الكاتب: نبيل عمرو
خص القيادي الفلسطيني نبيل عمرو وكالة معا بمقالة تحدث فيها عن تجربة فتح في السلطة لاسيما أنها فوتت دروسا هاما لم تستفيد منها...
حمّل العالم وجزء هام من الرأي العام الفلسطيني، المسؤولية على فتح عن الفشل الذي اعترى تجربة السلطة الوطنية، رغم العديد من النجاحات الأولية التي أنجزت، وفي حالتنا فإن الفشل يأكل النجاح.
وبدا لكثيرين ان التجربة سقطت مع ان كلمة السقوط كبيرة وغير دقيقة في التوصيف، تماما مثل كلمة النجاح الساذجة التي تقال دائما بمناسبة وبدون مناسبة.
تجربة طويلة خاضتها فتح في أزمان مختلفة، زمن المنفى ثم العودة الى الوطن.... زمن الكفاح المسلح ثم التسوية والتفاوض... زمن شراسة مقاتلة إسرائيل ثم الاعتراف بحقها في الوجود ضمن حدود آمنة ومعترف بها، وكلمة معترف بها نحتت خصيصا من اجل الفلسطينيين
وفي زمن انتفاضة الحجارة الى زمن انتفاضة السلاح ومن اول رصاصة اطلقت حتى آخر نفس كان ياسر عرفات الرجل الأول في كل الازمان والتجارب والانطلاقات والتحولات، كان قائدا جماهيريا وظل قائدا جماهيريا، لم يكن رجل اجماع بل اغلبية متفوقة، فثلما كان له اتباع ومريدون يسيرون معه أينما اتجه كان له خصوم يعارضونه حتى لو اتخذ قرارات سديدة، وكانت فتح بالنسبة له خليته الأولى في جسم فلسطيني وعربي وعالمي، لم تكن كل شيء الا انها كانت حجر أساس لكل شيء.
غياب عرفات كان درسا يجدر وعيه والبناء عليه، غير ان الحركة الكبرى صاحبة التجارب الغنية عوضت الفرد بفرد واحتفظت بظلال عرفات في العمل دون التدقيق في امر بديهي هو ان طرق عرفات في حياته لا يصلح العمل بها بعد مماته.
درس آخر لم تحسن فتح الإفادة منه هو سقوطها في الانتخابات العامة التي اسستها من الالف الى الياء، وهذا اعمق وافدح فشل وقعت به كمن ينظم امتحانا ويضع اسئلته واجوبته ويرسب، وامام من؟ امام من اعتبر ما فعلته فتح في امر التسوية خيانة، فاختطف نتائجها محتفظا بادعاء عدم التلوث.
أصيب عقل فتح بعد الخسارة بحالة من اللاتوازن، فبدل ان تقرأ مكامن وعوامل الفشل لم تسلم به ولكن لم تحسن وضع بدائل عنه، فأقدمت على خيار مرتجل ندمت عليه وتراجعت عنه ولكن في وقت غير مناسب، الخيار الذي ندمت عليه هو الا ستنكاف عن الحكومة تحت شعار شعبوي غلافه الزهد، مع ان المنطق يقول ان الحكومة الشرعية مركز قوة فعلي وليس عبئا أخلاقيا، كان الأولى ان تشكل الحركة الكبرى حكومة تخلو من مثالب الحكومات السابقة، وتضم افضل الكفاءات الوطنية وما اكثرها في بلادنا، الا انه وبفعل الامزجة المتقلبة تم تحويل الدكتور سلام فياض الى اله من تمر صنع ليعبد أياما وليؤكل في نهاية المطاف.
وبعد ان تكرس الانقسام، وتراجعت حياتنا الى حدودها الأدنى فطنت فتح لأهمية الحكومة في مجال القيادة، فأعلنت عن تأسيس حكومة فتحاوية، بدت كما لو انها ثمرة يقظة متأخرة بعد خطيئة مبكرة.
ما يقال عن فتح تصريحا او تسريبا يظهر ان الحركة في حالة اضطراب من النوع الذي يستحيل اخفاؤه او تمويهه، والاضطراب يظهر على هيئة خيارات متعددة ومتعارضة مثل قائمة مشتركة مع حماس او قائمة مشتركة مع الفصائل التي تُحمل ولا تَحمل، مع شروط قل نظيرها في أي مكان من العالم فيها من الممنوعات عن الترشح اكثر مما فيها من المسموحات، وكأن الكفاءة السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية تحددها شهادة الميلاد.
لست في معرض سرد تفصيلي عن التجارب التي لم تستفد فتح منها ولكنني تحدثت عن امثلة ذات دلالة وللحديث بقية في مقالات أخرى.