود الحديدي قصيدته "لن أسالم" بأساليب وتراكيب وصور مفجرة للطاقة الشعرية, تأتي بمقاربة موحية لواقعه توازي الواقع النفسي والانفعالي والاجتماعي الذي يعيشه الشاعر, فنجده يرفض التهاون ويكون ناقم على نفسه أن يتقاعس عن إعادة حقه, فيعمد إلى الأنماط التركيبية من الجمل الإنشائية الطلبية, التي تكشف عن بأسه وإصراره على النضال, والتي تدق ناقوس الثورة ضد المحتل, قائلاً:
مالي ومالُ السلمِ! لستُ مسالمًا بل فارسٌ يهوى المعاركَ والقتالْ
أأبى القعودَ فلستُ معتادًا سوى أن أمتطي ظهر الجوادِ إلى النزالْ
هنا إشارة إلى قدرة الشاعر على إثارة التساؤلات التي تشكل إيحاءً صادقاً للمتلقي, فتنقله من حالة الشك والتردد إلى حالة من اليقين والإقرار التي تدفعه نحو الحراك, ويستخدم الشاعر محمود الحديدي الاستفهام بالهمزة, التي من معانيها الاستبعاد, فيستبعد الشاعر عن نفسه التقاعد والتخاذل عن الجهاد, ومنه ما جاء في قوله تعالى: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ), فلا يجوز حمل الاستفهام هنا على حقيقة الاستفهام وهو ظاهر بل المراد استبعاد أن يكون لهم الذكرى بقرينة قوله تعالى: (وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ), فالاستفهام بحاجة إلى مزيد من التأمل؛ للكشف عما تحمل المعاني من أسرار, وبهذا يكون الاستفهام, "حيث يكون طلب الفهم لما ليس مفهوماً, أو طلب حصول الصورة الذهنية"(عبد المطلب, 1984 :168), فينقلنا الاستفهام هنا إلى معنى آخر غير معناه الحقيقي, أما في قول الحديدي:
أأهيمُ في الشهواتِ بينَ سفاسفٍ وبلادنا تُقصى وتسلبُ من عيال؟!
كلَّا وربي لا تطيب لي الحياةُ إذا سأرخي مهملًا عنها الحبالْ
جاء الاستفهام هنا إنكاري مُصْطحباً بأداة نفي, "فالمعنى على التقرير أي أن الأمر في الحالتين على عكس بنية الجملة"( حسان, 2003 :197), فالمعنى هنا أنه ينكر أن يهيم في الشهوات ولن يترك أرضه تسلب, فالشاعر يعلم جيداً قوته, فيستنهض الهمم من خلال هذه صورة تعمق علاقة الفلسطيني بأرضه فلا تطيب له الحياة وهي مغتصبة, وعليه فقد جاء الاستفهام في قصيدة محمود الحديدي (لن أسالم) محملاً بمعانٍ جديدة وقيم بلاغية وجمالية ومعنى آخر للاستفهام بعيداً عن معناه المألوف, وكذلك في استخدامه لفعل الأمر بصورة جمالية بعيداً عن المعنى المتداول المباشر للأمر فيقول:
سأقاتلُ الأعداءَ حتى أرتقي إما إلى ربي وإما للنوالْ
ما عشتُ في زمنِ الضعافِ رهينةً لا أرتضي إلا مناطحةَ الجبالْ
يحاول الشاعر هنا أن يصدر إشارة ليحث المتلقي ويطلب منه قتال الأعداء, ويقول له: أن قتالهم إما سيرتقي بك إلى لقاء ربه, أو إلى النصر وتحقيق المراد, تم يأمر أبناء شعبه بأن يكونوا مثله فيرفضون العيش في زمن يكون لهم فيه إهانة, ويطلب منهم أن يرفضوا هذا العيش, ويناطحون السحاب ويقاتلون في قوة من أجل كرامتهم.