بقلم: د. صبري صيدم
في حديثه مع الصحافي المخضرم أندرو مار في الرابع والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني الحالي، وعلى شاشة «بي بي سي» تحدث يولي إيدلستاين وزير ما يسمى بوزارة الصحة الإسرائيلية، عن سبب عدم توفير دولة الاحتلال للقاح كورونا للفلسطينيين.
إيدلستاين حاول بداية أن يقول إن الأولوية هي للمواطن الإسرائيلي، الذي يدفع الضرائب، لكن مار عاد وأصر على سؤاله، فرد عليه إيدلستاين بأن «ما يسمى باتفاق أوسلو» حسب قوله، حدد المسؤوليات، وأن لا وجود لمسؤولية قانونية على إسرائيل في الأمر، بل إنه يرى أهمية أن لا يشهد الوباء تفشياً وسط الفلسطينيين، أي أنه وبعبارة أخرى يخشى انتشار الوباء فلسطينياً فيؤثر في إسرائيل، وعندها قاطعه مار ليذكره بأن القانون الدولي أسمى من الاتفاقيات، وأن إسرائيل بصفتها دولة الاحتلال تتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه من تحتل، وتوفر اللقاح. عندها قال الوزير الليكودي من أصول أوكرانية، إن توفير اللقاح إذا ما كان مسؤولية وزير الصحة الإسرائيلي، فما هي مسؤولية وزيرة الصحة الفلسطينية؟ «رعاية الدلافين في عرض المتوسط»؟ في تلك اللحظة ذكّره مار بأن اكثر من 200 حاخام كانوا قد وقعوا على عريضة تذكر وزير الصحة الإسرائيلي بمسؤولية دولته الإخلاقية تجاه الأديان الأخرى، ليرد وزير الاحتلال بأن تلك المسؤولية، جعلته يأذن بتوفير بعض اللقاحات المحدودة للطواقم الطبية الفلسطينية، على حد زعمه.
الوزير الوحش، أو وزير صحة الاحتلال مهتم بدافعي الضرائب، أما من سرقت حكومته أرضه لبناء المستوطنات، وجدار الفصل العنصري، والقواعد العسكرية والمحميات المزعومة، ومن نهبت ماله وضرائبه، وحرمت شعباً كاملاً من حقوقه، بعد أن هجّرت أهله ودمّرت مدنه وقراه، وصادرت عاصمته ولاحقته في دولٍ عدة، وقصفته وقتلته، فإنه لا ينطبق على هؤلاء القانون الدولي، ولا قرارات الشرعية الدولية، ولا مقررات حقوق الإنسان، ولا الاتفاقيات الدولية، ولا حتى المسؤولية الأخلاقية التي شرعنت عضوية إسرائيل في منظمة الصحة العالمية، بل إنه لا يرى وجود أي مسوغ قانوني لتوفير اللقاح اللازم للفلسطينيين، ويقول إن وزيرة صحة فلسطين، إن لم توفر اللقاح فإن دورها رعاية الدلافين في عرض البحر، الذي يسرق هو وحكومته في كل يوم حدوده وموارده الطبيعية من غاز وغذاء.
المفارقة في الأمر أن الوزير ذاته وظف مقومات دولة الاحتلال للتباهي أمام العالم كونها الدولة الأسرع في تطعيم رعاياها، مع حرصه المطلق على أن لا يرى ولا يسمع أحد الحقيقة الكاملة، أن دولة الاحتلال وبرفضها توفير اللقاح للفلسطينيين إنما تتخلى عن إحدى المسؤوليات الموصفة في القانون الدولي، بصفتها القائمة بالاحتلال، وتساهم في ذبح الشعب الفلسطيني وقتله، بعد أن انتقل الوباء عبر مستوطناتها إليه، ليسبق ذلك إصابته بأمراض عدة تسببت فيها مجاريه ومياهه العادمة ونفايات مصانعه وبضائعه الفاسدة ومخلفات أسلحته.
وزير الاحتلال لا بد أن يعلم أن تصرفا لا أخلاقي كهذا، إنما يستأهل أدراجه ضمن ملف فلسطين لدى محكمة الجنايات الدولية، باعتبار تأخر اللقاح إنما يجعل مجتمعاً برمته عرضة للخطر والموت.
إن تقاعس إسرائيل عن توفير اللقاح، يجب أن ينقل وبوتيرة أكثر إلحاحية إلى طاولة منظمة الصحة العالمية، التي حرصت إسرائيل على أن تتصدر رسومها البيانية للتباهي بسرعة توفير اللقاح لرعاياها، لذلك عوضاً عن أن تنفذ منظمة الصحة العالمية هذا الطلب، فإن عليها أن تذكر دولة الاحتلال بأن الإدعاء بأن تطعيم ملايين الإسرائيليين إنجاز، فإن التخلي عن ملايين آخرين وإنكار حقهم في الحماية الصحية، إنما يضاف إلى سجل سقطات الاحتلال.
المهم أيضاً أن يستذكر المحتفون بأن أولئك الذين يخسرون حياتهم بفعل الوباء وتنكر الاحتلال، إنما هم ضحايا جريمة جديدة ضد الإنسانية، فهل نرى ضغطاً أكبر من منظمة الصحة العالمية وجهات العلاقة؟.