رام الله- معا- أطلقت اليوم الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" نتائج وتوصيات التحقيق الوطني بشأن التأمين الصحي، )نحو تأمين صحي شامل وعادل) الذي أعدته بالتعاون مع شركائها لجان العمل الصحي، مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، مركز بيسان للبحوث والإنماء).
جاء ذلك خلال المؤتمر الذي عقدته الهيئة اليوم، في مدينتي غزة ورام الله وبالربط عبر تقنية الفيديو كونفرنس، بحضور الدكتورة مي كيلة وزيرة الصحة، والأستاذ عصام يونس المفوض العام للهيئة، والدكتور عمار الدويك المدير العام للهيئة، والدكتورة رند سلمان من منظمة الصحة العالمية، وممثلين عن المؤسسات الشريكة، والاغاثة الطبية، ونقابة الأطباء، وخبراء ومختصين في المجال الصحي والحقوقي.
وفي كلمتها، أكدت الدكتورة مي كيلة وزيرة الصحة على السياسة التشاركية والحوارية لدى وزارة الصحة لتطوير نظام التأمين الصحي، عبر رؤية شاملة للتأمين الصحي الفلسطيني، وأوضحت أن وزارة الصحة تولي ملف التأمين الصحي أولوية كبيرة، حيث عمدت الوزارة على مراجعة شاملة لنظام التأمين الصحي، وتم تشكيل لجنة من الحكومة الفلسطينية لمتابعة الموضوع، وعملت اللجنة حثيثاً على رفع نتائج هذه التوصيات للحكومة التي تعطل تنفيذها بسسب جائحة كورونا.
من جهته أوضح الأستاذ عصام يونس المفوض العام للهيئة أن هذا التحقيق يأتي في إطار المكونات الأساسية لخطة الهيئة الاستراتيجية للتأثير في التشريعات والسياسات والممارسات وفحص واقع الحق في الصحة عبر آلية التحقيق الوطني، مبيناً ان الاختيار وقع على التأمين الصحي كموضوع للتحقيق كونه يعد أساس الحصول على الخدمات الصحية وأحد ضمانات تمتع المواطن بحقه الأصيل في الصحة، بهدف وضع نتائج وتوصيات للوصول إلى منظومة للتأمين الصحي الشامل بما ينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الانسان والتزامات دولة فلسطين كطرف موقع على الاتفاقيات ذات العلاقة. مؤكدا ضرورة النظر في السياسات والممارسات المتبعة والقرارات الصادرة بهذا الخصوص ودور المكلفين بإنفاذ القانون وتقديم الخدمات.
من جانبه أشار الدكتور عمار الدويك المدير العام للهيئة إلى ان إطلاق هذا التحقيق الوطني يأتي ثمرة لعمل استمر على مدار سنتين، بالشراكة مع مؤسسات أهلية ودولية ورسمية بهدف تحديد الإشكاليات والفجوات المتعلقة بالتأمين الصحي، بكافة أنواعه والتي تحد من تمتع المواطنين بها، وشدد على أن التأمين الصحي يجب أن يراعي كل الفئات والشرائح كالمرأة وذوي الإعاقة وغيرهم، معرباص عن ترحيبه بالانتخابات لإعادة العملية الديمقراطية للمجلس التشريعي لتسليط الضوء على السياسات الاجتماعية ومسألة التأمين الصحي من الناحية القانونيّة.
وحذرت مديرة معهد الصحة العامة في فلسطين، رند سلمان، من أن العواقب المالية وسدادج المواطنين من جيوبهم للتمتع بالخدمات الصحية يعرضّهم بشكلٍ أساسي للفقر الواضح ويهدد مستقبلهم ومستقبل أولادهم، مؤكدة أن التغطية الصحية أحد أهم مقومات التنمية المستدامة للارتقاء بأي مجتمع وأن يحصل كل فرد على كل أنواع الخدمات الصحية دون التعرض لضائقة مالية، لافتة إلى العديد من المبادرات التي قدمها المعهد بشأن التأمين الصحي، وبجهود تشاركية تم إنشاء نظام معلوماتي صحي حديث، وتكللت هذه الجهود بحوسبة النظام الصحي لكل الأسر، إضافة إلى أول مرصد للكوادر الصحية، ويمكن لصانعي القرار الاستفادة من هذا المرصد لحسن توزيع الكوادر وإدارتها داخل المؤسسات الصحية الفلسطينية، في سبيل وتسريع الإنجاز بما يخص الصحة.
وتحدثت شذى عودة مدير عام لجان العمل الصحي عن دور مؤسسات المجتمع المدني التاريخي في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني من خلال تقديم خدماتها في مختلف مناحي الحياة مشيرةً الى ان هذه المؤسسات تتبنى مضمون الحق في الصحة وعناصره وهذا ما استند اليه التحقيق الوطني، فالصحة هي حق للمواطن وليست مجموعة خدمات تقدم له.
وتضمن المؤتمر جلستين، ترأس الجلسة الأولى الدكتور فتحي أبو مغلي الخبير الصحي، حيث تضمنت نتائج نقاشات وتوجهات الفئات الاجتماعية المختلفة بخصوص التامين الصحي، النساء، المسنين، ذوي الإعاقة، الشباب، العمال، تحدث فيها الأستاذ عبد الرزاق غزال من لجان العمل الصحي، والأستاذ عبد العزيز الصالحي من مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية والأستاذة عائشة أحمد من الهيئة، والأستاذة حنان حسين من مركز بيسان للبحوث والإنماء والأستاذ حازم هنية من الهيئة.
فيما ترأس الجلسة الثانية الأستاذ جهاد حرب الباحث الرئيسي في ائتلاف أمان، وتناولت الانقسام السياسي وأثره على تقديم الخدمة الصحية.، وتشرذم أنظمة التامين الصحي القائمة وسياساته التشريعية والمالية، وقدرة النظام الصحي على التعامل مع الازمات والاوبئة العامة، وتحدث فيها الأستاذ يحيى أبو الرب من مركز بيسان للبحوث والإنماء، والأستاذ فراس جابر من مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وكل من الأستاذ أحمد الغول والأستاذ معن دعيس من الهيئة المستقلة.
واستعرضت الأستاذة خديجة حسين مديرة دائرة السياسات والتشريعات الوطنية في الهيئة أبرز نتائج التحقيق الوطني، مبينة أن تحقيق تغطية صحية شاملة، وفق رؤية وأهداف خطط التنمية الفلسطينية، يتطلب توفير خدمات صحية شاملة ومتكاملة، بشكل يتمحور حول احتياجات الناس باختلاف فئاتهم، وتوفير التمويل اللازم للخدمات الصحية، بصورة عادلة وغير مرهقة، يعتمد على مساهمات الدولة والأفراد، الأمر الذي يتطلب إصلاحات بنيوية في النظام الصحي الفلسطيني، نتيجة عدم قدرة النظام الحالي على تلبية كافة خدمات الرعاية الصحية بشكل متكامل وشامل، بالإضافة إلى قصور في أنظمة التمويل الحالية، وإلى تشرذم وتعدد أنظمة التأمين، وارتفاع إجمالي إنفاق الأسر على الصحة، في ظل غياب إدارة عامة تعمل وفق إطار قانوني على تنظيم تقديم خدمة الرعاية الصحية لجميع الفئات.
ويبحث التحقيق الوطني الذي يمثل أداة هامة من أدوات الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان، والذي تم العمل عليه على مدار العامين الماضيين في الإشكاليات المتعلقة بواقع التأمين الصحي بجميع انواعه (الحكومي، الخاص، والتعاوني) والتـي تحد من تمتع المواطنين بالحق في الصحة، ويعالج الاشكاليات القائمة على المستويات (التشريعية والسياساتية والممارسات)، وقد تناول توجهات ورضا الجمهور من خلال مسح توجهات الجمهور الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2019، ومن خلال تنفيذ نقاشات (19) مجموعة بؤرية في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومن أبرز التوصيات التي خلص إليها التحقيق الوطني:
- إعادة تنظيم الأطر التشريعية لنُظم التأمين الصحي، بحيث يتم إعداد قانون للتأمين الصحي يستند الى شمولية التغطية والخدمات، من خلال آليات تمويل ميسورة التكلفة وعادلة، يساهم الأفراد والحكومة في تمويلها، وإنشاء إدارة قوية قادرة على إدارتها.
- إنشاء مؤسسة (هيئة وطنية) لتنظيم وإدارة التأمين الصحي، تضع وتنفذ الاستراتيجيات والإجراءات الكفيلة بتقديم خدمة الرعاية الصحية، وتنظيم آليات تمويلها عبر صندوق وطني يساهم فيه المواطنون والدولة بناءً على دراسات مالية واكتوارية، بحيث لا يضار المواطنون بصحتهم.
- الاستفادة من نتائج هذا التحقيق الشامل، والدراسات والتقارير السابقة المتخصصة بالرعاية الصحية، وتلك المتعلقة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني، لبناء تأمين صحي يتجاوب مع واقع واحتياجات الفلسطينيين المختلفة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، والانقسام الفلسطيني.
- ضرورة إجراء التفاهمات اللازمة مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لاستمرار تقديمها لخدمة الرعاية الصحية للاجئين الفلسطينيين، وضمان عدم حدوث ازدواجية في تقديم الخدمة، أو التمويل، مع ضرورة القيام بالتفاهمات اللازمة مع مقدمي خدمات الرعاية الصحية في القطاع الخاص في ذات الوقت.